سنة الحياة أن يعقبها موت، لكن أحياناً تختلف سنن الكون، وربما أعقب الموت حياة، وخصوصاً حين يرتبط الموت بقضية إنسانية لا يمكن معها إلا أن يكون موت ذلك الإنسان حياةً لآخرين، وتخليداً لذكره، فالأنبياء قتلوا في سبيل إحياء كلمة حق، وسيد الشهداء، حبيب المصطفى الإمام الحسين (ع) قتل في سبيل الحق وإعلاء رسالة جده رسول الله. وعمر المختار، وجيفارا، ونماذج عدة لأحرار آثروا الموت في سبيل قضية، وعلى نهجهم يسير اليوم ملايين البشر، عابرين طريق الحرية الوعر، إلى جنان الإنسانية في صورتها المكتملة بالكرامة والحرية.
وليس أقرب من الثائر ضد الجور، الشاب التونسي البوعزيزي الذي حين أحرق نفسه، لم يكن يترقب مكاسب ذاتية، لكنه أضاء العالم العربي بربيعٍ يذهب ظلمته وظلامته. في ذلك اليوم لم يمت البوعزيزي وحده، بموته مات الخوف العربي، والجبن العربي، والخذلان العربي، والصمت العربي الذي أطبق على الإنسان هنا عقوداً مديدة، لو لم تنتصر الثورة التونسية لكانت حياته أهدرت بلا طائل، لكن الانتصار للمبادئ الإنسانية التي يتربع على عرشها الإنسان، يجعل للموت قيمةً إضافية.
وجدت الثورات لتصحيح اعوجاج الأنظمة، التي تجثم على الصدور الحرة منذ عقود لا يبدو أنها ستنتهي من دون هذه الدماء التي تقدم قرابين للحرية.
يموت البعض أثناء بحثهم عن الحياة، ومن الظلم أن يمضي الأشخاص للموت وقد كانوا ينشدون بقاءً أجمل، يبحثون عن الحياة في التفاصيل، يريدونها بشدة. بمضيهم لا يكون الموت قضيتهم بل قضيتنا نحن، كما قال غسان كنفاني: «إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين»، قضية من سيحمل هذا الموت ليطالب بالقصاص، وقبله بتنفيذ الوصية الأخيرة، المطلب الأخير، والحلم الأخير لرجلٍ سيكون ميتاً بلا شك بعد أن يصرح به.
الماضون أكثر صلابةً من الباقين، وأكثر تمسكاً بالحلم. أن يموت المرء في سبيل حلم لهو قمة اليقين، لكن البعض يقتل من دون أن يدرك لمَ قتل، وبأية جريمة عوقب، وتحت أي قانون نفذ فيه الحكم. صدف أثناء وجودي بالمطار أن جلست قرب امرأةٍ سورية، مع تبادل الأحاديث والأوضاع في سورية قالت: أخي استشهد قبل يومين، وبكت، سألتها: هل أنتم من المعارضة؟ فقالت: أي معارضة هذه التي تقتل شعبها! لطالما استمعنا للصوت الآخر، صدقنا أن الحكاية هي ما نراه، لكن ما لا نراه أكثر، مع تكرار القصص التي تنقل حكاية الآخر الذي اختفى صوته وسط ارتفاع أصوات الرصاص المتبادل. كفرت بالإعلام كله، سنصدق الناس التي تصرخ، تبكي، وتعاني، هذا الوجع لا يمكن تكذيبه.
الموت الذي يأتي مغلفاً بالكذب، أحق بإنصافه، والبحث عن حقيقته. لا ندافع عن الأنظمة، لكن ندافع عن الشعوب التي تقع تحت مظلتها. فمن المعيب قتل الإنسان كائناً من كان، والأكثر لؤماً هو سرقة موته للمتاجرة به في سبيل مكاسب لأطراف أخرى، وخصوصاً حين تغض الطرف هنا عن المسروق وأوجاعه.
إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"العدد 3708 - الأربعاء 31 أكتوبر 2012م الموافق 15 ذي الحجة 1433هـ
وقائع واحداث تغير مجرى حياة اي فرد منا قد تزداد بفعل فاعل كعائق عمدا او دون دلك ما يحتم ويتحتم عنه اتخاد موقف معاد من الاول اتجاه الثاني وتحول كلي من الهدف الاساس الى الشوائب والمعوقات كهدف اساسي حتى ولو كان الثمن النفس والنفيس دوما الشموخ ولا الرضوخ "" لا نكسب افلاطون يامروان "" fuatre kanon
شكرا لكم
شكرا جزيلا لكتاب الوسط ممن يتناولون مواضيع مهمة وحساسة لها دلالاتها الكبيرة على أرض الواقع, وكم تبلسمون بذلك خواطر مكسورة وتصلون عوائل مقهورة
سلمت
سلمت اقلامكم يا كتاب الوسط الشرفاء
رب ارجعوني,,,,,,
يقول سيد الشهداء الإمام الحسين (ع): الحياة في موتكم قاهرين, والموت في حياتكم مقهورين. من أجل ذلك انقلبت موازين القوى, فيصبح الشهيد حيا بعد موته, ويكون الذليل ميتا وسط قومه , وأن ليس للإنسان اختيار الذل والخضوع والعبودية لغير الله الملك القدوس لطالما ينطق الشهادتين, إلا أن يناقض نفسه ويتبع هواه فيترك القول بالحق ويأتمر بغير أمر الله