الوجود الهندي في الخليج قديم، وهو لاشك سابق على الهيمنة البريطانية على شئون الخليج، لكنه تكرس بصورة أوضح بعد العام 1820 بعد هذه الهيمنة التي وفرت له غطاءً سياسياً وعسكرياً.
كانت البحرين معروفة كمركزٍ تجاريٍ مهم لتجارة اللؤلؤ والبهارات؛ وهو ما جعلها مكاناً لجذب البهرة المشتغلين أصلاً بالتجارة. وغالبية البهرة الموجودين في البحرين هم من التجار وممن ينشطون في تجارة القماش والحديد والعقارات. وقد كانت التجارة من أكثر العوامل تأثيراً في العلاقة بين الهند والخليج على مر التاريخ.
لقد كان وجود التاجر الهندي من السمات المألوفة في الخليج وفي الخطاب الذي ألقاه ممثل الهندوس عند زيارة اللورد كرزون إلى الخليج العام 1903 أشار إلى أن الهنود موجودون في الخليج منذ مئتي سنة مضت بحسب ما تذكر نورة محمد القاسمي في كتابها «الوجود الهندي في الخليج العربي».
بخلاف المجتمعات الخليجية الصغيرة الأخرى، كانت جزر البحرين ونتيجة لطابعها الزراعي الاستقراري وازدهار تجارتها البحرية المدنية وغناها النسبي ذات مركز استقطاب لكثير من الجماعات القاطنة على ضفتي الخليج العربي وفي أواسط الجزيرة العربية. كما كانت، وعلى الدوام، محط أنظار القوى البحرية في الخليج سواء أكانت القوى الإقليمية منها كالفارسية والعمانية والعتوب، أو الأجنبية كالبرتغالية والبريطانية. وقد ساهم هذا العامل، بالإضافة للعوامل المجتمعية الأخرى، في خصوصية التركيب الديمغرافي للجزيرة ومرونة انصهار عناصرها الوافدة بالمقارنة بأقطار الخليج والجزيرة العربية الأخرى.
وفي فترة مبكرة من العقد القرن الماضي ظل الهنود يمثلون ثالث أكبر الجاليات الوافدة بعد الإيرانيين والعرب، وكان لهم في البحرين ودول الخليج دور كبير في الحياة الاقتصادية التقليدية والمحدثة للجزيرة حيث اعتمد البريطانيون على المهارة الهندية في التحديث الإداري للدولة.
وفي فترة ما بعد اكتشاف النفط في الخليج الثلاثينيات من القرن الماضي اعتمدت بريطانيا على الهنود لإشغال الوظائف الفنية والتقنية المرتبطة بأعمال النفط، أو تلك الأعمال التي ظهرت على هامش اكتشاف النفط وتصديره، وهكذا لعب بعض الهنود دوراً مهماً لم يكن بمقدور أبناء الخليج وقتها القيام به لقلة مهاراتهم وتواضع علومهم الفنية حسبما يذكر عبدالله المدني في كتابه «معالم الدور الهندي في الخليج».
ومن أهم الأسباب التي منعت اصطدام أهل الخليج بالهنود، هو أن الهنود في الغالب لم يكونوا يتعاطون الأمور السياسية، وبالتالي لم يصدر منهم ما يفيد تدخلهم في الشئون المحلية بطريقة سافرة، وكان همهم الأول والأخير الكسب المادي وتحسين ظروفهم الاقتصادية كما هو حالهم اليوم.
يؤكد شيخ طائفة البهرة في البحرين الشيخ مقداد أصغر زين الدين أنهم لا يعيشون «كفئة منفصلة عن محيطنا الاجتماعي، فلنا علاقاتنا الواسعة وصداقتنا وروابطنا الإنسانية مع بحرينيين من كل الأطياف، نحن نعتبر أنفسنا مكوّناً أساسياً من مكونات المجتمع البحريني».
وحين سألت الشيخ مقداد أصغر عن تاريخ الوجود البهري في البحرين أكد لي أن البحرين تعتبر من أوائل الدول الخليجية التي عاش فيها أبناء طائفة البهرة بحرية تامة ومارسوا حياتهم التجارية والاجتماعية بانسجام وشعور عالٍ بالأمن. «البحرين كانت تمثل أحد المراكز التجارة المهمة للعرب منذ القدم، فقد كان اليمن يمثل مركزاً تجارياً مهماً من جهة الغرب، فيما كانت البحرين تمثل أهمية تجارية بالغة في الشرق، لذلك كانت البحرين بالنسبة لطائفة البهرة نقطة انطلاق مهمة ومبكرة» ويؤكد الشيخ مقداد أن وجود البهرة في البحرين يعود إلى ما قبل 200 سنة، وقد ساهم التجار ورجال الأعمال من أبناء الطائفة في تأسيس غرفة تجارة وصناعة البحرين».
يصل عدد أبناء طائفة البهرة في البحرين 750 من الرجال والنساء والأطفال، بحسب ما تؤكده سجلات الطائفة البهرية، إلا أن البهرة يشكلون قوة اقتصادية مهمة في البلاد على مدى تاريخ وجودهم القديم، وفيهم رجال مال وأعمال، كما أن منهم المهندسين والأطباء، وعلى رغم أن غالبيتهم من أصول هندية وباكستانية إلا أن الكثير منهم يحملون جنسيات أميركية وأوروبية هي دلالة على ترحال دائم وراء الرزق وحلم الثروة.
للبهرة في البحرين موقع إلكتروني يحمل اسم «أنجمن سيفي» (الجماعة السيفية) تيمناً باسم سلطان الطائفة وزعيمها الراحل طاهر سيف الدين (ت 1965) والد سلطان البهرة الحالي «الداعي الفاطمي المطلق الثاني والخمسون» محمد برهان الدين الذي يدير من محل إقامته في بومبي في الهند شئون اتباعه البالغ عددهم نحو مليوني بهري. ويتضمن الموقع أخبار جمعية البهرة الإسلامية ونشاطاتها واحتفالاتها التي تقيمها في المناسبات الدينية.
وفيما كنت جالساً مع الشيخ مقداد دخل علينا رجل ستيني بلحية بيضاء، وحين فهم أنني صحافي مهتم بتاريخ التواجد البهري في البحرين؛ قال بعربية تخالطها اللكنة الهندية إنه مقيم في البحرين 37 عاماً، وكان قد قدم إلى البحرين مع والده، وهو اليوم يدير محلاً لبيع القماش «محلات قربان» في منطقة الرفاع، وأن عمر هذا المحل نحو 100 سنة!
يستخدم البهرة في حديثهم لغة يطلقون عليها «لغة الدعوة»، وهي مزيج من اللغة الكوجراتية (لغة الهند الأصلية) والأوردو وبعض المفردات العربية الفصيحة، ويقول الشيخ مقداد أصغر إن هذه اللغة اتخذها البهرة كجسر لتعلم اللغة العربية وإتقانها.
لدى البهرة زي موحد، هو عبارة عن قميص أبيض طويل يمتد إلى ما دون الركبة مشقوق الجانبين، وسروال أبيض مع قلنسوة بيضاء مزركشة الحواف. وهو أشبه باللباس الديني والاجتماعي، إذ يحرص البهرة على ارتدائه في المساء، أو في تجمعاتهم الدينية.
يقول الباحث عبدالله المدني في لقاء خاص لي معه إن لفظ «الخواجة» كان يطلق في الخليج قديماً على التجار الهنود المسلمين المتواجدين بيننا وذلك تمييزاً لهم عن التجار الهنود غير المسلمين كالهندوس والسيخ والبارسيين. والذين كان يطلق عليهم البانيان، وبطبيعة الحال كانت الكلمة تطلق على البهرة أيضاً باعتبارهم مسلمين، لكن من دون تخصيص لهم وحدهم بها، أما «اللواتية» فليسوا من البهرة، وهم أقرب إلى الشيعة الإمامية، ويضيف المدني «من خلال احتكاكي بالكثير من اللواتية؛ أستطيع القول إنهم أكثر الشيعة ليبرالية وانفتاحاً وتسامحاً».
ربما تكون قصة الاندماج التي عاشها البهرة عبر تاريخهم الطويل في البلد رداً عملياً ضد سيل التخرصات والأكاذيب التي يلوكها البعض ضد أبناء البحرين الذين عرفوا التسامح كحالة أصيلة في طبعهم وليس كشعارات للارتزاق السياسي.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 3706 - الإثنين 29 أكتوبر 2012م الموافق 13 ذي الحجة 1433هـ
البهره
وجود البهره او غيرهم ليس مشكله .. المشكله هي الجدد الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع الناس الا بالعنف والخشونه , هولاء مرفوضيين من اهل البحرين
الذوق الهندي
لوما الهنود بصراحه العالم ضايع من عمال الىطباخين الى بهارات هم بصراحه العالم معتمد عليهم في كل شئ ما نستغنى عنهم واحسن طبخ هم يطبخونه على شكل بهاراتهم
مفيد
مقال مفيد .. ويتضمن معلومات تاريخية مهمة ويحمل مغزا واضح
Thanks Mr. wessam.
Many thanks.