العدد 3705 - الأحد 28 أكتوبر 2012م الموافق 12 ذي الحجة 1433هـ

كيف يخيط الإيرانيون سياستهم في سورية؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما فَعَلَته دولٌ عالمية وإقليمية مع المعارضة السورية، فعلته طهران مع النظام السوري. وما فعلته المعارضة السورية من تفويض لداعميها، فعله النظام السوري هو أيضاً مع طهران، التي تعتبر الداعم الأول له إقليمياً. هذا الواقع، هو الذي سَعَت إيران لأن تفرضه في سورية ومسرح الثورة فيها، وتالياً على خارطة العسْكَرة التي صاحبتها. وقد تحقق لها ذلك بشكل مُحكَم.

تدعم إيران (ومعها روسيا والصين وجنوب إفريقيا والجزائر والهند وفنزويلا) النظام السوري. وتدعم تركيا (ومعها قطر والسعودية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية) المعارضة السورية المسلحة. إذا أراد المحور الأول الوصول إلى المعارضة في السياسة أو العسكرتاريا جاء عبر المحور الثاني، وإن أراد الأخير الوصول إلى النظام في ذات الأمريْن، جاء عبر المحور الأول. هكذا، أصبح الطرفان، زوايا «ضرورة» في المشهد السوري المعقد، دون أن ينتهي التفصيل.

فالمحوران المذكوران يتمدَّدان ويستقويان بميدان الصراع داخل سورية، وبقوة الطرفيْن على التحمُّل. فعندما يقوَى النظام السوري، يقوَى معه المحور الداعم له، وكذلك الحال بالنسبة للمعارضة السورية المسلحة ودعامتها (العلاقة هنا طردية). هذا التساوي في العلاقة الطردية، يقابله اختلاف حاد في الجوهر وفي النتائج؛ لأن نواة المحور الأول، تقاتل مسنودةً على أرضها، بينما تقاتل نواة المحور الثاني عمليًا من خارج الحدود. وهو أمر ينطوي على مخاطر كثيرة يحكمها ميزان المعركة.

فالنظام السوري يقاتل عبر نظام دولة، ومؤسسات عسكرية وأمنية واستخباراتية لها كينونتها الفعلية، فضلاً عن قدرته على التحكم في الثروة والخدمات، والتي تعتبر عاملاً مهماً في حسم الصراعات. بينما المعارضة، تقاتل على أرضٍ هي بالأساس لا ترتكز فيها على مؤسسات مستقرة، تستند إليها. وإن ظفرت بإحداها فإنها لن تكون أكثر من غنيمة حرب طارئة غير مُهيأة للرَّد العكسي.

الإيرانيون أدركوا هذا الأمر جيداً، ودفعوا به مادياً وحافظوا على تلك المعادلة. لذلك، فهم سعوا بقوة إلى تضميد جراحات النظام السوري، وسَدِّ ثقب البرميل في قاعه. لكنهم وفي نفس الوقت أيضاً، لم يراهنوا على ذلك فقط، بل حاولوا أن يمدوا يدًا في الظلام باتجاه خصم حليفهم؛ لأنهم أدركوا، أن لا شيء مضموناً في الحرب، التي بها قد تتضخم السياسة أو تنكفئ. لذلك، فهم عمدوا إلى تنويع مصادرهم في الأزمة السورية. لذا، فليس غريباً أن نقرأ أن لديهم علاقات وثيقة بمعارضي الأسد.

قبل أيام، أعلنت طهران (على لسان نائب وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان) أن حواراً وطنياً يجمع «كل أطراف الأزمة السورية يمكن أن يبدأ قريباً في طهران أو دولةٍ أخرى في المنطقة». هذا التصريح، يمكن أن يكون داعِماً لما نقوله. فطهران، ومنذ مارس/آذار من العام 2011، وهي تخوض معركةً جَدفها في الماء من الجهتين، لأنها تدرك أن كلا المجدفيْن يدفعان بمركبها في النهر إلى الأمام.

لكن، هنا قد يتساءل البعض: كيف يمكن لإيران أن تَنْفَذ إلى داخل المعارضة السورية، التي تعتبرها الأخيرة، عدوة لها وللشعب السوري بدعمها لنظام الأسد، بل وتظهر على أنها وازن رئيسي في الأزمة السورية؟

الحقيقة، أن الإيرانيين يتبعون في الأزمة السورية، سياسة «ضربة على الحافر وأخرى على المسمار». فعلاقتهم بالنظام السوري، هي تحصيل طبيعي لتاريخ ممتد من التعاون يصل عملياً إلى العام 1982. أما علاقتهم بالمعارضة السورية، فهي وليدة دفع من تركيا (القريبة من طهران) لتلك المعارضة التي تعتبر أنقرة وعاءها الداعم. وبالتالي يتقاسم البلدان مسألة تجسير تلك العلاقة المتعاكسة، ما بين النظام والمعارضة.

أيضاً، الأتراك تحكمهم مصالح متعددة، ليس في مقدمتها إسقاط نظام الأسد، فهم ملزَمون بالعلاقة مع الروس وبميزان عسكري حسّاس، يضم العراق ودولاً في القوقاز واليونان وحزب العمال الكردستاني والتنظيمات المتطرفة. وبالتالي، فإن تحركهم السياسي محكومٌ بكل ذلك، وليس كالمعارضة السورية المسلحة، التي يمكنها العمل ضمن محدد أوحد وهو إسقاط نظام الأسد.

أيضاً، الإيرانيون يتبعون سياسة أخرى تقوم على «نتف الوبر عن قشرة البيض». بمعنى أنهم يمتلكون صبراً خرافياً في التعامل مع القضايا المحيطة بهم. فعلوا ذلك مع الأفغان والعراقيين والأميركان، بل وحتى مع حلفائهم. لذا، فإنه في الوقت الذي يعادي خطاب المعارضة السورية إيران، بل وتم خطف العديد من الإيرانيين داخل سورية، إلاَّ أن طهران تبقي على اتصالاتها مع المعارضة السورية، بما فيها المسلحة منها.

ولأن الإيرانيين يمتلكون شبكةً واسعةً ومعقدةً من العلاقات مع القوى الإسلامية في العالم، ولأن المعارضة الإسلامية السورية، هي التي تسيطر على المشهد على الأرض، فإن الأنباء تشير إلى أن الإيرانيين استعانوا بالعديد من الجماعات الإسلامية ذات الوشيجة التاريخية مع جماعة الإخوان المسلمين السورية، للتموضع بالقرب من تلك المعارضة.

لقد استعانوا بحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وبالقيادات الدينية «السُّنيَّة» في إيران، وبجماعاتٍ أخرى في لبنان والمغرب العربي، ونجحوا في ذلك. وليس غريباً أن نسمع بأن العلاقة ما بين إخوان سورية وإيران لم تنقطع حتى في أحلك أيام القتال داخل سورية. وربما هم يسعون في ذلك، ليس للتموضع فقط، وإنما لوقف نزيف التأييد لهم في الشارع الإسلامي، والذي تضرَّر كثيراً بفعل الأزمة السورية.

في كلِّ الأحوال، فإن المبادرات الثلاث التي أطلقتها أنقرة، كانت تتضمن جميعها طهران للعب دور رئيسي في الأزمة السورية، وهو ما يؤكد قولنا حول طهران. وكلما بعُدَ الحسم العسكري زادَ الحضور الإيراني، للعب دور أكبر في تلك المعادلة، كون ذلك التأخير يؤثر على جوار سورية، وبالتحديد في تركيا والأردن ولبنان، وهو ما يحصل اليوم فعلاً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3705 - الأحد 28 أكتوبر 2012م الموافق 12 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 3:35 م

      راي

      أستاذ لو كما تقول ان المعارضةتدعمها أميركا و المانيا و فرنسا و بريطانيا لكانت المسئلة انحلت بالطريقة التي تريدها أميركا كما حصل في ليبيا لاكنهم يريدون نزيف الدم المسلم و نزيف أموالهم و ترك و نسيان القضية الرئسية القضية الفلسطينية كما حاصل الان

    • زائر 8 | 2:57 م

      العوين الله

      في بداية تأسيس الدوله الإسلاميه في المدينه عقد الرسول ( ص ) حلفآ مع اليهود وذلك ليحمي دولته الفتيه من اي تهديد خارجي كذلك ايران تدافع عن حلفائها في المنطقه والمملكة السعوديه كذلك تناصر حلفائها في المنطقه هذه هي السياسه

    • زائر 7 | 10:11 ص

      ايران بإمكانها ان تكمل دورها كشرطي للخليج ولكن

      كما كانت ايام الشاه بإمكانها ان تسيطر على الدول الصغيرة الضعيفة المجاورة كما كان الوضع ايام الشاه ولكنها تطبق تعاليم الاسلام بحذافيره ولا تظلم أحدا وتساند الشعوب المظلومة السنية قبل الشيعية ولكن مع سوريا المعارضة تقتل الشعب السوري وتفسره وتعمل لصالح اسرائيل وأمريكا ولذلك ايران لا تقف معها

    • زائر 6 | 10:06 ص

      ايران صديقة لكل الشعوب المستضعفة

      ايران الاسلامية لا تغير مبادئها التي أسسها آية الله الخميني وهي نصرة كل المستضعفين من غير مقابل مادي

    • زائر 4 | 9:19 ص

      كل شئ قابل للمقايضة في السياسة

      ليست هناك ثوابت في السياسة بل هي حركة ديناميكية دافعة فلا يستغرب من طهران ان "تلعب علي الحبلين" ولكن يبدو أن القوي الغربية وخصوصا الحكومة الامريكية رات في الازمة السورية استنزاف مادي رهيب للاقتصاد الايراني حيث قدرت بعض المصادر المساعدة الايرانية الي سوريا حتي الآن ما يربو علي العشرة مليار دولار في وقت تراجع سعر التومان مقابل الدولار الي ارقام خرافية . السؤال هل يستطيع الاقتصاد الايراني الصمود والي متي؟ سؤال المليون ...وهناك اربع خيارات لا غير؟؟

    • زائر 3 | 7:07 ص

      ويبقى السؤال

      هل يفعلون ذلك بناء على مصالحهم السياسية ام بناء على مبادئهم الدينية؟
      هذا سؤال محرج لانظمة الحكم السياسية الاسلامية افرزه الربيع العربي حيث ضاعت مبادىء الدين مع مصالح السياسة فتلوث الدين ولم تنظف السياسة.

    • زائر 2 | 3:29 ص

      تغريد خارج السرب

    • زائر 1 | 3:18 ص

      تصريح

      مساعد وزير الخارجية في شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا يقول بان ايران سوف تستمر في مشاوراتها مع مصر وتركيا بشأن الازمة السورية

اقرأ ايضاً