الخرافة الثالثة التي استقرت طويلاً في أذهاننا هي أن «الشعب مصدر السلطات جميعاً، ومصدر السيادة الوطنية». هذه العبارة استقرت في دساتير الدول العربية منذ أول دستور عربي صدر في 1872 في عهد الخديوي إسماعيل.
وتأكيداً لذلك؛ تصدر القوانين والتشريعات باسم الشعب، وتفتتح دورات البرلمان أو الشورى باسم الشعب. بل إن البيان الأول لأي انقلاب عسكري يبدأ «باسم الشعب». والشعب حاضر في مثلث قاعدة الدولة «الله، الشعب، الأمير» في الأنظمة الملكية. بل إن كثيراً من الحكام والرؤساء العرب، يتباهون بالقول: «ما أنا إلا خادمٌ لهذا الشعب». ويمن بعضهم على شعوبهم بأنهم خدموها كذا وكذا سنة، بحيث رد عليهم مواطن تونسي بسيط بالقول: «شكر الله سعيكم. وفَّيتوا وكفَّيتوا. اتركونا لحالنا»!
هذا في الدساتير والقوانين والكتب المدرسية والشعارات والبلاغات في التلفزيون والراديوهات، وفي الإغاني والأناشيد. ولكن في الواقع العكس هو الصحيح. الشعب عند الحاكم العربي هو سديم، مجموعة من الرعايا، ليس لهم حقوق إلا ما يجود الحاكم عليهم وليس لهم من مكاسب إلا ما يتصدق به عليهم. إنه الواهب وهم الموهوبون، وهو المعطي وهم المتلقون، وكما عبر عن ذلك الشعار السائد في البلدان العربية «منك العطاء ومني الولاء».
لقد قدر للشعب أن يبعث الله له الحاكم الفذ ليقوده وينتشله من عجزه، ويعوض بحكمته سذاجة هذا الشعب، وعوضه ببعد نظره عن قصر نظر هذا الشعب! وقد قاد الحاكم العربي بما حباه الله من خصال ومواهب نادرة البلاد نحو التقدم، والشعب نحو الرفاهية، وفرض الأمن والاستقرار، وأدخلها في ظل الحماية الدولية في مواجهة الطامعين.
على الشعب أن يحمد ربه ويشكر حاكمه، لأن شعوباً أخرى تموت جوعاً وتفتقد الغذاء والكساء والسكن والتعليم. نعم حقق الحكام العرب لشعوبهم المعجزات، لكن التقصير هو من الشعوب البليدة وأصحاب الأجندات والعملاء والجهلاء، والحاقدين والحاسدين.
بفضل حكامنا بلغت البطالة في الوطن العربي 35 في المئة، غالبيتها في أوساط الشباب المتعلم، وعجز الشاب عن تكوين الأسرة بحيث ارتفع معدل سن الزواج للجنسين بحدود عشر سنوات، وتراجع التعليم نوعيةً وجودةً، وتراجع الإنتاج الصناعي والزراعي، وأصبحنا دولاً تتسول الغذاء والدواء، والمجاعة تضرب عدة بلدان عربية كما في الصومال واليمن والسودان وموريتانيا.
لقد وثقت تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي «حول التنمية البشرية» ذلك بوضوح منذ 2005 حتى الآن. وبفضل ذلك؛ فإن مجمل الناتج القومي للدول العربية مجتمعةً لا يتجاوز الناتج القومي لأسبانيا العليلة. وحالنا كما عبّر عنه غوّار في نهاية مسرحية «كأسك يا وطن»: يا أبي ما ناقصنا شيء؟ ناقصنا شوية كرامة»! نعم أهم ما ينقصنا هو الكرامة التي أهدرها حكامنا، والحرية التي صادرتها شرطتنا، وتزييف الإرادة في برلماناتنا، والوحدة الوطنية التي مزقها ملوك الطوائف، حتى ارتددنا إلى جاهليتنا الأولى قبائل ومذاهب وأعراقاً متناحرة، فلم يعد هناك شعب ليكون مصدر السلطات جميعاً!
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3705 - الأحد 28 أكتوبر 2012م الموافق 12 ذي الحجة 1433هـ
عين الصواب
مقال موفق جداً هذا هو الواقع المر والحقيقة المفجعة لحياتنا في ظل أنظمة الاستبدادية اللتي أهلكت الحرث والنسل..
لا للتعميم ففي الأمة خير
هناك نماذج من الحكام فعلاً يعمل بجد لخدمة وطنه وشعبه وأمته، وتراه متمسكاً بهويته وقيمه، ومترابط مع شعبه، ومن الأمثلة ...و...و..و..و..و... هذه أمثلة على الحاكم المجتهد كثيراً في خدمة الناس
على الوتر
على الشعب أن يحمد ربه ويشكر حاكمه، لأن شعوباً أخرى تموت جوعاً وتفتقد الغذاء والكساء والسكن والتعليم. نعم حقق الحكام العرب لشعوبهم المعجزات، لكن التقصير هو من الشعوب البليدة وأصحاب الأجندات والعملاء والجهلاء، والحاقدين والحاسدين.