العدد 3704 - السبت 27 أكتوبر 2012م الموافق 11 ذي الحجة 1433هـ

كيف يكتسب الطلبة «الكفايات الانتخابية»؟

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

المدارس قلاعٌ معرفية، ومن المؤسف حقاً أن تُجرى العملية الانتخابية في مؤسساتنا التعليمية مرةً واحدةً كل أربع سنوات دون أن ينفتح أبناؤنا وبناتنا الطلبة بعدُ على تفاصيل هذه العملية، وإمكانية تطبيقها بشكل مصغر على الأقل في محيطهم التربوي والتعليمي.

ربما لاحظ الكثيرون إبَّان الحروب والصراعات المسلحة بأن المدارس تتحوّل فجأةً إلى ملاجئ، فيا تُرى ما القصة؟ هل لأننا مضطرون فعلاً كما يروق للبعض استغلال الصالات الرياضية والقاعات الضخمة بالمدارس لممارسة الحقوق السياسية أو الإغاثة، أم ماذا؟

انطلاقاً من البديهة التربوية «التربية دالَّة مجتمعية»، فإننا نرى أهمية التركيز في مشاريع تحسين أداء المدارس بـ «الكفايات الانتخابية»، وهي تلك المهارات التي يمتلكها الفرد والتي تحقق تلازم موقف الناخب الحريص على حقوقه ومصالحه وموقف أفضل المرشحين؛ لأن اكتساب الطلبة لهذه الكفايات وتمثّلهم لها في البيئة المدرسية وخارجها هو من صميم عمل المجتمع المدرسي.

لقد برز حديثاً مفهوم «الكفايات» في الأوساط التربوية كمقاربة جديدة تتحدى وبكل جرأة الأطر الكلاسيكية التي عودتنا الاستغراق ردحاً من الزمن في وحل مفردات الأهداف السلوكية الجامدة (أن يذكر الطالب، أن يعدِّد الطالب، أن يعرّف الطالب... وهكذا)، ليكتسب الطالب بنفسه المعارف والقدرات والمهارات أثناء ممارسته لنشاطٍ ما في الفضاء التعليمي، مثل البرلمان المدرسي بوجه خاص، أو على مستوى الأمة مستقبلاً كالانتخابات النيابية بوجه عام.

قسَّم الخبراء المعنيّون بالإصلاح المدرسي الكفايات الانتخابية التي يتحتم على الطلبة اكتسابها على ثلاثة أقسام:

القسم الأول ـ الكفايات الانتخابية المعرفية: وهي تملّك الناخب معارف عن الأفكار التي يتبناها كل مرشح ووسائل تحقيق هذه الأفكار في الواقع الحسي والمدة الزمنية التي يَعِدُ بأنه سيحققها فيها، وشخصية كل مرشح ومدى قدرته على الفعل والإنجاز.

القسم الثاني ـ الكفايات الانتخابية الوجدانية: وهي تملّك مجموعة من القيم والاتجاهات إزاء العملية الانتخابية كضرورة ديمقراطية لإحقاق الحق ورعاية المصالح والأيديولوجيات والمذاهب ومدى تقارب أو تباعد مكوناتها والمكونات الشخصية لكل مرشح.

القسم الثالث ـ الكفايات الانتخابية السلوكية: وهي تملّك مجموعة من القدرات التي تتعلق بجمع المعلومات وتصنيفها عن كل مرشح فيما يخص فكره وشخصيته وقدراته واستبعاد بعض المرشحين مبدئياً واستبقاء بعضهم الآخر مؤقتاً، والتميز بين المرشحين ووضع مبررات التفضيل وتحديد أفضل المرشحين والاستعداد للدفاع عن اختياره، بل والاستعداد لدفع الآخرين لتأييده والتصويت في صالحه والحرص على التقدم للتصويت لا خوفاً من عقاب، ولكن تقديراً لقيمة صوته في إقامة حياة ديمقراطية.

كما هو معروف بأن التصويت عملية إصدار قرارات بالانحياز لموقف أو لمرشح أو لفكرة أو لهدف دون آخر، وهي عملية حسم للمعرفة والوجدان والسلوكيات التي تتضمنها الكفايات الانتخابية للمصوّت، لدرجة أن البعض وصف إدارة الانتخاب بأنها عمليةٌ تُكتسب بالتربية لحسم مواقف فيها خيارات قيمية أخلاقية، وهي تتميّز عن الذكاء الذي يحسم مواقف فيها خيارات إدراكية، وينظر إليها كقمة جبل الكفايات الانتخابية التي يمتلكها، كما وصفوا الدورة التربوية لإكساب الطلبة الكفايات الانتخابية بأنها تسير على النحو التالي: الكفايات الانتخابية + التربية المدرسية + التربية اللا مدرسية = المجتمع الديمقراطي.

بكل تأكيد، فإن نموذج المحاكاة هو من أكثر الاستراتيجيات التدريسية فعاليةً في تعلّم «الكفايات الانتخابية»؛ لارتباطه بالأنشطة الطلابية المصاحبة للمناهج التعليمية التي تسهم في تنمية الوعي السياسي والوقوف على أفضل الممارسات الديمقراطية عند طلبة المدارس بل وحتى الجامعات، بحيث يشمل إدماج الطلبة في اللجان الانتخابية من خلال الصناديق الشفافة وإعلان فوز المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات. وحتى بعد إعلان النتائج فإن بإمكان الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز حقّ التظلم والتقدم بالطعون وهكذا.

ثمة دولٌ طبقت مشروع «الكفايات الانتخابية» بالمدارس، وقد سارت على عدة خطوات ومراحل، منها:

المرحلة الأولى تتمثل في قيام وزارة التربية والتعليم باختيار المدارس التي سيتم تنفيذ المشروع بها، ووضع الخطط وإعداد المواد التعليمية اللازمة.

والمرحلة الثانية تكون بتدريب الطاقمين التعليمي والإداري بالمدارس على الانتخابات وكيفية تنفيذ نموذج المحاكاة، وأهداف المشروع ورؤيته، وتصميم المواد الإعلامية ونشرها في المناطق الانتخابية حسب الخطة المرسومة لذلك من خلال وزارة التربية والتعليم.

والمرحلة الثالثة تكون مرحلة تنفيذ المشروع، ويتم فيها تقديم الإطار النظري حول العملية الانتخابية (ولنقل على سبيل المثال البحرين)، وتطبيق المحاكاة بخصوص العملية الانتخابية من خلال حصص التربية للمواطنة وحقوق الإنسان لطلبة المرحلة الثانوية.

أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة التقييم، وإعداد التقرير النهائي.

إزاء ذلك كله، فإن ما نتوقعه هو قيام الجهات الرسمية، متمثلةً في وزارة التربية والتعليم، بتشجيع الطلبة على الانخراط في العملية الانتخابية بالمدارس والاستفادة من طاقاتهم الإبداعية، واحتساب هذه المشاركة والمشاريع ضمن درجاتهم في نهاية العام الدراسي.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3704 - السبت 27 أكتوبر 2012م الموافق 11 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً