لم يكن بحثها عن الماء لوليدها ابن النبي وهي تنظر إلى محيّاه وعيناه زائغتان تطلبان الماء منها، مجرد خطوات لا معنى لها بين أعلى مكان عالٍ في أصل جبل أبي قبيس، وبين جبل قيقعان في الجهة الغربية في مكة؛ فقد غدت منذ ظهر الإسلام وتأسست قواعده الإنسانية والنورانية على يد رسول الرحمة للبشرية من أركان حج الإسلام، فيما يعرف بالسعي بين الصفا والمروة.
هذه المرأة التى وضعت بحركتها المكوكية بين ارتفاعي الجبلين أحد أركان حج الإسلام، هاجر زوجة النبى إبراهيم (ع)، والابن إسماعيل الذي كان معها وهي تجري بين الصفا والمروة لتبحث له عن شربة ماء فتفجر أمامها بئر زمزم.
قصد الحج لأداء مناسكه المتعددة هو قمة الاتصال بالله سبحانه وتعالى بين طواف سبعة أشواط، وعليك بالسؤال دون وجل وخوف عن سر هذا الرقم الإلهي، ثم الركعتين والسعي بين الصفا والمروة، وثم الوقوف بعرفة ومروراً بالمزدلفة والمشعر ومنى، حتى رمي الجمرات الـ 49 لتهدم بها شيطان نفسك قبل شيطان الحجر.
وعليك بالسؤال دون وجل وخوف عن سر هذا الرقم الإلهي أيضاً. ولن يتم حجك بتمامه بلا نحرٍ وطواف آخر وركعتين وسعي آخر وطواف نساء وركعتين، عند البعض غير موجب، حتى يقال لك أخيراً: «تقبل الله أعمالك يا حجي فلان».
هذه الرحلة الإيمانية العظيمة التى لا تستغرق سوى أيام معدودات جداً في عمر الزمن ويقوم بها المسلم مرةً واحدةً في العمر فقط، وما دون ذلك هو مستحبٌ؛ أهم ما فيها هو الاعتراف بالذنوب. هناك يجتمع الظالم والمظلوم في دروب ومناسك الحج، فانظر بماذا سيعترف الظالم أمام ربه وهو مجرد من كل شيء حتى من ملابسه الداخلية، وقد لفّ جسده الفاني بخرقتين بيضاوين وهو يقف بين يدي الله. وانظر بماذا سيعترف المظلوم المسلوبة حقوقه في هذه الدنيا الفانية على يد جبابرة وظلمة الزمان وكل زمان. أليس عجيباً أمر هذا الإنسان، خصوصاً عندما يكون ظلوماً غشوماً، فبماذا يجيب ربه وكيف يحج ويتعلم من حجّه؟
ولكن ما يعكر صفو مثل هذه الرحلة الإيمانية التى يدفع لها المسلم، البحرينى خصوصاً، ما جمعه من كد عمله ورزقه ليوفره لمثل هذه الحجة؛ أن تتداخل معها بعض المنغصات التى تساهم في صعوبتها أو تكدير صفوها. من طيران لا يحترم الوقت أبداً رغم الملاحظات الدائمة التى توجّه له، ورغم ما يضخ من أموال في جسد هذا الكيان الفضائى منذ سنوات ليصبح أرضياً مستأنساً إلا أنه يرفض ذلك! ومن خدمة سيئة خلال الرحلة لدرجة أن بعض الركاب انتظر نصف ساعة ليحضر له كوب شاي أحمر لا غير! وعندما احتجّ لدى المضيفة قالت له بالحرف: «الشركة لا تعطينا كفاية من الشاي وليس لدينا عدد كافٍ من المضيفين لنحضر الشاي لكم، فلا تلُمنى».
إلى جانب آخر في التعثر لتوفير المساحات الكافية لحملات الحج من قبل البعثة، رغم التصريحات الإعلامية التي لا تتوقف عن توافر كل شيء، ما يضطر بعض أصحاب الحملات التي تحترم حجاجها لاستئجار مساحات أخرى على حسابها، ربما تستطيع توفير مساحة 75 سم يتيمة لكل حاج. بل مع تطور التنقل وظهور تذاكر قطار المشاعر التي تجبر كل الحملات على الحصول عليها لحجاجها فلم تصل لحملات الحج حتى آخر يوم قبل التاسع من ذي الحجة، وهو يوم الوقوف بعرفة، حيث إن «الحج عرفة» كما هو معروف. كذلك السماح بالحركة لموقف عرفة لإعداد المكان للحجاج لم يتم الحصول على ترخيصه حتى يوم السابع من ذي الحجة من قبل البعثة.
إنها رحلةٌ إيمانيةٌ بكل معنى الكلمة، يُطلب فيها الصدق والمكاشفة بين العبد وربه في كل شيء وليس في شيءٍ دون أشياء، فلا يمكن أن تخفي على المولى عز وجل خافية مهما حاولت تغطيتها أمام البشر بالكلمات المعسولة والتطمينات المشمولة بالصور الإعلامية. إنها لحظات الاعتراف أمام خالقك أيها الإنسان الضعيف وأنت قد خرجت من الطين وستعود إلى الطين، فما بالك تتكالب على حب الدنيا وزعماء الدنيا بالنفاق والكذب والرياء؟ ولمن سيبقى ما تحصل عليه من مال وجاه بهذه الطرق الشيطانية وأنت متوجه لرمي شيطانك بحصيات جمعتها من ضواحي وجبال مكة. ألم تسأل نفسك من موقعك كمسئول، كمعلم، كطبيب، كإعلامي، كبرلماني، كموالٍ، أو غيره مثل هذا السؤال ولو لمرة واحدة؟
أتمنى أن يعيش كلٌ في موقعه مثل هذه الرحلة الإيمانية قبل الإتيان بها والأهم بعد الإتيان بها. واسأل الله للجميع غفران الذنوب وسلوك جادة الصواب قبل خروج الروح لبارئها.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3703 - الجمعة 26 أكتوبر 2012م الموافق 10 ذي الحجة 1433هـ
تقبل الله حجتك
ونرجو ان يوفقنا الله للحج في العام القادم وان يتم تلافي السلبيات التي ذكرتها