العدد 3702 - الخميس 25 أكتوبر 2012م الموافق 09 ذي الحجة 1433هـ

الجيل الرقمي العربي... عاملٌ في بناء مستقبل منطقة «مينا»

في دراسة لـ «بوز أند كومباني»

محمد مراد
محمد مراد

يبرز جيل جديد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)؛ إذ يشكّل الأفراد الذين وُلدوا بين العامي 1977 و1997 نسبة 40 في المئة من سكان المنطقة. وينشط عدد متزايد منهم بشدة على الإنترنت وعلى الشبكات الاجتماعية؛ مع تسجيل نسبة ملفتة تصل إلى 83 في المئة يستخدمون الإنترنت يومياً.

ويشكل هؤلاء الجيل الرقمي العربي، فهذه الفئة من المجتمع تميز نفسها عن الأجيال التي سبقتها؛ إذ إن هؤلاء الشابات والشبان ينشطون بدرجة كبيرة كمستهلكين وناقدين. وعلى رغم أنهم يتمتعون بالخصائص الرقمية نفسها كسائر جيل الشباب في العالم، يتميزون عنهم بكونهم عرب يعكسون تقاليد منطقتهم وتحدياتها ومعاناتها. وفي ضوء هذه الأمور، استطلعت شركة الاستشارات الإدارية «بوز أند كومباني» بالتعاون مع «غوغل» أكثر من 3 آلاف مستخدم رقمي في تسعة بلدان عربية. وتصف النتائج كيف تؤثر التكنولوجيا الرقمية في الجيل الرقمي العربي؛ ما يخوّله التأثير بقوة في القطاعات الأساسية بالنسبة إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة.

بروز جيل جديد

على رغم أن التكنولوجيا تدفع التحولات الاجتماعية والمدنية والاقتصادية عالمياً، تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمؤهّلات كبيرة تمكّنها من استيعاب هذه التغييرات أكثر من المناطق الأخرى، وهذا مرده لأسباب عدة: أولاً، يمثل الجيل الشاب قسماً كبيراً من مجموع السكان؛ إذ ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت في البلدان العربية بين العامي 2006 و2011 بنسبة 23 في المئة سنوياً. في الموازاة، تشهد المنطقة نزعة تمدّن قوية مسجلةً نمواً سريعاً جداً في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

إلى ذلك، هناك عوامل ثقافية مؤثرة، ففي أيامنا وعصرنا هذا، توفر التكنولوجيا الرقمية مصدراً بديلاً لتبادل المعلومات والتواصل قد يؤدي إلى تغيّر سريع في الهياكل التقليدية - كالعائلة والدّين والمعايير المجتمعية - أو إلى تعزيزها عند منظمات ومؤسسات قادرة على التكيف والتواصل مع الجيل الشاب.

وشرح كبير شركاء في «بوز أند كومباني»، كريم صباغ، أنه «بهذه الطريقة، قد يشكل الجيل الرقمي العربي مصدر تحدي كبير من جهة، وفرصة كبيرة للمجتمع والمؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من جهة أخرى. فالجيل الرقمي العربي يسعى بفاعلية إلى بناء هوية مختلفة عن الأجيال التي سبقته، وسيطول هذا السعي جميع أوجه المجتمع، من العلاقات إلى الأوساط السياسية، وسلوكيات المستهلك وحتى الثقافة الدينية».

الاستطلاع

يعطي الاستطلاع الذي أجرته «بوز أند كومباني» بالتنسيق مع «غوغل» فكرة واضحة عن المعتقدات المتطورة لهذا الجيل. كما يبرز العديد من المؤشرات الواضحة لصانعي السياسات وقادة الأعمال والمشرفين على المنظمات الدينية والتعليمية والخاصة بالرعاية الصحية.

في الواقع، درس الاستطلاع الجيل الرقمي العربي على أكثر من مستوى؛ إذ تم التطرق إلى العناصر السكانية والسلوكيات التكنولوجية (تحليل استخدام التكنولوجيا الرقمية) والعناصر النفسية المرتبطة بالتكنولوجيا.

- العناصر السكانية: تشير التقييمات إلى أن الجيل الرقمي العربي يمثل 10 ملايين شخص، أي نحو 4 في المئة من المستخدمين الرقميين الناشطين حول العالم البالغ عددهم في الوقت الراهن 260 مليوناً. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 13 مليوناً بحلول العام 2014؛ أي ما يمثل نمواً سنوياً بنسبة 11 في المئة، مقارنة بالنسبة العالمية البالغة 7 في المئة. وبما أن الجيل الرقمي العربي هو عيّنة عن المجموعة العمرية الأوسع لمن هم بين 15 و35 عاماً؛ أي ما يشكل نسبة متنامية من بين 40 في المئة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنه من المؤكد أن هذه الظاهرة السكانية ستعزز الأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المنطقة. كما أن الجيل الرقمي العربي على درجة عالية من التعليم، ما يؤدي إلى استخدام تكنولوجي أعلى. وفي ما يتعلق بالحالة الاجتماعية، فقد أجاب المستطلعون المنتمون إلى هذه الفئة بغالبيتهم (65 في المئة) بأنه لم يسبق لهم الزواج.

- السلوكيات التكنولوجية: يمكن وصف السلوك التكنولوجي للجيل الرقمي العربي وفق بعدين هما: الأنشطة والمعاملات الإلكترونية على الإنترنت، والمنصات المستخدمة له.

ويعتبر الترفيه الشخصي الغاية الأساسية لاستخدام الإنترنت على غرار مشاهدة الأفلام على الإنترنت أو المدونات أو وسائل الإعلام الاجتماعية. في الواقع، يشاهد أكثر من 40 في المئة من المستخدمين الأفلام على الإنترنت لأغراض الترفيه مرة في اليوم على الأقل. وعلى النقيض من ذلك، فإن المهام الإلكترونية الشخصية والإدارية أو الاستخدام المهني والأكاديمي للإنترنت محدود جداً.

- العناصر النفسية المرتبطة بالتكنولوجيا: لا شك أن التكنولوجيا الرقمية قوة محررة للجيل الرقمي العربي.

وقال المدير الإقليمي لـ «غوغل» محمد مراد إن «نسبة مذهلة تبلغ 63 في المئة من المستطلعين يعتقدون بأنه يجب أن يكونوا قادرين على فعل ما يشاءون طالما أن هذا لا يترك أثراً سلبياً على الآخرين. وفي الوقت نفسه، هناك نسبة أقل بكثير (37 في المئة) ممن يشعرون بأنهم قادرون على التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من النتائج. ولهذه العناصر النفسية المرتبطة بالتكنولوجيا -المفاهيم المتزامنة للحرية والإحباط- آثار واضحة على كيفية ارتباط الجيل الرقمي العربي بالدولة ومؤسسات الأعمال».

الآثار طويلة الأمد

سيكون للجيل الرقمي العربي واعتماده على تكنولوجيا الاتصالات تأثير عميق لا يمكن إنكاره على مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ الأمر الذي يؤثر في عدد من المجالات.

تأثير المجتمع

حوّل الإنترنت عند مستواه الأساسي طريقة التقاء الناس وتفاعلهم مع بعضهم البعض؛ ما أدى أيضاً إلى تداعيات متناقضة. وتظهر التحولات المجتمعية بوضوح لدى الجيل الرقمي العربي في ثلاثة مجالات رئيسية:

1 - التواصل مع الأصدقاء والعائلة: بيّنت نتائج الاستطلاع أن لأفراد الجيل الرقمي العربي اتصال شخصي مباشر أقل مع عائلاتهم وأصدقائهم بما أن التكنولوجيا توفر لهم بدائل تواصل بشكل متزايد. وقال 44 في المئة إنهم يمضون وقتاً أقل في لقاء الأصدقاء وجهاً لوجه والمزيد من الوقت في التواصل معهم عبر الإنترنت أو الهاتف. إلا أن آخرين يشعرون أن التكنولوجيا الرقمية قد حسّنت علاقاتهم الاجتماعية مع أحبائهم عبر توفير اتصال فوري وواسع النطاق. وأقرّ قسم من المستطلعين بأن تمضية الكثير من الوقت على الإنترنت يؤدي إلى سلوك انعزالي.

2 - الزواج: من الأمثلة الملفتة لتغيّر وجهات النظر عن الزواج ردة فعل الاستطلاع حيال ما إذا كان من المناسب الزواج بشخص التقى به المستطلع على الإنترنت. والمدهش أن أكثر من 60 في المئة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يوافقون على زواج الذكور من عائلاتهم بإناث التقوا بهنّ على الإنترنت، مع تسجيل مجلس التعاون الخليجي نسبة 44 في المئة. وكانت معدّلات القبول للنساء هي أيضاً مرتفعة ومشابهة.

3 - الدِّين: من الناحية العملية، تملك جميع الشخصيات الدينية اليوم مدونات، ما يؤمن وصول الناس إلى مدارس فكرية مختلفة ويزيل الطابع الهرمي للخطاب الديني. غير أنه على نقيض الحكمة الشعبية، فإن الكثير من المستطلعين يعتبرون أن هذا ساهم في تعزيز إيمانهم؛ إذ أشار غالبية المستطلعين (نحو 70 في المئة) إلى أن التكنولوجيا مكّنتهم من اكتشاف الأوجه المختلفة للدين من خلال المواقع الإلكترونية.

الوقع على المؤسسات

سيؤثر الجيل الرقمي العربي في المؤسسات في أربعة مجالات رئيسية تشمل الحكومة والقطاع الخاص والتعليم والرعاية الصحية.

الحكومة: على رغم اتخاذ الحكومات في المنطقة خطوات قوية لإضفاء الطابع الرقمي على مجتمعاتها، لم تستخدم بفاعلية الأدوات الرقمية لإلزام مواطنيها فعلياً. ويتوقع الجيل الرقمي العربي من جهته أن تكون وسائل الإعلام الاجتماعية شفافة ومتجاوبة وتعتمد على الكثير من المراجع. غير أن جهود التزام بعض حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت حتى الآن بطيئة وهرمية وغير متجاوبة. علاوة على ذلك، عبّر أفراد الجيل الرقمي العربي عن رغبة قوية في الحصول على مزيد من خدمات الحكومة الإلكترونية، مع أولويات متنوعة بين البلدان.

القطاع الخاص: أشارت النتائج الكمية والنوعية للاستطلاع إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تلبي حالياً تطلعات الجيل الرقمي العربي لناحية التجارة الإلكترونية. ولفت مراد في هذا الإطار إلى أنه «في حين يبحث المستطلعون بالتأكيد عن المنتجات والخدمات على الإنترنت -يقول 90 في المئة منهم إنهم يفعلون ذلك قبل الشراء - فإنهم لا يجرون عمليات الشراء على الإنترنت. والسبب الأكثر شيوعاً هو أنه يبدو أن الكثيرين لا يثقون في التجارة الإلكترونية بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، يتعيّن على القطاع المالي في المنطقة مواكبة آخر تطورات التكنولوجيا والاتصالات؛ فضلاً عن توفير شبكة نظام دفع آمنة وموثوقة».

التعليم: مازال الجيل الرقمي العربي والعديد من فئات المجتمع الأخرى غير راض عن الوضع الحالي لخدمات التعليم. وعموماً، يعاني القطاع من جودة متدنية للخدمات التعليمية والمساندة الأساسية. وقال شحادة إن «التكنولوجيا تشكل حلاً مرتقباً لهذه المشكلات. بما أنها منتشرة على نطاق واسع في المنطقة وتشكل أداة قوية لنقل المعرفة، تصبح ملائمة للتعليم على وجه الخصوص؛ إذ توفر الوسائل لزيادة الوصول العادل للجميع إلى التعليم وتحفز التفكير النقدي». وأظهر الاستطلاع أن التعليم بالنسبة إلى المستطلعين يأتي في المرتبة الثانية بعد الرعاية الصحية على قائمة المشاريع التي هي بأمسّ الحاجة للتحسين من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

الرعاية الصحية: أخيراً، يعتبر قطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مؤهلاً بلا أدنى شك لتحول رقمي. ففي حين أن الحكومات في المنطقة حسّنت بدرجة كبيرة أنظمة الرعاية الصحية خلال الأعوام الثلاثين الماضية، فإن هذه التحسينات لم تواكب العوامل السكانية المتغيرة وسواها من الديناميكيات في المنطقة. ويشكل الإنفاق على الرعاية الصحية في الوقت الراهن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. غير أنه من المتوقع ارتفاع هذه النسبة بشكل ملحوظ في الجيل التالي. وينشأ هذا الإنفاق المتزايد عن النمو السكاني الكبير والعوامل السكانية المتغيرة والمعدّلات المتزايدة لأمراض «أسلوب الحياة».

في المقابل، تستطيع الرقمنة أن تحسن كفاءة توفير الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. غير أن هذه الجهود يجب أن ترسي توازناً دقيقاً يقرّ باعتبارات الخصوصية وبالحساسيات الأخرى. كما تظهر النتائج النوعية للاستطلاع بصورة مثيرة للاهتمام أن بعض أفراد الجيل الرقمي العربي يدركون أن التكنولوجيا بحد ذاتها يمكن أن تؤدي إلى أساليب حياة غير صحية.

ومع تسجيل تطورات سريعة في تكنولوجيا الاتصالات، لم يصبح الشباب العربي الناشئ مرقماً أكثر من الأجيال السابقة فحسب؛ بل طوّر خصائص مصاحبة تبعده بطرق عدّة عن المعايير والممارسات التقليدية المسيطرة في المنطقة. تنتج هذه السمات الجديدة عن العديد من العناصر، بما في ذلك التعرّف على ثقافات العالم الأخرى والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المقيّدة والرغبة الشديدة في إحداث تغيير.

باختصار، مع وجود نحو 90 مليون مستخدم للإنترنت في البلدان العربية وتسجيل نمو سنوي يتخطّى 23 في المئة، سيصبح الجيل الرقمي العربي قوة تتمتع بقدرة مذهلة على تحويل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفق الأبعاد المجتمعية والسياسية والاقتصادية. وعليه فإن الفرص المتاحة للمؤسسات والشركات في المنطقة نادرة. وبإمكانها التكيّف مع التكنولوجيا الرقمية من أجل الاتصال والتواصل بفاعلية أكبر مع الجيل الرقمي العربي، وتالياً تسخير طاقتها بصورة منتجة. والآن هو الوقت المناسب لدمج قوة التكنولوجيا مع وعد الجيل الرقمي العربي.

العدد 3702 - الخميس 25 أكتوبر 2012م الموافق 09 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً