حقق البوسني سناد هادزيتش حلمه بالوصول إلى مكة المكرمة وهو الذي لا يمتلك قيمة تذكرة سفر، بعد أن قطع مسافة 6 آلاف كيلومتر مشياً على الأقدام من مدينته في شمال البوسنة إلى مكة المكرمة، عابراً البراري والقفار والجبال من أجل أن يصل إلى بيت الله حاجّاً إليه.
انتصر على تقلبات الجو؛ إذ استمرت رحلته عاماً كاملاً، متحدياً كل ما سيعترض طريقه، متوكلاً على الله الذي في قلبه، والذي يثق بأنه سيحميه، إلى أن تحققت أمنتيه التي جاهد من أجل تحققها... وبالفعل وصل قبل أيام.
اعتمد هادزيتش على حسن ظنه بالله ومن ثم حسن ظنه بالصفات الانسانية للبشر عامة والمسلمين خاصة، حتى إنه قال إن مأكله ومشربه كان يعتمد على المسلمين الذين يستضيفونه بكل بشاشة ورحابة صدر، ويقدّمون له الوجبات الغذائية والدعاء بالوصول إلى وجهته سالماً. وحين سئل هادزيتش عن سبب عدم خوفه أجاب: «إذا كان الله معي فلمَ أخاف»!
نعم، إذا كان الله معنا، فلمَ نخاف مما يخبئه لنا القدر، وما دمنا «نعقلها ونتوكل»... فلم نخاف؟ في الحياة يشعر المرء أحياناً أن جميع الأبواب مغلقةٌ في وجهه، وخصوصاً حين يشتد الأذى ويطول الظلام، ولا يلوح في الأفق نور مخرج، لكنه ما يلبث أن ينتبه إلى رقعة ضوء بداخله؛ تشعره أن هنالك نهاية لكل هذه العتمة وهذا الألم والتعب، ذلك هو نور التعلق بالله. النور الذي تؤمن به جميع الديانات، فحتى وإن كان المرء غافلاً عن رحمة الله، متغافلاً وجوده سبحانه وتعالى وهو الذي لا ينسى مخلوقاً مهما طال شقاؤه وتعبه ترى المرء يتجه إليه في الشدة والعتمة، لثقته بأنه المخرج والمنقذ والملجأ والأمان.
اليوم... يقف حجاج بيت الله بين يدي الخالق في عرفة، وتهفو أنفس من لم تسعفهم ظروفهم لأن تكون هناك، تشارك الحجاج هذا الشعور، وهذا الفضل، وهذا المقام، ولاسيما أولئك الذين تمنوا الذهاب في هذا العام ولم يستطيعوا، وخصوصاً أن القنوات التليفزيونية تنقل الحدث مباشرة من جبل عرفة في كل عام، في ظل أجواء إيمانية وروحانية تتجلى في أصوات الدعاء المرتل بالأصوات الشجية وتلك المشاهد التي تبين الأعداد الهائلة التي سعت إلى أن وصلت لهذا المقام، ضاربةً بعرض الحائط التعب الجسدي مستمتعةً بالصفاء الروحي الذي وهبها الله في هذا المكان.
ومضة:
«لكي تحقق ما تصبو إليه، اعرف ما تريد، وتأكد أنه هو الصواب، ثم حاول أن تكيف نفسك معه». إبراهيم الفقي
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3701 - الأربعاء 24 أكتوبر 2012م الموافق 08 ذي الحجة 1433هـ
عجيب
اللهم ارزقني حج بيتك الحرام الذي منعت عنه