هو سؤال كبير يطرح نفسه بقوة في العالم العربي والإسلامي اليوم: «إلى أين تسير الديمقراطية؟ وما هي حقيقة ودوافع الدعوات المطالبة بالإصلاح السياسي؟ وهل يمكن أن ينعم المواطن العربي والمسلم بممارسة ديمقراطية حقيقية في وطنه؟ أم أنها مجرد (كيان فارغ) يندرج تحت عنوان مهلهل؟
لنتأمل بعض النماذج (الواضحة) التي شهدتها بعض الدول العربية، ففي إحدى تلك الدول أقر (نواب الشعب) قرارا لتمديد العمل بقانون الطوارئ الذي مضى عليه في تلك الدولة ما يزيد على عشرين عاما، وفي دول أخرى، أقر (نواب الشعب) أنفسهم قانونا لإلغاء قانون آخر يحظر التجمعات العامة بدون إذن، واعتقلت السلطات في إحدى الدول العربية 200 متظاهر كانوا يؤيدون اعتصاما قامت به مجموعة من القضاة، وفي دول عربية إفريقية، بلغت نسبة الانتخابات الرئاسية نسبة 99.9 في المئة لصالح المرشح الوحيد وهو... (الرئيس).
في دول خليجية وعربية وإسلامية، يتم اعتقال المطالبين بالإصلاح، وتغلق المعاهد الداعمة للديمقراطية، ويتم تضييق الخناق على حرية الرأي والتعبير، وتنشط الاعتقالات التعسفية بل والتصفية الجسدية للمعارضين، وفي دول أخرى ينبري من يطلق عليهم علماء دين للتنكيل بالناس والاصطفاف إلى صف السلطة، ويعتلي بعض المثقفين منصة الخطابة والكتابة ليمدحوا السلطة ويذمّوا كلَّ صوتٍ يطالب بحقّه.
وفقا لتلك الصور يطرح منتدى «الوسط»: «آفاق الإصلاح السياسي والديمقراطية في العالم العربي والإسلامي»، هل هي موضة أم توجهات حقيقية؟ وإلى أين تسير الديمقراطية، سواء في البحرين أو سائر دول العالم العربي والإسلامي؟ وهل هناك ديمقراطية أصلا في تلك الدول؟ وتركيزا على البحرين، كيف يمكن أن ينجح الحوار الوطني؟ هذه التساؤلات وغيرها واردة قطعا، سنقرأ الإجابات عليها في هذا المنتدى:
اسمحوا لي في بداية هذا المنتدى، أن أتوجّه لكم بالشكر الجزيل لحضوركم، وهو موقع تقدير واعتزاز، ولعلّي أبدأ بالقول إن الحديث في موضوع: «دعوات الإصلاح السياسي وآفاق الديمقراطية في الخليج والعالم العربي والإسلامي»، يأتي متواكبا مع الأجواء الانتخابية التي شهدتها دولة الكويت الشقيقة، والاستعدادات لانتخابات قادمة في كل من الجزائر واليمن، ثم الانتخابات الرئاسية الإيرانية الوشيكة، وهذا يفسح المجال للحديث عن مسألة الديمقراطية وعلاقتها بالتقدم السياسي والاقتصادي، وتأثير مدها على الإصلاح السياسي في مختلف الأصعدة وعلى مستوى الدول والحكومات.
ويبدو موضوع الديمقراطية معقّدا وله عدة أوجه، لكن الجانب الواضح منها هو صندوق الاقتراع، وربما هناك ظواهر خفية ومعضلة حقيقية تعاني منها الكثير من البلدان العربية بسبب عدم وضوح هذه الفكرة، وبالتالي نتمنى أن نلقي بعض الأضواء على الجوانب المعوِّقة التي تقف في وجه التطور الديمقراطي في معناه الثقافي، وكذلك في ما يؤطره معناه السياسي، وهذا هو المدخل الأساسي ونتمنى الاستفادة من تجربة البحرين ودول الخليج في هذا السياق.
مثلما تفضل الأستاذ وليد نويهض فيما أومأ إليه من التعريف المعقّد والأوجه المتعددة لمفردة الديمقراطية، ولهذا أقول، في تعريف الديمقراطية، لنتفق على تعريف الديمقراطية ونتساءل: هل هي تساوي جميع الناس كأسنان المشط في الاستواء، أم هي حق المواطنين في أن يكون لهم ممثل في الدولة، فنحن نلاحظ أيضا أن قدرات الأشخاص على فهم الديمقراطية والفهم عموما مختلفة ومتباينة من شخص إلى آخر.
ووفقا لذلك، فإن الخلفية العلمية والثقافية بالنسبة إلى الكثيرين في النظر الى «الديمقراطية» تكون هي المرتكز، وقد تتحول الديمقراطية في بعض الأحيان الى اتجاه معاكس إذا لم نكن قادرين على فهم الأشخاص الذين معنا، وقد نتعرض للمناورة ويقوم شخص بالاستحواذ على الآخرين عن طريق إقناعنا بمنهج معين، ومن الممكن أن نسلم لهذا الشخص ويسيء هذا الشخص للثقة، والتجربة العربية في هذا المجال فشلت بسبب تغلب التفكير العاطفي ولأننا نؤمن إيمانا كاملا بالأشخاص! وأعتقد أنه مهما كانت ثقتنا بالأشخاص، الا أن الإنسان له نقاط ضعف، ومع ذلك نسلم بسلامة نوايا الأشخاص، لكن لابد من أن تكون هناك نظرة فاحصة ودقيقة للديمقراطية، وكما كنا نرى في صدام حسين أسوأ النماذج، ونرى في جمال عبدالناصر أفضل النماذج، فإن هناك من يرى بأن الأخير (دكتاتور) لم يطبق الديمقراطية بجوهرها الحقيقي! وهنا، فالأفضل والأسوأ اثبتا أنه ليس بالضرورة أن يكون شخص واحد قادرا على أن يحقق العدالة والعطاء.
الديمقراطية في الوطن العربي مرت بمرحلتين، الأولى... حينما نشطت شخصيات فكرية ودينية مثل الشيخ جمال الدين الأفغاني في توجهها نحو (الدمقرطة) أو العدالة في المجتمع العربي والإسلامي، وصولا الى الأحزاب في أجزاء من الوطن العربي على مدى العقود الأربعة الماضية، والتي جاءت بها الشعوب الى السلطة، وبقيت متمسكة بالسلطة تحت دوافع الحفاظ على مصلحة الشعوب والأوطان في مواجهة الهيمنة والحركات الاستعمارية، فهذه الأنظمة التي منعت - تحت لافتات الحفاظ على الوطن العربي المسلم - الاختراق الأجنبي، بقيت متمسكة بالسلطة الى الوقت الحاضر، وحولت كياناتها من أحزاب تحمل شعار الثورة والتحرر والدفاع عن المصالح الوطنية، الى احزاب تسيطر على الوطن ومقدراته ومكتسباته، بل تحولت، اذا جاز لنا الوصف، الى بؤر أو عملاء لإعادة تصدير ثروات هذه الأوطان الى أوروبا للحفاظ على تلك المقاعد او السلطة لفترة طويلة، ومازلنا نعاني من هذه المسائل، بالإضافة الى وجود بعض الأنظمة الوراثية والقبلية والتي ورثت حكمها في المنطقة، وخصوصا في الخليج العربي، واعتبرت أن هذه الدولة عبارة عن ممالك تستأثر بها هي أبا عن جد في نظام وراثي غير قابل للكسر، وفي الوقت الحاضر، أصبح من الصعب على الشعوب، في ظل دعم وحماية بعض الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية، الى الخلاص من هذه الأنظمة أو دفعها في اتجاه التخفيف من تسلطها.
الديمقراطية هي وسيلة تحفظ حقوق الأفراد والجماعات، ثم يستمرون في الحياة فتضمن لهم النمو والتطور والحفاظ على حقوقهم، وفي الدول العربية والخليجية، بالإضافة الى دول أخرى مثل باكستان وإيران على سبيل المثال، فإن مفهوم الديمقراطية لا يعدو كونه ورقة تلعب بها الحكومات، وهي مجرد مسمى لماع في الغرب، ينطلق من صفة العمل الإيجابي والفرصة المتكافئة للقوى السياسية فيها، لكن حقيقة الأمر أنك لن تجد في تلك الدول (قوى) بل تجد قوة الحكومة الحاكمة، وتجد الحكم الوراثي، بل حتى في الدول التي يتغير فيها رئيس، ويعقبه رئيس آخر، فإن الصورة الأوضح هي أن الديمقراطية ليست حقيقة واقعية، نعم... هناك انتخابات شهدتها دولة الكويت، وقريبا انتخابات في لبنان وفي انتظار انتخابات الرئاسة في إيران (وهي بالمناسبة شهدت إطلاق قول من قبيل لا تنتخبوا شخصا يميل الى الغرب)... كل هذا، وحتى لا يتهمني البعض بالتشاؤم، يجعلنا نسير في الاتجاه نفسه فلا نجد ديمقراطية حقيقية، فمعروف كيف تدار السلطة في لبنان، وفي الكويت والبحرين، وفي دول تصل نسبة المشاركة في الانتخابات فيها الى نسبة 99.9 في المئة، لكن لسنا في وارد ممارسة ديمقراطية حقيقية.
حتى يكون النقاش أكثر تركيزا، لا بد من القول - كما ذكر الأستاذ نويهض - أن هناك جوانب عدة للديمقراطية وهناك منطلقات للديمقراطية وآفاقها حتى نلم بالفكرة، وهذه المنطلقات تخدم موضوع الحديث، فبالإضافة الى ما ذكره الأخ محمد الأنصاري بخصوص ايران ولبنان والكويت والعالم العربي عموما، أعتقد أن هناك عدة جوانب معضلة ومعوقة للديمقراطية، وهناك أيضا التجربة المصرية، فمصر التي كانت تنتج فكرا وحضارة وثقافة، لم تستطع أن تغير شيئا من واقع الحال بالنسبة إلى تركيبة المجتمع المصري، بل الأنظمة التي توالت على الحكم في مصر، لم تغير شيئا، والأمر ذاته ينطبق على لبنان، فهو كان ولا يزال مصدر اشعاع وهناك نهج سياسي واضح على أساس طائفي بحيث يخدم أطيافا سياسية، وهذا ينطبق على دولة بحجم إيران ودول الخليج فما نشاهد هو ردة حضارية، ولا نستطيع أن نفهم كيف أن شعبا يمتلك التاريخ والحضارة كالشعب الإيراني ما زال يواجه النكبات بسبب توالي الأنظمة وتكرار الممارسات ذاتها، في العالم العربي وفي دول مجلس التعاون الخليجي... نقول وفقا للتساؤل المطروح: «هل الدعوات للإصلاح السياسي والديمقراطية موضة أم ناتجة عن قناعة»، أثبتت التجربة أنه لا توجد قناعة حقيقية للإصلاح، ولا توجد نوايا نعتد بها، وهناك هاجس يخالجنا في البحرين للإنطلاق نحو المستقبل، وأعتقد أن هناك معوقات ثقافية وحضارية نعاني منها، وسنبقى نعاني منها وليست بالضرورة من الأنظمة السياسية فحسب... قد تكون الأنظمة السياسية جزءا منها، لكن الشعوب عليها مسئولية، فالتخلف الحضاري والثقافي عقبة وكثيرا ما زايدت الأنظمة السياسية على أن شعوبها لا تحتاج الى أكثر مما هو لديها، وكثيرا ما تتردد هذه المقولات من قبل الساسة والحكام كذريعة لعدم تطوير التجارب الديمقراطية، ويظهر هذا الأمر على شكل إعاقات حتى من بعض الأحزاب، ولا نريد أن نحدد هذه الإعاقات في فترة الانتخابات فقط، ولكن حتى على مسار العمل السياسي اليومي.
الحالة في الوطن العربي والإسلامي، تؤكد عدم وجود قناعة لدى الإنسان العربي والمسلم بضرورة التجديد والانعتاق مما هو معاش، لكن كيف ولماذا؟ فلا توجد إجابات واضحة! وهناك تراجعات حضارية أو سياسية وقد تكون بعض القوى إسلامية أو علمانية سببا في الإعاقة علاوة على الأنظمة السياسية التي لا يزال بعضها ينتهج خطوات لا تعترف بالإصلاح، وتبرز قوى الفساد والعنف التي تهيمن على الأنظمة، فلا يزال من يضع هذه السياسات التي تدعي الإصلاح، وبعض القوى السياسية، تمارس سطوتها في الفساد وفي دعم أنظمة الحكم والهيمنة على الشعوب، مثلها مثل بعض الأحزاب التي تمارس الكذب أحيانا وتشارك في قمع الحريات والديمقراطية أحيانا أخرى.
الإخوة لم يقصّروا، ولم يتركوا لي شيئا أتحدث عنه، لكنني على وجه العموم، لا أرى «ديمقراطية» لا في العالم العربي ولا في العالم المتقدم؛ لأنها شيء مثالي اذا تحدثنا عنه كمفهوم، لكن حين نتكلم عن الإصلاح السياسي الذي بدأ ينتشر كموضة والحوار أيضا صار كموضة تطرحها مختلف الأطراف، أقول إن الذي يحدث في البحرين ليس تطورا ديمقراطيا، ففي فترة السبعينيات، كان الوضع أفضل من الوضع الحالي من ناحية التشريع والدستور والإصلاح السياسي، وأيضا أقول، سواء في البحرين أو على مستوى الوطن العربي، أن ما نشهده هو مجرد استجابة لما يطلق عليه القرية العالمية، والإعلام الكوني، نتيجة لصغر المسافات، فكل ما يحدث في البحرين على سبيل المثال، يصل بسرعة الى مناطق أخرى بعيدة، ونتيجة للاحتقان السياسي والاجتماعي في مرحلة من المراحل، أفرز ان تطرح الدولة ما يسمى بالإصلاح السياسي، ولا نستطيع ان نقارن البحرين قبل وبعد العام 1999، فالتطور ملحوظ، لكنه ليس على مستوى الطموح.
في الوطن العربي لا توجد ممارسة حقيقية، ومثلما أشار أحد الإخوة المشاركين، فإن الزعامة تقبع على الكرسي الى أن يأخذ «عزرائيل» روحها وليست الانتخابات هي من يزيلها، ويمكن القول إن لبنان واحد من أفضل الدول في الممارسة، ولكن ليس على مستوى الديمقراطية الحقيقية، وليس على مستوى تحديد الكراسي بصيغة طائفية، واذا أردت أن تتحدث عن الديمقراطية الحقيقية فلا يمكن ذلك دون سيادة للقانون، والعكس صحيح، فبدون سيادة القانون، لا توجد ديمقراطية حتى بالمفهوم المجتمعي أو المثالي كما يقول أفلاطون، فلا ديمقراطية في غياب العدالة وإقصاء الطرف الآخر... الديمقراطية وسيلة وليست غاية، أي أن تكون بمثابة الوسيلة للوصول الى مجتمع حر تسوده العدالة والمساواة، ويكون المواطن فيه آمنا على يومه وآمنا على مستقبله.
فالديقراطية من الناحية الثقافية، تظهر حين أتحاور معك على أساس تقبُّل كل منا للطرف الآخر، وحين نمارسها بعدالة ومساواة، ونصل معا الى الصندوق الانتخابي وهو المرحلة الأخيرة، خلاصة القول إننا في الوطن العربي لا نمارس ديمقراطية حقيقية، وحتى في بعض الدول مثل إيران التي يحدد فيها مجلس صيانة الدستور مستقبل الأمة وتحديد أن هذا ينفع وهذا لا ينفع، أو هذا له تاريخ مشرف وآخر له تاريخ جنائي، فليس من الديمقراطية أن نحدد صفاتك التي نريدها (نحن).
ومع ذلك أقول، إن إيران أفضل من دول أخرى كثيرة من ناحية تداول السلطة وتغيير الزعامات، وهذا لا نراه في مصر التي لديها مجلس أمة منتخب ومجلس شورى معين، والحكم للرئيس... وكما قالت الأخت هدى المطاوعة، في وصف نموذجين للأفضل والأسوأ... صدام وعبدالناصر، هناك زعامات أخرى لها 30 عاما على كرسي الحكم كالرئيس الليبي معمر القذافي، أما بالنسبة إلى الرئيس المصري حسني مبارك، فإنني من الناحية العمرية، درست معه، ثم بدأت حياتي العملية، وتقاعدت، وهو لا يزال يعمل! لهذا أرى من المهم النظر الى التجديد، فالروتين الذي نعيشه يجعل الزعامات (تلصق) في الكراسي.
من وجهة نظري المبنية على المعايشة والمتابعة، فإن المشكلة في البحرين تكمن في العصبيات التي تلعب دورا سيئا، لكن دعونا نتحدث قليلا عن أوروبا، فهناك مصالح وأحزاب تعمل على برامج ومشروعات مشتركة، وهناك جمعيات وأندية تقوم على وحدة الطبقة، فتكون هناك وحدة اجتماعية تجمع مجموعة فئات تحت فئة واحدة، أيضا، سأتحدث عن لبنان الذي له مشاكله الأساسية، وهو مسرح للحرية وبلد مكشوف الى الحد الأقصى للإبداع، لكن آليات انتاج السلطة خاضعة لمجموعة معايير كرسها الدستور أولا، ومن حسنة النظام الطائفي، انه جعل لبنان بلدا يعتز بنظامه، كما يقر لبنان بأنه بلد طائفي ونظامه نظام طائفي ويعتمد على المحاصصة، فهناك 34 مقعدا مخصصا للطائفة المارونية كبرت أم صغرت، نقصت أم زادت فستحافظ على مقاعدها، ثم للشيعة 27 مقعدا، للسنة 27 مقعدا، وللطائفة الكاثوليكية 18 مقعدا، وللأرمن 6 مقاعد، و4 مقاعد موزعة على الأقليات، ونظام المحاصصة يغلف الدوائر المحكومية بالطوائف، ففي الجنوب تمسكها الغالبية الشيعية... تذهب الى بيروت أو عكار أو طرابس، فهناك صبغة طائفية، وجبل لبنان موزع بين الدروز الموارنة، وهذه دوائر تتحكم فيها طوائف، وهنا أيضا مشكلة العصبيات المتوارثة التي تلعب دورا في تعطيل العملية الديمقراطية، وهناك قانون يضمن للرئيس أن يمارس صلاحياته فلا يجوز تجديدها أو تمديدها الا بعد مرور 6 سنوات، لكن موعد الانتخابات هو موعد الاحتكار لوجود الطائفية.
لهذا أقول، إن الحزب السياسي ليس محكوما ببرنامج عمل، بل محكوم بإرادة الطائفة، وذلك يلعب دورا في تقرير سياسة الفرد، فلا يعود الى وعي سياسي مستقل، وبالتالي يختار انطلاقا من الانتماء المذهبي أو الطائفي أو القبلي أو المناطقي كما يحدث على أرض الواقع، وهذه واحدة من المعضلات السياسية وبالتالي، هناك عقبات مرتبطة بالعلائق الاجتماعية ومستوى الوعي تصعّب على الفرد الاختيار الحر.
في البحرين، وعلى مدى تجربتي الانتخابات في عامي 2002 و 2006، هناك أطراف قاطعت مع وجود تنافس على المقاعد في التجربة الأولى، وحين عادت القوى المقاطعة في انتخابات 2006، وهو قرار أراه جيدا، تقلصت عملية المنافسة بدخول قوى تسيطر على المواقع؛ ما أدى الى تصعيد عملية التنافس باعتبار أن المواطن محكوم بحلقات ضيقة.
أريد أن أسأل الأستاذ نويهض أولا: «هل لا يزال الدستور اللبناني بصيغته الفرنسية هو المعمول به في لبنان؟».
الدستور اللبناني مستمد من الجهورية الفرنسية الثالثة، وجزء منه من الدستور البلجيكي، ولكن فرنسا تجاوزت الدستور ووضعت شروطا لخصوصية لبنان في أن يكون رئيس الدولة مسيحيا، وهو اتفاق تم مع الدولة العثمانية في العام 1860 وأعطي لبنان الحكم الذاتي، وكان هناك تفاوض على أن يكون الرئيس مسيحيا على أن يختاره السلطان العثماني من الرعايا المسيحيين، وكان يتناوب على رئاسة لبنان متصرف مسيحي وليس لبنانيا، ولكن تختاره الدولة اللبنانية، وما حصل تاليا هو أن الفرنسيين شكلوا مع الدولة العثمانية ما يسمى (مجلس نيابي) واعتمدوا فيه المحاصصة ووزعوا على اثرها المقاعد.
وماذا عن عشرين عاما من الدماء التي دفعها قدمها لبنان؟
الفارق الوحيد هو عدد اعضاء المجلس النيابي كان 99 نائبا مع غلبة للمسيحيين، وحين صدر اتفاق الطائف، تم رفع المقاعد من 99 الى 128 مقعدا، وبهذا تمت مساواة المسلمين مع المسيحيين بناء على التركيبة الديمغرافية وليس على التركيبة الاجتماعية.
نحن نقع في ذات الخندق عندما نفكر بالطائفية، وأعتقد أن الذي يقول إن الدولة شر، نعم الدولة فعلا شر! ويصبح من غير الطبيعي حين تقوم دولة، ونعتقد أن الجميع لهم حق المساواة وننسى ان كل واحد تحركه العرقية والطائفية والديانة، ونحن في البحرين، أصبحت لدينا تعددية وصارت المشكلة أكثر تعقيدا بين السنّة والشيعة! على سبيل المثال، اليوم نحن نتحدث عن المتجنسين، وصرنا ندور في دوامات جديدة، فما هو المخرج؟ هل الديمقراطية ستعطينا الحق في الشعور بإنسانيتنا وثمن كوننا بشرا، مسلمين أم غير مسلمين، إناثا أم ذكورا؟ فإذا كان للديمقراطية خير، فلها ان تتيح لنا أن نتعامل على قدم المساواة، وأن يكون لنا قرار في اختيار من يصلح لتمثيلنا، وحين ننظر الى الفلسفة اليونانية وتعريف مفردة الديمقراطية على أنها حكم الشعب لنفسه، فكأنما نلغي بذلك كل الفروقات بين الأشخاص، ونتعامل مع بعضنا البعض كشخص واحد! نعم، نحن نعيش في ظل حكم وراثي، لكن المشروع الإصلاحي أتاح لنا المشاركة في الانتخابات، ومع هذا تبقى كلمة الفصل في يد السلطة التنفيذية، وما زلنا في أول خطوة في طريق الديمقراطية، ولو تحدثت عن تجربتي كأستاذة جامعية، فإن الجامعات، أو هكذا يفترض، أن تكون أعلى مؤسسة تمثل الفكر، ويصبح الأمر صعبا حين تنعدم الديمقراطية في اختيار رئيس هذه الجامعة أو تلك أو عمدائها، وتتقدم الاعتبارات الأخرى (كالأحق) ولكن (الأحق) بالنسبة لمن؟ ومن الذي يقيم ويقدم الأحق؟
ثقافة الديمقراطية في الحياة الجامعية، بشكل عام في عالمنا غير موجودة، ونحتاج الى وقت لكي نحسن تطبيقها، ثم لا تزال الأسر لدينا متأثرة بالتربية القبلية وتقديم الشخص الأكبر سنا باعتباره أنه هو الأفهم الأقدر والأخبر، وحدثت بعض الممارسات في الانتخابات حيث جاء من يطرق أبواب البيوت ليقول: «لا تنتخبوا فلان، ولكن انتخبوا علان فهو يعرف ربه»! هي حالة من تهميش الإنسان وتجريده من حقه في الاختيار في مجتمع يضع الحقوق في كفة إنسان يملك سلطة معينة، كالسلطة الدينية والقبلية والطائفية، فلا نستفيد من الآخرين ذوي الكفاءة.
فاتنا أن نقارن بين المنطقة العربية أو دول الخليج، وبين دول توطنت فيها الديمقراطية وهي دول فقيرة جدا أو متخلفة في التعليم مثل بنغلاديش وسيلان أو دول آسيا مثل ماليزيا التي قفزت قفزة كبيرة، مع أن دخلها لا يعادل دخل دولة خليجية... لماذا تصلح الديمقراطية في ماليزيا وبنغلاديش وتنتخب المرأة على رأس الهرم السياسي؟ لماذا تنجح في جنوب أميركا اللاتينية ويصبح هناك تطور مستمر ولا نشهده في بلداننا؟ هذه التساؤلات، بل دعنا نقول إنها مقارنة تطرح تساؤلات من قبيل: «هل الديمقراطية بعبع أو عبء يخوِّف الناس؟ أو أن هناك إرادة للشعوب ارتأت أن الديمقراطية هي سبيل الخروج من الأثنيات والتطاحن واختلاف المذاهب والأديان؟ في ماليزيا وحدها أكثر من 70 قومية، وفي الهند هناك ما يقارب من 240 ديانة وأكثرها المسيحية والبوذية والإسلام بمذاهبه، ناهيك عن بعض المذاهب الأخرى، وكذلك في دول الجنوب الآسيوي... وسياق الحديث عن الديمقراطية في البحرين يجعلنا نتساءل أيضا: «هل هناك إرادة وطنية حقيقية نابعة من القيادة؟»... أعتقد أن لدينا مشكلات متعددة إحداها هي السلطة، وليست السلطة هي كل المشكلات، ولكن في الوضع الوطني، عندنا السلطة هي إحدى هذه المشكلات، والمسألة الأخرى هو الشارع وتشظياته وما أفرزته الانتخابات... أفرزت لنا تشظيات لدرجة أن الطائفة تنقسم على نفسها، والانقسام ينقسم على نفسه ويؤدي الى كيانات هزيلة.
إحدى أهم المشكلات الواجب لفت النظر إليها هي انعدام الإيمان بالتغيير... إن انعدام الإيمان يشكل هياكل فارغة، وهذه الهياكل تشكل ديكورا عاما للديمقراطية مثل الجمعيات السياسية في البلد ومثل الأحزاب الشكلية في بعض الدول العربية، ومثل النقابات التي يكون بعضها فاعلا وبعضها الآخر غير ذلك، وربما أريدَ لها أن تكون مهنية بحتة، ويكون الإنسان العربي مؤطرا في تلك الحدود، لا لأن يخدم قضية قومية.
أيضا... من أهم المعوقات هي تلك المرتبطة بالتشريعات الموجودة في الوطن، وأهمها الدستور وما أنتجه دستور 2002 من إشكالات شعبية أدت الى عريضة وبعدها تشظيات، وكذلك نظام الانتخاب، أو ما بين قوسين من نظام الدوائر وما يعانيه البرلمان الماضي والحالي والآتي من صبغة طائفية، لا يضع في حسبانه المصلحة الوطنية العليا، وإنما يضع مصلحة الطائفة، وكم عدد من المقاعد التي ستحصل عليها هذه الطائفة... والحال كذلك، ما الذي يجنيه البلد برمته؟ إذا، القوانين المطبقة بجانب الدستور والنظام الانتخابي، تؤكد عدم رغبة السلطة أساسا بوجود ديمقراطية في هذا البلد... أنا مع الديمقراطية والحرية ومع تداول السلطة، لكن لا يمكن أن نقول بذلك ثم نأتي لنضغط على القوانين، ونحد من حريات الناس، ونمنع الناس من المشاركة في الملتقيات والمظاهرات، ونضيق عليهم تمويل نشاطهم السياسي، بالإضافة الى سن قوانين مثل قانون محاربة الإرهاب وعملية الخنق التي تطارد الناشطين... هذه أحد أهم الأسباب المؤدية لبطء العملية الديمقراطية، ولذلك من الطبيعي أن تنشأ لدينا في البحرين جمعيات سياسية ذات طابع طائفي فالسنّة والشيعة طائفتان رئيسيتان تمثلان تركيبة المجتمع البحريني، وهي أيضا أحد أهم العوامل المعوقة للديمقراطية.
ثم لنتحدث عن سيطرة المرجعيات، ليس فقط في حدود طائفة، بل تعلو على الطوائف وتديرها من تحت الطاولة، واليوم أصبحت مكشوفة، ويخرج لنا فلان ليدعو الجمعية الفلانية للدخول أو عدم الدخول... هذه كتلة إيمانية وتلك ليست إيمانية... هذه تدير الشارع فقط لتفرز لنا مجلسا نيابيا في أضيق حالات وتتنافس فيه المرجعيات من تحت الطاولات عن طريق الجمعيات...
هذه أهم المعوقات الموجودة في الوقت الحاضر، وهي معوقات لا يمكن أن تسمح بممارسة الديمقراطية في بلادنا... علينا أن ننقل الديمقراطية الى الأجيال القادمة كثقافة يمكن أن تحل مشكلات المجتمع من طائفية ومذهبية وفساد إداري ومالي ينخر في البد ويوظف لحساب فلان على فلان الذي يعبث في مكتسبات البلد، وكيف يصدر هذا البرلمان صكوك غفران وشهادات براءة لعدد من الوزراء المنغمسين حتى النخاع في الفساد في إدارتهم لوزاراتهم! ونتيجة التباين الطائفي، تقف هذه الجمعية مع الوزير الفلاني لتبرئه من الفساد فقط لأنه من طائفتها، وتبرئ جمعية أخرى وزيرا آخر لأنه من طائفتها، على رغم الحقائق والأرقام القاطعة اليقينية التي تثبت التورط في الفساد.
مع أنه لا توجد ديمقراطية في المنطقة عموما، لكن الأوضاع تتحسن، فالديمقراطية وسيلة ولكن الأوضاع تتحسن وأكرر هذه العبارة، ولو دخلنا في التفاصيل، سنقول إن الشراكة الشعبية في صنع القرار، هل زادت أم قلّت اذا قارنّا الوضع في يومنا هذا، بعشر سنوات أو عشرين سنة مضت... بالتأكيد زادت عبر المجلس النيابي، وبرزت عبر تشكيل الجمعيات الحقوقية وجمعيات النفع العام، وبهذا، فإن حالة المشاركة في صنع القرار تحسنت بدرجة كبيرة وكذلك حرية التعبير... اليوم استطيع توجيه الانتقاد لأي وزير بل وأكبر من وزير، وأذهب الى عملي في اليوم التالي، ولا يحاسبني أحد.
أكرر وأقول، اليوم وضعنا أفضل... النواب اليوم يطرحون الموازنة العامة للدولة لنقاش مستفيض ويستطيعون مساءلة أي وزير، وهذه ليست متاحة في السابق، وهي متاحة اليوم حتى لو لم نحصل على كافة النتائج، والحال، أننا لن نحصل على أي شيء من أول يوم أو أول أسبوع، أول شهر أو أول سنة، لكن هناك تحسن في مستوى الشفافية وهناك مؤشرات واضحة على أننا نسير في الاتجاه الصحيح، فعلى سبيل المثال، وقبل عشرة أيام كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يعقد لقاء مع ممثلي الصحف والجمعيات الحقوقية في لقاء مباشر، وتحدثنا معه بشكل مباشر وأوصلنا وجهات نظرنا بشكل مباشر والدعوة أصلا جاءت من سمو رئيس الوزراء، وليس من برنامج الأمم المتحدة... في السابق كنا نشاهد هؤلاء المسئولين في اللقاءات التلفزيونية داخل الدواوين.
ومع ذلك أقول، هذا ليس كل شيء... نحتاج الى برنامج عمل طويل ودؤوب لإرساء الديمقراطية اذا أردنا نضجا ديمقراطيا، مع عدم قبول غياب الطرف الآخر، فأنا شخصيا لا أرى أية مبررات من جانب الدولة لإخفاء أية معلومات، ولا أجد مبررا لعدم تداول السلطة، وكذلك لا أرى مبررا لعمل ميداني في الشارع من خلال التخريب والحرق، ما يعني أنني لا أرى مبررا لغياب شريك ديمقراطي رئيسي وهو الدولة... في الولايات المتحدة الأميركية، يتنافس الديمقراطيون والجمهوريون في ساحة النظام الديمقراطي هناك، وما أن تنتهي الانتخابات حتى يبادرون لتهنئة الفائزين، ثم، إذا أطلقنا بعض المؤشرات الإيجابية النسبية من جانب الحكومة، لا نجد جوانب إيجابية من جانب المعارضة، فتلك المعارضة التي اختارت أن تقدم مترشحا بسيطا من أتباع (خط معين)، نراها لا تدعم مترشحا متعلما وكفؤا وإن كانت له صلة بذلك الخط، وهذا يعني أن المعارضة ذاتها ليس لديها برنامج، ولو حصل ووصلت المعارضة الى السلطة فستكون في نظري بلا خطة عمل وبلا برنامج! لذلك، نستخلص نتيجة بعض التحسن في ممارسات السلطة ونشيد بها، ونطالب بالمزيد من الشراكة والشفافية والانفتاح، لكن من ناحية أخرى نريد أن نرى خطة عمل للجمعيات السياسية، ولربما وجدنا صراعات بين أربع جمعيات لم تتفق على رؤية محددة حتى في جلساتهم الخاصة، فإذا أردنا الديمقراطية، يجب البحث عن شركاء حقيقيين وليس عن مشاركين في الديمقراطية.
فيما يتعلق بالمعارضة، أعتقد أنه يجب أن نؤمن مع أنفسنا ومع الآخرين، ونعطي الموضوع حقه من النقاش، فالعمل السياسي هو عمل تراكمي وتجربة الكويت في وصول المرأة الى مجلس الأمة خير دليل، وهناك حياة ديمقراطية في الكويت منذ العام 1962، ولهذا فإن وصول المرأة الكويتية الى المجلس دون كوتا ومحاصصة، هو أمر فاقع... فالمرأة في الكويت، بكل تاريخها السياسي وكوادرها المتميزة والتي تفوق الرجال في بعض الأحيان، لم تتمكن في السابق من الوصول بسبب المعوقات، لكن تجربة المجتمع الكويتي بعد كل هذا المخاض، ومنه ما ظهر بسبب تشكيل خمس حكومات في أربع سنوات، وكون الكويت، كسائر الدول في العالم العربي والإسلامي، تعاني من صور الفساد مع وجود ديوان لمكافحة الفساد، وعلى رغم أن دستورهم هو الأفضل على مستوى العالم العربي، لكن، بعد كل ما تقدم، فإنه مع وصول المرأة، وتراجع التيارات الدينية من السلفيين والإخوان، وكذلك التيارات الليبرالية المهيمنة على المجلس، سيؤسس لمستقبل أفضل.
وهذه التجربة يجب أن تعمم، لتشابه الظروف في البحرين والكويت، من ناحية البنية الديموغرافية، وإمكانيات البلد، وكذلك فيما ما ذكره قبل قليل الأستاذ نويهض عن تجربة المحاصصة في لبنان، فيلزم أن تكون النتيجة هي استفادة الدولة من التجربة منذ عهد الدولة العثمانية والاستعمار الفرنسي، لأن ذلك تركة ذلك العهد يمثل إعاقة حقيقية، وأمامنا تجارب من دول عربية كالمغرب والأردن تصل الى حد تعويض المتضررين من العنف السياسي، ولعله من المفترض أن تستفيد التجربة الوليدة في البحرين من هذا الزخم، وكان ذلك هو المتطلع من القوى السياسية، وأعتقد أن جلالة الملك اتخذ خطوات جبارة منذ البداية، لكن داخل النظام وداخل السلطة هناك تيارات تشكل عقبة وتحتاج الى ضخ المزيد من الإصلاح والتوجهات الجديدة للعملية الإصلاحية، فمشروع البحرين في الإصلاح توقف وهذا التوقف جعل الناس أو ثقة الناس في إمكانية التغيير محاطة بحالة من الإحباط وحالة من التراجع، وأدى الى نشاط الطرف المعادي للإصلاح حيث بدأ يعمل لمقاومة القوانين والتعيينات، وأكثر من ذلك، أمامنا المزيد من الفساد والتجنيس السياسي لإحداث إعاقات، ولاحظنا ذلك الدور للطرف المعادي للإصلاح يظهر بشكل تلقائي في فترة الانتخابات، ونعرفها بالإسم، وهي لا تستحي! بل لديها ناطقون رسميون من خلال ممثلي الشعب في وسائل إعلام مجيرة.
هذا يعطينا مؤشرا إذا أردنا الحديث عن دولة المؤسسات، فنحن لسنا في وارد دولة المؤسسات، ولكن لابد من أن يكون هناك توجه لتأسيس حقيقي يمضي للدفع بدولة المؤسسات، وهناك مرجعيات خارج السلطة تعيق أيضا، وهذه القوى مسئولة عن إعاقات المجتمع نحو الأمام، والمثال الواضح هنا هو قانون الأحوال الشخصية، تصدت له وبجرة قلم قد تعيده! القانون يراد له تقسيم البلد في وجود مرجعيات تتصارع على مصالح وعلى مواقع قوى، وبهذه العقلية، حين طرحنا قانون الأحزاب السياسية في العام 2002، وخلال 24 ساعة كانت قوى أخرى تأتي بقانون آخر جاهز، وينطبق هذا الأمر على قانون الأحوال الشخصية. إذا، ما نفتقده في البحرين - إذا أردنا قراءة مستقبل الإصلاح - فيجب أن نؤسس مبدأ الشراكة الاجتماعية... لا يمكن أن نتحدث فقط، ونربط وضعنا بدول الجوار، فهذا كلام يتم تسويقه لإعاقة المشروع الإصلاحي، أما في تجارب دول أخرى، كتجربة أميركا اللاتينية رأينا كيف تتحول بعض الدول هناك الى جمهوريات، وتنطلق فيها الديمقراطية والأحزاب والنقابات لأن الشعوب بدأت تغير من نفسها، وهناك بوادر انفتاح حقيقي، ونحن اليوم نتحدث بكل صراحة وبأريحية دون أن نمس، وهذا على الأقل موجود لكن لا يكفي، وهنا نتساءل: «لماذا تتسم تجربتنا بالبطء والتراجع سواء من جانب السلطة السياسية أو الأحزاب السياسية؟ فالسلطة حين تتصف بالفردية والفوقية، لا يمكن أن تؤسس لواقع حقيقي... لابد أن نكون شركاء.
المعارضة لا تملك برنامجا في واقعها العام، التخبط والارتباك والفوضوية هو الظاهر نظرا إلى تباين هذه القوى، وبعض تلك القوى برز فجأة من الصناديق الخيرية، وظهرت بمريدين وممثلين لها في البرلمان، وأصبحت قوى سياسية لا يمكن إلغاؤها حتى وإن بدأ بعضها متأخرا، وبعضها الآخر يمتلك التجربة ويفتقد القاعدة، لكن كل ذلك يؤثر في الساحة مع وجود قوى سياسية جديرة ولها كوادر وتجربتها لكنها محاصرة بكل هذه الإرباكات.
وأختم هذه المداخلة بالقول إنه بالنسبة إلينا في المنبر الديمقراطي، لدينا برامج، لكن القوى السياسية تحتاج الى برنامج عام تعمل عليه اقتصاديا وسياسيا.
التجربة البحرينية أصبحت تحت الأضواء والتركيز، وبطبيعة الحال، لا يمكن أن تكون في منأى عن الوضع الإقليمي وخصوصا منذ العام 1979 حيث بدأ تأثير المد الديني يظهر، وقبله كان المد القومي قائما لكن لم يكن له تأثير التيار الديني، وبالنسبة لي شخصيا، ومن فهمي الشخصي، فليس هناك رابط بين الدين والدولة... أي أن رجل الدين لا يملك سلطة القرار السياسي، وفي البحرين، مع انتصار الثورة في إيران في العام 1979، كان البحرينيون من سنّة وشيعة، يؤيدونها! ولكن بروز الدولة الدينية الى العلن، بدأ يعطي أفرازا غير صحي لأنه أخذ المنحى الطائفي.
وأنا لا أرى علاقة السلطة السياسية بالطرف الآخر - أي الأحزاب السياسية - من ضمن عمل السلطة، ولهذا فهي لا تهدف الى عمل سياسي حقيقي، ثم بعد ذلك، عدنا الى ما كنا عليه في السابق بدليل أن الجانب الاجتماعي بدأ في التردي أيضا، بل وتراجعت عملية التنمية، وفي الظن أن هذا الوضع سيضفي المزيد من التردي على الجانب الاجتماعي... هذا بالنسبة إلى السلطة السياسية، أما الجانب الآخر، وهي القوى التي تمثل الحراك السياسي، فهناك ممارسة للاقصاء في بعض الجمعيات السياسية، فالحديث عن أربع جمعيات وضعت نفسها في الساحة يدفعنا للتساؤل: «على أي أساس تم هذا الأمر، وأين ديمقراطية الجمعيات السياسية؟ نعم، المواطن البحريني يريد ممارسة ديمقراطية، لكن بسبب الفكر الطائفي البغيض، فإن هذا المواطن (يفضل أميّا جاهلا وبالعامية... لا يعرف كوعه من بوعه) ويختار شخصا لا يفهم في العمل السياسي ولا يقرأ الواقع الاجتماعي ولا يشارك فيه، وبالتالي يتربّع على مقعده تحت قبة البرلمان، في الوقت الذي كان منافسوه يفوقونه بمراحل، لكنهم يسقطون بقرار مبني على أنه شيعي ومنافسه سنّي والعكس، وأقول... الكل ينادي بالعمل ضد الطائفية لكنه كاذب! وربما نحن نمارس الفعل ذاته، وننادي بنبذ الطائفية، وما أن تريد ان تقوم بعمل معين حتى تفكر بعقل الطائفية لأن الكل يمارسها.
لو جئنا للحوار الوطني المطروح، فالمفروض أن يكون مفتوحا على جميع المواضيع ودون امتناع طرف من الأطراف، ومن خلال الابتعاد عن طرح مواضيع هادمة للحوار الوطني، فجاء المنبر التقدمي وطرح مشروع المبادرة، وقُدِّم تصور للحوار الوطني، فأين الحوار الوطني؟ إذا أرادت كل جهة أن تطرح تصوراتها للحوار ترفضه السلطة! ونحن حاليا في مجتمعاتنا الخليجية، نجد أن الشعب تابع للسلطة، وفي دستورنا نقرأ (أن الشعب مصدر السلطات) لكن في الحقيقة لا يصدق هذا الأمر.
دعنا نخرج من نقطة الحوار الوطني ونذهب الى جانب آخر ونقول إن هناك بعض الجمعيات نادت بالمساواة ونبذ الطائفية، ثم توارت دعواتها وجاء عنف الشارع، والعنف يولد عنفا... واذا لم تكن هناك سيادة للقانون في المجتمع، لا يمكن بممارسة العنف من خلال حركة الشوارع أو حوادث الاعتداء سواء كما حدث في قضية مقتل الشرطي ماجد أصغر علي أو شيخ رياض أن نسير في اتجاه مقبول! هذه جرائم فلماذا نخفيها ونصفها بأنها عمل سياسي؟ ولماذا يصفها البعض بأنها ليست عنفا؟ فالعنف في الشارع لا يولد الحلول، ثم إن البرامج السياسية موجودة، وبالنسبة إلينا في جمعية الوسط الإسلامي لدينا برنامجنا، ولكن إذا أردت أن تتحدث عن الواقع العام، وإذا كنت تريد تطبيق برنامج سياسي للقوى الوطنية أو حتى برنامج من خلال قبة البرلمان، ستقف عند حقيقة أن البرلمان مغلق، وتتحكم فيه أيضا الطائفية، وهذه حينما تأتي - أي الطائفية - تأتي خلفها الأخطاء! نحن لا ننكر أن هناك أخطاء ارتكبها بعض الوزراء، ولا ننكر أن الاستجواب وطرْح الثقة هو من أخطر الأدوات النيابية والرقابية في الوقت ذاته، لكن أن تسيطر النزعة الطائفية، وتسقط أهم الأدوات البرلمانية لدى النواب فقط لأن الوزير المساءل شيعيا أو سنّيا، هنا تقع الطامة مع شديد الأسف.
ما تطرق إليه الأخ محمد المطوع في شأن استجواب أحد الوزراء، وأنا لا أريد أن أذكر أسماء، وهي نقطة على أية حال ليست من صلب منتدانا، أقول، إن الاستجواب الأخير طرح جوانب كثيرة، ولكن حين تأتيني وتقول الكأس فارغة، فأقول أن نصفها ممتلئ وهذا حقي لأنني رأيت أن نصفه ممتلئ بالفعل، وحين تقول إن صيدلية (...) رست عليها مناقصة شراء أدوية في العام 2008 من مليون إلى 3 ملايين، أقول: «ألا تنظر الى أن موازنة الدواء كلها تبلغ 5 ملايين؟».
أنا لم أتطرق الى كم أخذت تلك الصيدلية، أنا تحدثت عن الفساد على أساس أن صاحب هذه الصيدلية وهو موظف عام في الوزارة نفسها، يمنع إرساء مناقصة الشراء على شخص آخر، وليست المشكلة في 3 أو 5 ملايين، لكن على الأقل، يوفر أدوية سليمة جيدة، وكيف رست على صاحب الصيدلية تلك المناقصة لطالما أنها مرت بالقنوات الصحيحة؟ وكيف يسمح الوزير بهذه الوضعية؟
نعم، لقد أخطأت كتلة نيابية كبيرة، بل وأرست مسألة سيئة بل سوداء في تاريخ العمل السياسي في هذه البلد حين دافعت عن مسئول فاسد وبرأته... الفاسد فاسد حتى لو كان أخي، فهل أبرئه فقط لأنه من طائفتي؟
أنا لا أعرف شخصيا ذلك المسئول، لكن بحسب علمي جرى إعفاؤه من منصبه، كما نما الى علمي أن صيدليتهم ليست باسمه وإنما باسم والده وإخوته، وهنا، لعلّني أميل الى أن أمنع الكفاءات من العمل اذا كانت لديها أعمال تجارية تتلاقى مع عملهم الرسمي، وما طرح في الصحف عن القضية لم يكن دقيقا بحسب معلوماتي، لأن المناقصات ترسى من خلال مجلس المناقصات وليس من الوزارة المعنية.
ولعلّي أعود أيضا الى محور (الحوار) من جديد، وقد غطيت الكلام في شأنه، وأتمنى مجددا أن الحوار الوطني المزمع يرى النور، ولا يلاقي تهميشا من جانب السلطة، وألا يكون كتجربة سابقة من التحاور كان فيها أحد الوزراء هو المهيمن ولا يستمع لوجهات النظر الأخرى ولا يحاور، إذا تكرر الأمر ذاته مستقبلا، فلن يأتي الحوار بالصورة التي نريدها.
أخطر ما في الأمر هو تعطيل الوعي السياسي والإدراك والاختيار، هذا بلد اسمه لبنان، كيف يكون فيه إصلاح إداري ويتحول البلد الى طوائف وبالتالي تكون هناك صعوبات إصلاحية! إن نقل موظف من مكان الى آخر يدخل في قنوات، ثم يتعرض البلد الى هزة بسبب نقل الموظف! فما بالك بتعيين قضاة وسفراء وقناصل ومحافظين... يمر طلب التعيين بقنوات تؤدي الى وقف كل القرارات... وللأسف الشديد هذا الوضع الفسيفسائي يعطل كثيرا نمو الدولة ونهوضها، ويمنع من أن يأخذ الحوار الوطني وضعه الحقيقي، ولابد من التجرد من كل هذه الحساسيات التي تؤسر العقل وتمنع من التحرر السياسي.
العملية السياسية هي في النهاية عمل تقوده جهتان: المجتمع والدولة، والرابط بين المجتمع والدولة هو العقد السياسي، والعقد السياسي هو الدستور، فالدستور أساس الديمقراطية التي هي المنعة، وهي عملية تهذيب أو تشذيب... فالدستور هو الأهم، وهو يعني هيبة الدولة والشخصية التي تعكس وترمز الى الدولة، وبالتالي هذا هو الأساس في عملية التقدم السياسي والاجتماعي، وعندما نفتقد العقد السياسي بين الدولة والمجتمع، نصبح حينها في حاجة الى عقد بين المجتمع ذاته، ليقارن الصورة من دون تحيز... وبعد، البحرين جزء من هذا العالم، وهي جزيرة لكنها ليست بمنأى عما يحدث حولها، فنتمنى أن يكون الحوار الوطني مبنيا على قاعدة ترى المجتمع كوحدة واحدة وليس كوحدات.
عندما نتكلم عن أفق الديمقراطية، نحتاج الى أن نفعّل ما يسمى بأذرع الدولة: الأندية والمساجد والجمعيات وحتى الجامعات، يجب أن تكون هناك خطة واضحة تطبق من خلال هذه الأذرع، ففي بداية القرن الماضي، حين تأسست الأندية البحرينية، لم تكن نوادي رياضية بحتة، بل كانت ثقافية ولها نشاطها الفاعل في المجمع، واليوم يتم بيع هذه المؤسسات... لماذا تباع؟ في ناد عريق يحمل خيرة المثقفين البحرينيين من الذين وضعوا أسس الثقافة في البلد، يتحدثون اليوم عن البيع، هل تراجعت الحمية الوطنية والنخوة؟ وهل ضعفنا في أن نؤسس الشباب، ونعيد صياغة الإنسان البحريني من خلال هذه المؤسسات المهمة؟
حاليا، يتم التركيز على الرياضة فقط، ولا بأس في ذلك، ولكن لا يمكن ان يتحول عقل الشاب الى حذاء فقط! ولماذا لا تفتح الأندية والمجالس لكل المجتمع ولكي تتحول الى مراكز اشعاع وفرصة لتحقيق الحوار الوطني، وحين نتكلم عن الحوار الوطني أرى ضرورة تفعيل هذه المؤسسات الى جانب الجمعيات السياسية، بل ويمتد الحوار المدني وخلق الأرضية له في المدارس والأندية والمدارس والمآتم، واعتقد أنه جاء الدور لأن تكون هذه المآتم - ليست منابر للحزن - ولكن لتثقيف الشعب وتنويره، نعم، ربما كانت هذه المآتم في مرحلة ما تنحصر في التعبير عن الحزن فقط، لكنني أرى أن المأتم اليوم يقوم بأدوار ثقافية وسياسية، ولا يجب أن نتمسك بكلمة (مأتم) للحزن الذي يشل الفرد، بل نريد تفعيل مثل هذه المراكز.
أيضا نبحث عن الأمثلة الموجودة للديمقراطية كأميركا، فهي بلد مبني على المهاجرين، وحين نشتكي من التجنيس في البحرين اليوم، أنظر الى أميركا كبلد جمع المتجنسين بغض النظر عن عرقياتهم وأديانهم، حتى صار باراك أوباما... حفيد العبودية، يتولى القيادة في هذه الدولة الكبرى... نعم، الديمقراطية لها سلبياتها، لكن لا نستطيع خلق مجتمع مثالي، حتى ديمقراطية أميركا ليست ديمقراطية سليمة، لكن حين نتكلم عن التعبير والتمثيل، نستفيد من الدستور الأميركي الذي يمتلك الضمانات ولا يمكن اختراقه وهو دائما في حالة ديناميكية.
في ختام المنتدى نتحدث عن أهم نقطة ألا وهي الحوار الوطني، وأستطيع أن أسمّي الرفاق في جمعية المنبر بأنهم حملوا على عاتقهم دفع العجلة الى الأمام، ولكي ندخل في حوار وطني، لابد أن تقبل ذلك الحوار كل الأطراف مجتمعة، فلا أسمّيه حوارا وطنيا رسميا، فالحوار الوطني يتصف ويتوافق بشأنه جميع الأطراف الرسمية والأهلية، وإذا أريدَ له أن ينجح أو أن يبدأ، يتوجب أن تقدم أطراف هذا الحوار إمارات على حصول الثقة بينهم ليبدأ الحوار، وعلى الحكومة ان تستجيب للمعارضة في ملف التجنيس كإمارة من إمارات التوافق على سبيل المثال، وعلى الشارع أن يدفع في اتجاه التوقف عن الشغب والتخريب، ولكي ينجح الحوار، لابد من تقديم مشروع مدروس من السلطة، ومن ممثلي المجتمع المدني، ولابد من أن يتم تحديد المدى الزمني لهذا الحوار، ولا يترك الى أجل غير مسمى على شاكلة الحوار العربي الصهيوني منذ 6 عقود وهو مستمر الى ما لا نهاية.
إذا، لابد من توافر عوامل تدفع في اتجاه انجاح هذا الحوار، وأيضا، لابد أن تكون الأطراف مؤمنة بالحوار، لأنه إذا كان هناك من يدفع ببرامج أو بمسائل معينة مغلفة بأهداف أخرى، لا يمكن لهذا الحوار أن ينجح، ولابد أن تؤمن كل الأطراف بأن هناك هدفا أسمى اسمه الدولة، وليس السلطة، واذا غابت من وعي السياسيين الشخصية الاعتبارية لمسمى الدولة، ضاعت بقية الحقوق الملتصقة، وضاع المال العام، وضاعت البحار وضاعت حقوق الناس والأفراد لأن كل هم السلطة هو الحفاظ على مصالحها وليس الحفاظ على المصلحة العامة، فإذا انعدمت الدولة انعدمت المعايير التي تؤطر لمجتمع يعيش فيه الجميع سلطة وأفرادا، ولابد من الإيمان بوجود مصلحة عامة، واذا سيطرت المصلحة الخاصة أو مصلحة الحزب أو الطائفة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح حوار وطني، وتتقدم مصالح وطنية مشتركة، وبالتالي سيدافع هذا عن جمعيته، وذاك سيدافع عن طائفته، ونصل الى حالة فوضى لا حالة حوار.
لنبدأ بحوار وطني وعلى السلطة أن تستجيب لمصالح شعبها... أوقفوا التجنيس البغيض الذي قد يؤدي الى نزاعات بعد عشرين سنة لا نستطيع ان نقدرها بحجمها، وهذا الصراع بدأت ملامحه في الظهور في مدينة حمد والرفاع، ولن تعرف في الأخير ما الذي سيحدثونه مستقبلا... فأهم ما لديهم مصالحهم، وقد يبرزون الانتماء الى الشخص أو الى الطائفة، ولكنه يبقى (تمظهرا) فقط، وتبقى مصلحته هي الأولى، ولذلك نتخوف كثيرا من التجنيس، واذا كنا كشعب نمثل لدى السلطة شعبا واحدا، فعليها ان تتوقف وتراجع حساباتها في عملية التجنيس ودوافعها.
أسوأ محور يمكن أن نتحدث عنه هو الحوار! كل طرف يطرح تصورا بعيدا عن الآخر، وهنا لا تصبح للحوار جدوى، وربما يكون الزمن كفيلا بحل الأمور، لأننا تعودنا أنه بعد كل حوار تقع أزمة كبيرة، فأنا أسمع عن الحوار من قوى وطنية وهي أصلا لا تملك الشارع، فلو دخلت في حوار، لن تستطيع السيطرة على الشارع الذي لن يسمع كلامها لأنه لا يلتقي معها في المنهج.
إذا، المشكلة هي الشارع، وفي الوقت نفسه، الحكومة لا تقبل فكرتك ولديها أسس مختلفة، وربما هدفت الى جمع السنّة والشيعة ومحاربة التجنيس، لكن ليس هناك توافق في الأفكار.
في الظرف الحالي، فإن أي تكثيف لنشاط بغرض مناقشة بعض المفاصل في عملية الإصلاح قد يؤدي الى صدام، من الأفضل ترسيخ بعض المفاهيم الأساسية وأخذ المزيد من المكاسب... قبل نقاط الخلاف، نقاط الاتفاق لم يتم التوافق عليها حتى الآن.
أختم بالقول، إن الأطراف التي تطرح الحوار ليست في حاجة الى حوار! بل تريد التوافق، والذي يحتاج الحوار لا يطرحه، بالعكس، فإنه يطرح مسمى شبيها ببرنامجك ولكن محتواه مختلف وبرامجه مختلفة... لذلك أقول إن القوى الوطنية والسلطة في حاجة الى الاتفاق على برنامج، فلا يمكن السير في برنامج لا يحظى بالموافقة وتطرح في شأنه تصورات مختلفة، والمطلوب هو الاتفاق على برنامج عمل مشترك موحد.
أنا أختلف مع الأخ الأنصاري في شأن طرح الحوار من جانب القوى الوطنية، فكل القوى المخلصة مطالبة بطرح وتشجيع مبادرات الحوار انطلاقا من المسئوليات الأدبية وليس لأنها تريد جزءا من هذا الحوار، وهناك مسئوليات تأسست بغض النظر عن حجم تلك القوى في الشارع رغم أهمية هذا الجانب طبعا، أما التجربة التي مرت بها تلك ا لقوى فهي بمثابة تأسيس منهجها ورؤيتها للمستقبل، على غرار بعض القوى (الضالعة) التي لا تدري الى أين تتجه، والى أين يتجه البلد حين تقف مع التجنيس مثلا، أو حين تجعل البديل لغياب الحوار هو الفوضى.
تجربة لبنان جاهزة أمامنا... البلد دخل في حرب امتدت الى نحو 14 سنة وأكثر، إبان الحرب الأهلية، وما زال البلد على كف عفريت لأن الحوار لم يؤسس على أساس حقيقي، وحتى وثيقة الطائف صدرت خارج لبنان! لا أحد يريد الفوضى، وهناك ملفات معلقة وستبقى وستتوالد منها قضايا أخرى، وهذا ليس عيبا، ولا يجب أن تسكت القوى الوطنية لأنها لا تملك الشارع، وبالتالي فإن المسئولية الوطنية تفرض عليها طرح المبادرات تلو المبادرات لدعم القوى الحية لتاسيس المصلحة الوطنية، فما هو عمل القوى الوطنية إذا قلنا ما الفائدة منها؟ ومع من تتحاور السلطة في ظل هذا التصادم الطائفي الذي تأسس على دوائر وتعيينات؟ فإذا لم تكن هناك قوى لها نضج سياسي، فمن الذي سيعمل؟ لابد من أن نمتلك النفس الطويل، وقد سألني الأخ البنعلي سؤالا جانبيا وهو أين وصلت مبادرة الحوار؟ وأقول... المبادرة صالحة، وستبقى صالحة وكل القوى تجاوبت معها ولكن السؤال الذي يطرح وفقا لما طرحه جلالة الملك حين قال إن الحوار يتم تحت مظلة المجلس الوطني: «ما الذي فعله المجلس الوطني للدفع في اتجاه الحوار؟ لم نسمع إلا أحد النواب المستقلين حين أعلن أنه يسعى للحوار وهي محاولة يتيمة وضاعت!
على مجلس النواب أن يقوم بدوره، وهذا يؤكد عدم وجود الجدية لإصلاح حقيقي لعدم وجود مصلحين حقيقيين، ثم ما الذي ينتظره ممثلو الشعب ليقوموا بدورهم؟ البلد في حالة احتقان سياسي والمشروع الإصلاحي يتراجع، هل يريدون دورا شكليا صوريا؟ فكل بلدان العالم لديها مشاكل، وأضيف لأخي أحمد البنعلي أنه كانت هناك مبادرة لفك الاحتقان، لكن الطرف الرسمي أثبت أنه غير جاد! ومع ذلك، هناك قضية دستورية والجمعيات الأربع تسعى لإيجاد بعض الحلول وتقنع شارعها بأنها لن تشارك لأنها لم تقتنع، ولم يتم الإصغاء لهذه القوى.
قضايا البحرين ليست معقدة، ولابد من الجلوس للحوار لتحل على مدى السنوات المقبلة، وليس من أجل صناعة الحل غدا... نحتاج الى حلفاء حقيقيين ودعم شعبي، ولكن ما هو دور الجانب الرسمي؟ الجانب الرسمي يتخوف من الحوار باعتبار أنه يكشف الفساد وبتحرك نحو إصلاح سياسي ودستوري، لكننا نطمئن الجانب الرسمي أن القوى الوطنية ستعمل بإخلاص وتأنٍّ وصبر لبدء مرحلة الحوار.
بالنسبة إلى الحوار الوطني، لا أتفق مع ما ذهب إليه الأخ محمد الأنصاري من أن الحوار لا يمكن أن يتم... إذا العدو الصهيوني فتح أمامه (الحوار) من قبل دول عربية كمصر والأردن، ألا يمكن أن يكون هناك حوار بين أهل وجماعة مجتمع واحد؟ فالحوار مطلوب على أساس وجود نية حقيقية تهدف الى الوصول لنقطة التقاء، فالحوار نقطة أساسية بديلة عن الصراع، وأيضا، الحوار أمر مطلوب بذهنية حقيقية تؤمن بإمكان تحقيق كل المطالب من خلال الحوار، وهو حالة قابلة للأخذ والرد وقد نتفق على نقاط معينة ونختلف، لكن من غير الجائز القول إن الحوار قادر على حل كل المشكلات.
أضف الى ذلك، أن مختلف الأطراف وأولها السلطة يجب أن تشارك في الحوار، وأن تكون كل الأطراف متواجدة ولا يقصي عنها أو فيها أحد، وكذلك لا يمكن الإتيان بتيار معيّن ويقال إنه يمثل الحوار، فقبل سنوات، كانت مبادرة للحوار، وأقصيت منها أطراف دينية وقومية وتيارات وطنية، فهي ما دامت تحمل المواطنة البحرينية، ومن المنطقي طرح نقاط الخلاف، ويمكن لكل الأطراف أن تتقدم في النقاط القابلة للتلاقي وبالتالي فتح الطريق لتنفيذ النقاط الممكنة، لكن أن يتم تقديم نقاط الخلاف الشديد أو النقاط المستحيلة، فكأنما أطلق صفة الإعدام على الحوار.
من الضروري وجود جهة تقود الحوار ليشمل كل الأطراف مع عدم أهلية المجلس النيابي ومجلس الشورى لهذه المسئولية، ولربما يملك المجلس النيابي موقعا أقوى، لكن تركيبته الحالية غير مهيأة للحوار.
وبعد، إذا وضعنا أمام العمل الوطني بصورة عامة هدفا وهو الإنسان، فالسلطة تتجه للإنسان، والنواب للإنسان، وإذا كان الحوار الوطني سيزيل عن كاهل الإنسان المواطن الكثير من الأعباء، فهذا هو المنطلق، أما إذا جلسوا هذا يمثل كتلة شيعية وهذا يمثل كتلة سنية، وهذا يمثل كتلة يسارية، وكل طرف يريد أن يقول إن رؤيته هي الصحيحة، فلن يتحقق التلاقي.
في ختام هذا المنتدى، أرغب في العودة الى ما قلته بشأن التجنيس، وأوضح بالقول إنني لست مع التجنيس العشوائي، وأنظر الى الموضوع بواقعية في الحقيقة من زاوية أن هناك قاعدة تشكلت في البلد من تركيبة اجتماعية وثقافية مختلطة، وربما تحول الأمر بالنسبة إليهم في المستقبل الى تشكيل تيار لهم، فلا يهمهم التيار الشيعي ولا التيار السنّي، إذا، بالفعل هي مشكلة وتعكس تركيبة الدولة ضمن كيان غير طبيعي يحمل متناقضاته.
بحسب علمي، فإنه في الولايات المتحدة الأميركية، لا يتم منح الجنسية لشخص إلا بعد أن يتقدم لامتحان بلغة البلد، وإذا قلنا إن بعض الناس عاشوا في البحرين لفترة تصل الى 30 عاما ولا يجيدون تحدث العربية، فما بالك بالولاء؟ وأعتقد أن الامتحان الحقيقي لممنوحي الجنسية من عرب وغير عرب، هو الولاء لهذا الوطن الذي ضمهم ووفّر لهم لقمة العيش.
العدد 2478 - الجمعة 19 يونيو 2009م الموافق 25 جمادى الآخرة 1430هـ