أكثر من مجرد «مغرد»، أكاديمي بحريني، يتذوق النصوص الدينية بنكهات تجديدية، عرفته «المنتديات» ثم مقالات الصحف قبل صفحات التواصل الاجتماعي باتساع الرؤية، وطول الرّوية، بهدوئه الطويل يناقش كثيراً، وتجد له في كل زاوية معرفة حاضرة.
مثقف لا يسعه فضاء تويتر، إنه المغرد نادر المتروك (almatrook94@) الذي يعرف نفسه على حسابه في «تويتر» بأنه «كاتب صحافي أخطائي كثيرة، والحماقات لا تفارقني، ولكنّي لم أرتكب كارثة واحدة كما يفعل من يخنقنا كلّ يوم».
«لأغراضٍ كثيرةٍ، تعمّدتُ أكثر من مرّةٍ الدّخول في حوارٍ مع المختلفين معي سياسيّاً عبر «تويتر»، الغرض «المهني» حاضرٌ في أكثرها، ولكنّي كنتُ أيضاً أرغب في فهْم عقلية الآخر، وطريقة تفكيره، وكيف يُنتِج خطابه ودفاعاته وأدّلته، نادِراً ما أقعُ على تجربةٍ ثريّة، للأسف الشّديد، وخصوصاً مع أصحاب المواقف «المُعلّبة»، التي ترى الأمور كلّها من منظورٍ أحاديّ، حدّي، ونهائي».
بهذا يلخص المتروك الذي له 9.274 تغريدة، ويتابع 792 مغردا، ويتابعه 10.998 مغرد في مدونة خاصة به أسباب لجوئه إلى إثارة أجواء الحوار في «تويتر».
لا يرى المتروك غضاضة في تبني الناس لمواقف مختلفة، الأهم في نظره الطريقة التي يدعون بها لأفكارهم: «ليست مشكلة أنْ يتخذ الإنسان مواقف معيّنة، ومهما كانت مغلقة أو عصيّةً على الدّفاع. السّؤال: كيف يدعو لهذه المواقف، وما الآليات التي يستخدمها في ذلك. الخلاصة المستعجلة هنا هو أنّه من القليل أن يحافظ الموالون، أو المعارضون للمعارضة في البحرين، على الحدّ الأدنى من اشتراطات الحوار المُنتِج».
وعن بداياته في عالم الكتابة والفكر الذي انطلق فيها من خلال المنتديات الإلكترونية وتحديداً من موقع «بحرين أونلاين» يشير المتروك الى انه «كانت الكتابة احتجاجاً على كلّ شيء. كانت بداية لتشكيل ذاتي المخلوطة بالحقيقة والخيال (Virtual). فيها، كانت قناعاتٌ تترسّخ، وأخرى تزول، كانت فرصة للاحتكاك بالذّوات الأخرى، ما نحبّ منها وما نكره. لاشكّ أنّ الفضْح، والتّعرية، وممارسة الإحراج «الوَقح»... مهامٌ «مركزيّة» للمواقع الإلكترونيّة».
ويذكر المتروك «الدّائرة المغلقة من الأصدقاء كانوا يعلمون «الاسم المستعار» الذي أكتبُ به وكان اسمي الحقيقي حاضراً أيضاً. سرعان ما أدركتُ أنّ الكتابة الإلكترونيّة يمكنها أن تفعل ما هو أكثر من إظهار الحَنق وإثارة الغبار وإحاطة المتلّقين بموجة التّشكيكات»، ومتابعاً «كنتُ أراهن، منذ البدء، أنّ المنتديات الإلكترونيّة يمكنها أن تؤثر في سيْر الواقع ومسيرته، ولكن من غير أن تتخلّى عن حجمها الافتراضي. السّؤال الجدلي كان تحديداً: هل يمكن الرّهان على التخيّلي قبال ما هو وقائعي ضاغط؟».
وفي إفاضات وجدانه عن المشرف العام لموقع «بحرين أونلاين» علي عبدالامام يعبر المتروك «أجج عبدالإمام بداخلي اللّجوء الاحتيالي. الاحتيال على الفشل، الاحتيال على المستحيل، الاحتيال على الفرضيّات القاتلة، لم يفعل ذلك بأسلوب «المعلِّم»، أو المشرف العام، بل بما كان يُشجّع على التّجربة الجديدة، والمحاولة المتكرّرة، والخروج السّريع، والدّخول الأسرع».
ويسهب «هو أبونا الرّوحي، وأدين له بتحوّلات جسورة أقدمتُ عليها، في الحقيقة، لم تكن كلّها ناجحة، أو تكلّلت بالإبهار، لكن الأمر كان يستحقّ، ولا مكان للنّدم».
وعندما بدأ الرئيس الأسبق لمركز البحرين لحقوق الإنسان عبدالهادي الخواجة إضرابه المفتوح عن الطعام في منتصف هذا العام، وقف المتروك في فضاء مدونته ليقول «عبقريّة الخواجة - في كلماتٍ - تكمن في معالجته الميدانيّة لمفاهيم حقوق الإنسان، وقدرته اللافتة على إعداد الخطط العمليّة، وعدم انبهاره، أو ارتعاشه، من اللّحظة القائمة»، ويضيف «سنضطرّ في أحيان كثيرة أنْ نتابعه بهدوء مليء بالدّهشة، والخوف، وكثيرٍ من المحبّة»، وخاتماً «عبدالهادي... اعتنِ بنفسك، لأجلنا».
المتروك، المثقف الذي حلل التحولات الفكرية لأحد المثقفين البارزين في البحرين، في مقاله «تحايل مثقف»، أسهم كثيراً في قراءة النصوص والتجارب الدينية بروح تجديدية لم تسلب منه أصالة التدين، يدافع عن نفسه، ويبرر غيابه عن ساحات أمثاله من المثقفين في البحرين، بالقول «ربّما بدافع الهَوس واضطراب الرؤية؛ شئتُ الابتعاد عن تماسات المثقفين في بلادي. لم أتحمّس الاقتراب من مؤسّساتهم، والعبور قرب مقاهيهم وحضوراتهم الماديّة، التغيّبُ عن المثقف كان - بالنسبة لي - فعلاً وليس ردّ فعل».
العدد 3696 - الجمعة 19 أكتوبر 2012م الموافق 03 ذي الحجة 1433هـ
الياس
ونعم المثقف الهادئ الواعي الداعي للحوار مهما اختلفت الأفكار و الرؤى هوالأستاذ نادر المتروك مربي الاجيال
دمت محروساً بعين الله