يعتبر الطبيب اليوناني (أبقراط) الذي عاش قبل الميلاد من أشهر أطباء العصر القديم لدرجة أنه يطلق عليه (أبو الطب) وهو صاحب القسم الطبي الشهير الملقب (بقسم أبقراط). يعتبر أبقراط أول من دعى لتدوين العلوم الطبية في كتب وذلك لمنع اندثارها، كما أنه حارب لتخليص الطب من الفلسفة والطقوس السحرية واعتمد على التجربة والبرهان وهو بالضبط ما يدعو إليه الطب الحديث. تشير المخطوطات القديمة إلى أن أبقراط أو أحد تلاميذه قد وضعوا قسماً يطلب من الأطباء والعاملين في المجال الطبي تلاوته قبل بدء ممارسة مهنة الطبابة، والهدف منه هو أن يعمل الطبيب بشرف وأمانة وأن يلتزم الجميع بمواثيق تحفظ حق المريض وكرامته. أما قسم (أبقراط) الطبي بنصه الأصلي المترجم عن اليونانية القديمة فهو:
أقسم بأبولو وأسكليبيوس وهيجيا وبانكيا وجميع الأرباب والربات وأشهدهم، بأني سأنفذ قدر قدرتي واجتهادي هذا القسم وهذا العهد. وأن أجعل ذلك الذي علَّمني هذا الفن في منزلة أبويّ، وأن أعيش حياتي مشاركًا إياه، وإذا صار في حاجة إلى المال أن أعطيه نصيباً من مالي، وأن أنظر بعين الاعتبار إلى ذريته تماماً كنظرتي إلى إخواني وأن أعلمهم هذا الفن ـ إذا رغبوا في تعلمه ـ دون مقابل، وأتعهد أن أعطي نصيباً من التعاليم الأخلاقية والتعليمات الشفهية وجميع أساليب التعليم الأخرى لأبنائي ولأبناء الذي علَّمني وللتلاميذ الذين قبلوا بالعهد وأخذوا على أنفسهم القسم طبقاً لقانون الطب، وليس لأي أحد آخر.
ولن أعطي عقاراً مميتاً لأي إنسان إذا سألني إياه، ولن أعطي اقتراحاً بهذا الشأن. وكذلك لن أعطي لامرأة دواءً مجهضاً. وسأحافظ على حياتي وفني بطهارتي وتقواي. ولن أستخدم الموسى حتى مع الذين يعانون من الحصوات داخل أجسامهم. وسأتراجع لمصلحة الرجال المشتغلين بهذا العمل.
وأياً كانت البيوت التي قد أزورها، فإنني سأدخل لنفع المريض، على أن أظل بعيداً عن جميع أعمال الظلم المتعمَّد، وجميع الإساءات وبخاصة العلاقات الجنسية سواء مع الإناث أو مع الذكور أحراراً كانوا أو عبيداً. وسأظل حريصاً على منع نفسي عن الكلام في الأمور المخجلة، التي قد أراها أو أسمعها أثناء فترة المعالجة وحتى بعيداً عن المعالجة فيما يتعلق بحياة الناس، والتي لا يجوز لأحد أن ينشرها. فإذا ما وفيت بهذا القسم ولم أحِدْ عنه، يحق لي حينئذٍ أن أهنأ بالحياة وبالفن الذي شَرُفت بالاشتهار به بين جميع الناس في جميع الأوقات؛ وإذا ما خالفت القسم وأقسمت كاذباً، فيجب أن يكون عكس هذا نصيبي وجزائي».
من خلال قراءة هذا القسم يمكننا أن نستنبط منه المبادئ الأخلاقية الطبية التالية، وهي ذاتها التي نتعلمها في كليات الطب الحديثة:
- الحرص على إتقان فنون الطب والإخلاص في تعلمها والإلمام بها.
- إجلال أساتذة الطب واحترامهم وتقديرهم.
- التعهد بنقل المعرفة والخبرة الطبية للجيل الجديد من طلبة الطب بكل صدق وأمانة.
- حفظ النفس البشرية والامتناع عن كل ما يؤذيها.
- الامتناع عن إسقاط الجنين باستعمال عقاقير أو غيرها.
- احترام العلاقة بين الطبيب والمريض والإحجام عن كل ما يمس بها من ظلم وأذى.
- حفظ سرية المريض وعدم إفشاء أي معلومات عنه أو عن حالته المرضية.
المتأمل لهذه المبادئ يجد أنها لا تختلف بأي حال من الأحوال عن الضوابط الأخلاقية المعاصرة. في عام 1794، أسس الطبيب الإنجليزي (توماس بيرسيفال) دستوراً للأخلاق الطبية، اعتمد فيما بعد من قبل الجمعية الطبية الأميركية (American Medical Association)، ويعتبر أول قانون يعتمد من قبل هيئة مهنية. وفي عام 1980 أصدرت الجمعية الطبية الأميركية «ميثاقاً» مكوناً من سبعة بنود أضيف إليها بندان آخران عام 2001، ما شكل الميثاق الطبي للجمعية ويتخلص فيما يلي:
- يلتزم الطبيب بتوفير الرعاية الطبية الشاملة بما يحفظ كرامة المريض وحقوقه.
- على الطبيب أن يلتزم بالمعايير الأخلاقية الطبية في العلاج وفي التعامل مع المرضى والزملاء، وأن يقوم بالإبلاغ عن أي خطأ طبي أو تصرف شائن لأي زميل للجهات المعنية.
- أن يكون الطبيب «ملمّاً» بالقوانين المتعلقة بممارسة الطب وأن يطوع القوانين بما فيه مصلحة المريض أولاً.
- على الطبيب أن يحترم حقوق مرضاه وزملائه، وأن يكون «أميناً» على أسرار المريض.
- أن يطلع الطبيب على كل ما هو جديد وحديث في مجال الطب، وأن يقوم بنشر المعلومات الطبية للمرضى والزملاء وطلبة الطب والعامة، وأن يعمل على الاستفادة من خبرات العاملين في المجال الصحي.
- للطبيب الحق - فيما عدا أثناء مباشرة الحالات الطارئة - في اختيار من يقوم بعلاجهم أو العمل معهم والمكان الذي يفضل العمل فيه.
- على الطبيب أن يساهم في الأنشطة المجتمعية التي تزيد من الثقافة والوعي الصحيين.
- أن تكون حقوق المريض ومصلحته في المقام الأول عند الطبيب.
- أن يحرص الطبيب على توفير الرعاية الطبية للجميع بدون تفرقة أو استثناء.
مما سبق يتبين لنا أن مبادئ الأخلاق الطبية جميعها نابعة من مصادر مختلفة لكنها تصب في مصب واحد ألا وهو حق النفس البشرية في الاختيار والخصوصية والكرامة والصحة، وأنه من واجب الطبيب وجميع العاملين في المجال الصحي أن يعملوا جاهدين لحفظ هذه الحقوق وصيانتها.
في المقال القادم سنتناول المزيد من المواثيق والتعهدات العالمية التي تناولت الأخلاق والضوابط الطبية.
إقرأ أيضا لـ "نهاد نبيل الشيراوي"العدد 3695 - الخميس 18 أكتوبر 2012م الموافق 02 ذي الحجة 1433هـ
الدكتوره العزيزه المحترمه
من المعلوم أن من أسس مهنة الطبيب هي معرفة القوانين المتعلقه بالمهنه وتبدأ بالقسم وما تليه من أمور أخرى وللأسف نرى بأن بعض الاطباء ولو كان القليل منهم لا يلتزم بهذه القوانين والمبادء وعليه تكون تجاوزات الاطباء محسوبه وملحوظه ومركز عليها وتكون بعين الاعتبار ويكون ملام في حال التقصير لأن ثقافة التمريض تنص اساساً على الالتزام بهذه القوانين المقدسه ولكن هذه الثقافه ليسة موجوده عند عامة الناس حيث يعمل الجميع على اساس أن الطبيب له حقوقه الخاصه ويجب توفيرها وحفظها وأحترامها وهنا تكمن أهمية هذا المقالِ