أحياناً يكون الإنسان حراً حين يكون خلف القضبان. حرٌ لأنه لم يَبِعْ ضميره، ولم يَتَخَلَّ عن إنسانيته، ولم يشِ بأحدٍ من زملائه، ولم يسِئْ لبشر.
أفراد الطاقم الطبي في معتقلهم كذلك؛ ولو نظر المرء لقضيتهم بعيداً عن الصراع السياسي والايديولوجي الذي نعاني منه في بلادنا، لتأكد من هذه الحقيقة التي آمن بها العالم الدولي حتى درجة اليقين. ففي كل يوم تطالعنا الصحف الأجنبية بمنظمةٍ أو جمعيةٍ أو مؤسسةٍ أو برلمانٍ أو مسئولين لهم ثقلهم في بلادهم يستنكرون الحكم الصادر بحق الطاقم الطبي البحريني وتنفيذ ذلك الحكم، وكان آخرها «جمعية الأطباء البريطانية».
هذه الجمعية تستنكر الحكم والاعتقال وتعبّر عن «صدمتها» تجاهه، وتقول إنها تعتقد بأن العاملين في القطاع الصحي لم يُستهدفوا لجرائم ارتكبوها إنما لأنهم عالجوا جرحى في الاحتجاجات، بينما تصدر «جمعية الأطباء البحرينية» التي يفترض أن تكون بمثابة النقابة العمالية للعاملين في القطاع الطبي في البحرين، بيانات وتصريحات تشير إلى «إجرام» أعضائها ثم تفصلهم «بإجماع» الأعضاء! علماً بأن كثيراً من الأطباء لم يُسْأَلوا عن رأيهم بهذا الفصل، ما جعلهم يصدرون بياناً – ولو أنه خلا من أسمائهم - يستنكرون هذا التصرف.
أعضاء الجمعية زملاء الطاقم الطبي ويعرفون أخلاقياتهم ومهنيتهم، وبعضهم تتلمذ على أيديهم باعتبارهم رؤساء أقسام واستشاريين ومدرّسين في كلية الطب، وعلى رغم كل هذا أصدروا أحكامهم عليهم قبل حكم القضاء حين لم يعبّروا عن استيائهم – كأقل تقدير - للمعاملة الوحشية التي تعرّض لها الطاقم الطبي في المعتقل، والتي أثبتها تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق ووثائق المحاكمة نفسها. ولم تصدر الجمعية حينها بياناً واحداً ولم تطالب بعودة المتهمين المبرّئين، بل سارعت في اتهامهم ومازالت تتهمهم بالتهم ذاتها التي برّأهم القضاء منها، كالتمييز في العلاج واحتجاز المرضى، كما جاء في آخر حوار لهم مع إحدى الصحف المحلية.
ولأن الطاقم الطبي مصرٌ على الاعتراف ببراءته، وإسقاط التهم عنه، باعتباره لم يقم إلا بواجبه المهني والإنساني، لجأ أمس للإضراب عن الطعام في سجن جو. وهو الحل الذي انتهجه الطاقم الطبي قبل الإفراج عنه في المرة الأولى وشاركه فيه بعض المعتقلين وبعض أبناء العاملين في القطاع الطبي كـ «محمد» ابن الطبيب غسان ضيف الذي كان يكتب يوميات الإضراب في حسابه على «تويتر».
زملاء الطاقم الطبي المعتقل لم يألوا جهداً في مواصلة الضغط للإفراج عن زملائهم، عن طريق الحملات التي ينظمونها على المواقع الاجتماعية تارةً، وعن طريق اتصالهم بالجهات الحقوقية والمهنية تارةً أخرى، فلعبوا الدور الذي كان يجب على الجمعية التي تمثلهم لعبه.
إن مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية والمهنية العالمية لم تتوقف عن إصدار البيانات استنكاراً لعدم إسقاط التهم وتنفيذ الأحكام، وبعض أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركي اعلنوا بوضوح تعاطفهم واستنكارهم، إذ أرسلوا مؤخراً رسالة للجهات الرسمية يطالبون فيها بإسقاط التهم عن الأطباء، وجاء فيها: «بناءً على محادثاتنا مع المتهمين أنفسهم، وكذلك عدد من المحققين المستقلين، فإننا نعتقد بأنه تم استهدافهم، ليس بسبب ممارستهم لأي نشاط إجرامي، وإنما لمشاركتهم في علاج الإصابات الناتجة عن استخدام قوات الأمن البحرينية للقوة المفرطة».
فهل سينتهي هذا الكابوس المزعج ويعود الأطباء مرفوعي الرأس بعد أن تسقط التهم عنهم جميعاً ويُفْرَج عنهم لبراءتهم كما تقتضي العدالة وليس باسم العفو؟
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3691 - الأحد 14 أكتوبر 2012م الموافق 28 ذي القعدة 1433هـ
امين
اللة يفرج عن المساجين كلهم ويرجعون الى اعمالهم تسلمين يابنتى سوسن
شكرلك
الله يعطيك الصحة والعافية علي قلمك النزية
مقال رائع كما عهدنا تضامنك الدائم مع الاطباء
لم يكتب احد من قبل اكثر مما كتبت يا استاذة سوسن .
كنت ومازلت مثال للصحفية الجادة التي تكتب عما تريد وعما يجب ان تكتب عنه بكل روعة واناقة وقوة وحرية .
دائما كنت حرة وما زلت
أما الاطباء فهم أساس الإنسانية في الوطن والجميع يعرف انهم ابرياء من التهم هذه .
الهوة والفجوة قد لا تكون مسألة ولا مشكلة
قد يكون أقرب الى أن بلا أخلاق ولا أدب لا يستقيم ولا يدوم حال الامم.
فالمسألة ليست مشكلة، فليس في الأعضاء ولا العضلات حتى ان اجتمعت مع العصب. فلا القوة تنفع والحيل تدفع عنها ما وصلت اليه من هوة وفجوة..
فهل اجتمعت المسائل والمشاكل وربطة وأصبحت ورطة؟ أم انها نقطة واحدة تقود للهاوية؟
لقد تعجب الاجانب مما يحصل
وانا اتعجب من بعض المحسوبين على هذا الوطن!
كنت مع احد الاجانب يوم حادثة الدوار وقد تعجب عندما رأى ما يحصل للاطباء والمسعفين وسيارات الاسعاف من منع من اسعاف وتطبيب الجرحى وقد شاركني الكلام متعجبا كيف يمنع ذلك وفي الحروب واجب القيام باسعاف جنود العدو واجب محتم ويحاسب من يجهز على جريح
ولكن ما حصل في البحرين كما يقول عادل امام عكس عكاس
من طبب واسعب الجرحى وهم مواطنون لا يحملون اي سلاح جرّم وحوكم
يا لله من خطب فظيع يقول هذا الاجنبي متعجبا كيف ذلك قلت لا تعجب فانت في البحرين
عجبي من سعة حلم الله فقط
ان سعة حلم الله وطول اناته هي ما يجعلني اتعجب كثيرا. سبحان الله على صبره على عباده وطول أناته فما حصل للاطباء شيء يخجل وينزل النقمة ولكن لله الامر
لأن الله قال وهل جزاء الاحسان الا الاحسان وفي كل العالم واجب انقاد حتى جنود العدو المحاربين اذا وقعوا في الاسر وهم جرحى يجب معالجتهم وتطبيبهم ولكن في البحرين والبحرين فقط مواطنون احتجوا فقمعوا وعندما اصيبوا وطببوا جرّم من طببهم واسعفهم وقد قال الله من احيا نفس فكأنما احيا الناس جميعا فكيف يكافأ من احيا الناس بهذه المكافأة حلم واسع يا رب
لا بد من العدالة .. والعدالة تقضي بإطلاق سراحهم
للأسف الشديد أن أطبائنا ومعلمينا وكوادرنا المهنية الأخرى أصبحوا رهائن سياسية في الواقع المتأزمن والذي يستعصي على الحل.. وشعب يقدر جهود الأطباء وغبرهم ممن سيصنعون الحل القادم بتضحياتهم الجليلة