العدد 3691 - الأحد 14 أكتوبر 2012م الموافق 28 ذي القعدة 1433هـ

دون كيشوت ومحاربة طواحين الهواء

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عندما كتب الروائي الإسباني سيرفانتس روايته الشهيرة «دون كيشوت» التي تعتبر من أهم الروايات في العالم وترجمت لعشرات اللغات وجرى تحويلها إلى مسرحية وفيلم بعدة تجليات... لم يكن يخطر بباله أنه بعد عدة قرون سيظهر في أرض دلمون عشرات من الدون كيشوتات، الذين يفتعلون يومياً معارك وهمية تشبه معارك دون كيشوت ضد طواحين الهواء.

فعلاً... إنها إحدى عجائب الدنيا في زمن العلم حيث اختفت العجائب، وأحدهم يفترض أنه مطّلعٌ على ما يجرى وراء الكواليس، شنّ هجوماً ضارياً أولاً ضد جامعة كارنيغي ميلون في قطر، لدعوتها المزعومة إلى حوارٍ بين أطراف الأزمة السياسية في البحرين، وهي الحكومة والمعارضة والموالاة، لتقوم الجامعة بنفي ذلك جملةً وتفصيلاً! ولتبين له أن الداعي للندوة هو فرع «معهد بروكنجز للأبحاث الاستراتيجية» في الدوحة، وهو أهم معهد للأبحاث في الولايات المتحدة الأميركية، وليتهم المعهد بأنه جزءٌ من مؤامرة أميركية لتشويه سمعة البحرين وضرب نظامها، ولم يبق سوى أن يقول انه جزءٌ من مؤامرة لإسقاط النظام.

وقد دشّن بذلك حملةً ضاريةً لم تتوقف حتى الآن ضد معهد بروكنجز شارك فيها العشرات، وتجاهل أن هناك فرعاً لمعهد مماثل هو «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية» في المرفأ المالي بالمنامة منذ أربع سنوات، ويحظى برعايةٍ رسميةٍ، وسبق أن استضاف السناتور الأميركي ليبرمان الموالي لـ «إسرائيل»، والذي لم يوفّر في محاضرته دولةً عربيةً من هجومه، ودعا للصلح الفوري بين العرب و «إسرائيل»، وليذهب الفلسطينيون إلى الجحيم.

لو كانت لدى هذا الرجل وعموم الموالاة حجةً، لقبلوا التحدي وذهبوا لمناظرة المعارضة، وخصوصاً أن الحكومة تملك جميع المفاتيح والمعلومات، وهي لا تنفك تكرر أن الحوار لم يتوقف أبداً، وأنها تدعم الحوار، وندوة «بروكنجز» إنما هي جولةٌ من الحوار. وقد سبق لممثلين عن المعارضة ومنهم الشيخ علي سلمان أن اجتمعوا مع رموز، كالشيخ عبداللطيف المحمود وذلك في ندوةٍ في قطر نظمها منتدى العلاقات العربية والدولية.

لقد لوحظ انضمام بعض المسئولين في الدولة إلى مجاميع المروجين في الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، وفي الجوامع والبرلمان والندوات والفضاء العام، للمشاركة في الهجمات الضارية التي لا تتوقف ضد المعارضة السياسية والحركة الحقوقية المستقلة ورجال الدين المناضلين والمثقفين الملتزمين بقضية شعبهم، بتصويرهم أنهم يشوّهون صورة الواقع الجميل حيث يعيش شعب البحرين في بحبوحةٍ ورغد من العيش والطمأنينة، والحريات بلا سقف، والديمقراطية بلا حدود، وذلك بسبب عقدة المظلومية المتأصلة في نفوسهم، أو عمالتهم التاريخية لدول أجنبية جارة أو بعيدة، أو أطماعهم في أن يكونوا مواطنين متساوين مع غيرهم في حين أنه تم المن عليهم بوضع الرعية!

هذه الحرب الضروس هي مثل معارك دون كيشوت مع طواحين الهواء، فليسوا هؤلاء هم الأعداء، بل مواطنون مخلصون وتنظيمات سياسية وطنية عريقة وجمعيات حقوقية تعمل على صيانة حقوق الإنسان ومنع تكرارها. وهؤلاء لم يساوموا على سيادة الوطن للآخرين، ولم يستعينوا بالغرباء على أبناء وطنهم، ولم يؤججوا النزاعات الطائفية ليمزّقوا النسيج الوطني، ولم يمدوا أيديهم إلى مالٍ عام.

القضية قضية شعبٍ واعٍ بحقوقه ومصمم على نيلها حتى ولو اختفت جميع الجمعيات السياسية والحقوقية وصمت السياسيون والحقوقيون ورجال الدين والخطباء والمثقفون.

أما الصنف الثالث من المعارك الوهمية فهي التي يشنها الدون كيشوتات ضد أية دولة أو منظمة أو شخصية تناصر قضايا الناس العادلة، أو تستنكر ما يجري بحقهم من تنكيل. يوصف هؤلاء بأنهم إما مخدوعون أو ناقصو معلومات وكأننا نعيش في المريخ، وكأن الثورة المعلوماتية لم تجتح العالم. والأكثر كاريكاتورية حين يوصفون بأنهم متآمرون مع الأضداد الثلاثة في الحلف الشيطاني أميركا وإسرائيل وإيران، ولا ندري متى أضحت أميركا عدواً لبلادنا المصنفة كحليف استراتيجي خارج الحلف الأطلسي؟ ولا ندري كيف أضحت سلوفينيا كأول دولة متداخلة في مجلس حقوق الإنسان عدواً لمملكة البحرين؟ مملكة البحرين التي يحلو للبعض التحدث عنها بأنها على رغم صغرها فقد تركت بصمات واضحة في المجتمع الدولي بفضل شبكة الصداقات الإقليمية والعربية والدولية.

لقد اكتشفنا أنه في ظلّ «جهل» المجتمع الدولي، لابد من إرسال سيل من الوفود الرسمية والموالية كل يوم لإيضاح الصورة وفضح دعاية المعارضة، ولا بأس من استضافة كل من هبّ ودبّ في فنادق النجوم المتلألئة، ليكتشفوا معالم سويسرا الخليج، ولا بأس من توظيف العشرات من مكاتب العلاقات العامة في القارات الخمس لتجميل الصورة الخارجية، وتقبيح صورة المعارضة والحركة الشعبية، ولا بأس من أن تدخل البحرين موسوعة جنيس للأرقام القياسية بحجم وفودها إلى جنيف أو بروكسل أو واشنطن، فنحن وإن كنا بلداً صغيراً، إلا أنه بلد عجيب.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3691 - الأحد 14 أكتوبر 2012م الموافق 28 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:00 م

      نتعلم منك

      استاذ انت مناضل و مثقف فكيف تريد من شرفاء ان يعرضو قضية وطنهم علي الاجنبي ...ان المعارضة لاصلاح الوطن و ليس لخرابه ...سؤال استاذ لك أغلب من يتراس هذة الجامعات و المعاهد صهاينة فهل تنتظر منهم خيراً ؟ .

    • زائر 3 | 1:13 ص

      طواحين الهواء وطواحين الحرية

      طواحين الهواء تحركها الريح كل ما زادت في سرعتها زادت سرعة الطواحين
      وطواحين الحرية تحركها الدماء والتضحيات والتي لا يعرفها الا الاحرار من البشر
      اما القابعين في ظل العبودية والفاقدين لأفضل شعور كرم الله به الانسان وفضله على سائر البشر فإنهم ليس لديهم الا نقد ما لا يستطيعون هم القيام به فهذا طبع البشر من يقصر عن شيء فإن يحاول ان يقلل ويقزم من يقوم به والحسد في بني البشر كثير واخوة يوسف اكبر دليل على ذلك فهم ابناء نبي ولكنهم حسدوا اخاهم على مكانته فكادوا له بضلالهم

    • زائر 2 | 12:58 ص

      ويش نبي بعد اصبحنا نحن شعب البحرين ضالون ومضلّون لاننا طالبنا بحقنا

      نحن شعب البحرين بين خيارين اما ان نقبل بالظلم والتهميش والعنصرية والاقصاء وإما نكون في نظرهم ضالون مضلون لأننا نطالب برفع الظلم عنا!!
      ونقول إن الله اوجب علينا ان لا نسكت عن هذا الظلم الواقع والا فإنه سوف يحاسبنا حساب عسير يوم القيامة على السكوت على بقاء الظلم
      ونحن بين ان نرضي الله او نرضي خلقه! فهل يعقل ان نهتم لرضى خلقه ونخسر آخرتنا؟
      كلا ليس هذا ما ربانا عليه الاسلام فليقضوا ما هم قاضين انما يقضون هذه الحياة الدنيا فلا طاعة لمخلوق في سخط الخالق

    • زائر 1 | 12:58 ص

      م .. مكينه وره!

      الفنان اليمني الكبير فيصل علوي يقول في إحدى أغنياته ,, يعيبوا على الناس والعيب فيهم،، ... فأنت في نظر الكثيرين أيضاً دون كيشوتاً معتقاً منذ سنة الطبعه!

اقرأ ايضاً