قبل دخولك إلى الأرض العربية توقّف، ستجد أن هنالك وباءً يدعى الحَرَس. ستجد أمامك حرّاساً على كل الحدود، وداخل كل الحدود، وبالقرب من كل الحدود. حدودها الجغرافية والنفسية والجسدية والخطية، لكنك لن تجدَ حارساً أمام الحدود الأخلاقية والإنسانية عند كثيرين أعطوا حرّاس أخلاقهم إجازةً رسمية.
عند الحدود العربية، ستُسْألُ عن «هويتك» التي لم تعد تعرف ما إذا كانت صفةً أم تهمةً أم وصمةَ عارٍ أم مبعثَ فخر...!
هل يكفي أن تقول: «سجّل أنا عربيّ؟!» وهل من المسموح لك في ظل هذه الكوارث أن تقول: «أنا عربي»، بعد أن أسقطت الأنظمة العربية معنى القومية؟ وبعد أن باتت القومية مجرد تهمةٍ أو وهم؟
هل كتبتُ «وهم»؟ نعم! ربما تكون كذلك! إذ قال لي أحد الأصدقاء ذات نقمٍ على الواقع العربي: الحياة وهم. لا حقيقة في الحياة. والدليل على ذلك لعبة الألوان والإضاءة، ولعبة الأحجام والمسافة!
وله أقول: ليست كل الحياة العربية وهماً، هناك في الحياة ما هو واقعٌ كالظلم وموت الضمير، كالمعتقل، كالدكتاتورية التي ترادف معنى عربي!
في البلدان العربية، ستجد من يحرس البلدان من أهلها، شرط أن يكون «مواطناً» جديداً؛ كي تشتدَّ يد بطشه، وينسى أن يتعاطف مع الشعب في أوقات الثورات والاحتجاجات، وستجد من يحرس الحلم من نفسه، ومن يحرس الليل من النوم.
في البلدان العربية، منفىً يسكن الحالمين بوطن العدالة، ولا فرق بين المنفى الداخليّ والخارجيّ فيها، ففي كل جسد تجدُ منفىً حين يشعر المرء بغربته في وطنه بعد أن استوطن الأغراب بلاده، وفتحت لهم أحضانها التي تخلت عنه.
حين تمر بالبلدان العربية، لابد أن تقدم رجلك اليسرى على اليمنى؛ لأنك ستمرّ بكثيرٍ من القلوب التي نسيت نبضها وتلبَّسَتْ معنى الحجر، وبكثيرٍ من الشوارع التي تحوَّلتْ لغرف تعذيب، وكثيرٍ من البيوت التي أحيلت إلى سجون قهرية، وكثيرٍ من المزابل التي تترفع عن النظر بداخلها بعد أن سكنتها تصريحات مسئولين لا يجيدون سوى ملء صفحات الصحف اليومية بالخراب والكذب.
هل كتبتُ «الصحف اليومية»؟ ماذا تعني الصحف اليومية الآن؟ في الرسميّ منها: هي المحاكم والقاضي والمحامي والجلاد والسيّاف والكاتب والحاجب، وهي أداة التلميع الرسمية لكل ما هو رسمي، وكأنها الإبنة اللاشرعية لأي نظام.
في البلدان العربية، لابد أن تُتَّهم حين تنتقد العرب بأنك أداةٌ ضمن أجندة خارجية تسعى لزعزعة الأمن العربي والإخلال بترابط الأمة ونسيجها الاجتماعي، ولكن ما إن تنتهك حق «طائفة» أو «مذهب» أو «قبيلة» أو «دين»، حتى يصفق لك الجميع ويدعون لك بالخير والنجاح لأنك لم تمسس الايديولوجيا التي ينتمون إليها وإنما انتقدت «العدو».
ماذا تبقى بعد كل هذا الدمار؟
ومضة:
«تحول مفهوم العروبة في المحيط السياسيّ العربيّ إلى سفينةٍ من أكبر سفن التاريخ. غير أنها سفينةٌ لا تحمل إلا التاريخ».
أدونيس
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3684 - الأحد 07 أكتوبر 2012م الموافق 21 ذي القعدة 1433هـ
البحرين
والله مقالكي رائع ولكن هذا هو الحاصل في الدول الذكتاتوريه والتي انظمتهاء تعيش على فرق تسد و أذا طالب الشعب بحقوقه المشورعه من الخالق قبل البشريه يتهم بانه مدفوع من الخارج وهذه شماعه المستبدين والخارجين عن حكم الله,ويردون حكم شعوبهم بنار والحديد
بلادنا نموذجا
مقال رائع جدا واخالك تقصدين بلادنا التي تحرس بلادنا منا بحراس اجانب . شكرا للمقال المتميز بمقدار الالم داخله والصدق