العدد 3682 - الجمعة 05 أكتوبر 2012م الموافق 19 ذي القعدة 1433هـ

إيران ما بعد الحرب مع العراق... وسورية ما بعد الحرب مع تركيا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انتصرت الثورة الإسلامية في إيران «رسميّاً» في الحادي عشر من شهر فبراير/ شباط من العام 1979. وبتاريخ الثاني والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول من العام 1980 قامت القوات العراقية، بأولى ضرباتها الجويَّة، مستهدفة مواقع في الداخل الإيراني، معلنة بداية حرب طاحنة، دامت ثمانية أعوام. الفاصل ما بين انتصار الثورة وبداية الحرب، هو 590 يومًا فقط، أي قرابة سنة وستة أشهر.

في تلك الفترة (590 يومًا) كانت إيران الثورة تموج في بحر من الخلافات السياسية بين رفقاء الثورة، مشفوعة بعمليات انتقام، وتصفيات جسدية، طالَت رموزاً أساسية في إيران، كآية الله مطهري، وكوادر عسكرية، شاركت في القتال ضد قوات الشاه. كما بدأت النزعات الانفصالية في الظهور، وتحديداً في مناطق كردستان إيران، وكذلك أذربيجان الغربية، المحاذية حينها للاتحاد السوفياتي.

وقد كان مسار الحدث ذاهبٌ بإيران وثورتها إلى المجهول، في ظلِّ عدم استقرار سياسي، إلى الحدَّ الذي بات فيه الإمام الخميني نفسه مُهدَّدًا. وكان الافتراق الحاد، الذي حصل ما بين قيادات اليسار، والجبهة القومية والليبراليين من جهة، والإمام الخميني والإسلاميين من جهة أخرى؛ قد أدى إلى بواكير حرب أهلية في وسط طهران، ومدن أخرى كيزد وإصفهان وتبريز، وكانت وتيرتها تتصاعد بقوة.

جاء هجوم الجيش العراقي على مواقع في الداخل الإيراني، وإعلان الطرفين الحرب ضد بعضهما ليُبدِّل مسار الأحداث بشكل حاد. فقد أنتَجَت الحرب مزاجًا قوميّاً، أطبَق على إيران من شرقها إلى غربها. وبات القتال الذي كان يشنه اليساريون وفي طليعتهم منظمة مجاهدي خلق، لا يحظى بشرعية في الداخل الإيراني، كونه في نظر الفرد الإيراني اصطفافاً غير مباشر مع الجيش العراقي، الذي كان يُنظَر إليه على أنه عدوان خارجي، ضد سيادة البلد، وسلامة أراضيه وحدوده.

وأمام توقُّد المزاج القومي لدى الإيرانيين، وإحراج القوى التي تقاتل حكومة الثورة في طهران، تمَّ ترحيل جميع المشاكل الداخلية، إلى أجلٍ غير مسمَّى. وبدأ الخطاب الطاغي على السياسة والاقتصاد والإعلام والمقاهي والشوارع وفي البيوت، هو كيف يشارك الإيراني في الدفاع عن الوطن. وأصبح المضي عكس سير ذلك المزاج، يعني الانتحار، وفقدان الشرعية بين الإيرانيين العاديين.

لذلك؛ فإنه وعقِب وقوع التفجير الكبير، في مقر الحزب الجمهوري في الثامن والعشرين من يونيو/ حزيران من العام 1981، ومقتل اثنين وسبعين من قيادات الثورة، أبرزهم رئيس محكمة التمييز محمد حسين بهشتي، خَرَجَت مظاهرات عارمة، اجتاحت شوارع طهران والمدن الأخرى، تندد بهذا العمل، وتهتف باسم حكومة الثورة. تكرَّر هذا الأمر، بعد تفجير مقر مجلس الوزراء، الذي راح ضحيته، كل من رئيس الجمهورية محمد علي رجائي، ورئيس وزرائه محمد جواد باهونار في الثلاثين من أغسطس/ آب من العام نفسه. كما تكرَّر لاحقًا عند كلِّ عمل مماثل، مع اتهام فاعليه بالخيانة.

وكانت تلك في حقيقة الأمر، فرصة تلقفها الإمام الخميني والحكم الجديد، ووظفوها، لتكريس الحكم الثوري، ومبدأ ولاية الفقيه، وتجميد أيّة نظرة سلبية إلى المشاكل الاقتصادية والسياسية القائمة.

هنا، أودُّ أن أتوقف قليلاً، لأقارب ذلك المشهد، مع ما يجري اليوم في سورية. فقبل أيام، أدَّت قذيفة سورية انطلقت باتجاه شمال شرق تركيا، إلى مقتل خمسة مدنيين، وستة جنود أتراك، مع إصابات متفرقة لآخرين. وقد ردَّت تركيا، عسكريّاً، بأن قامت بقصف قواعد للجيش السوري، انتقامًا لما حَدَث. كما أنها استنطقت برلمانها، وخاطبت حلف الناتو ومجلس الأمن للمساندة.

هذا الحدث على طرفَي الحدود، إن تطوَّر إلى حرب عسكرية مباشرة؛ فإنه قد يعني تكرار ما جرى في إيران بعد الثورة. فحرب تركية، مدعومة من الأطلسي والولايات المتحدة الأميركية، سيعني الكثير لنظام الأسد. وربما يكون ذلك التصعيد، طوق نجاة للنظام السوري، لكي يقوم بتعويض نزيف تأييد الداخل له، عبر تحمِيَة الروح الوطنية والقومية عند السوريين، لتنقلب الأمور، من ثورة شعبية، إلى استنفار شعبي، لمواجهة خطر خارجي، وبالتالي، يصبح حمل السلاح ضد حكومة دمشق، بمثابة الخيانة العظمى، وخصوصًا أن مَنْ يشن الهجوم ضد سورية هو نفسه الداعم للثوار، وبالتالي يصبح الأمر، كما السابق، ضرورة ترحيل المشكلات والتفرغ لحماية البلد، وأيضًا، فقدان المعارضة المسلحة شرعية القتال ضد الأسد. هذا الأمر غاية في الحساسية.

إن تركيا اليوم، ترتكب خطيئة كبيرة، إن هي دَخَلَت في حرب مع سورية. فهي أولاً، لن تستطيع أن تكسب هذه الحرب بشكل سريع (إن استطاعت أصلاً أن تكسبها) نظرًا إلى القدرات القتالية التي يمتلكها الجيش السوري، والغطاء الإقليمي (إيران) والدولي (روسيا والصين ودول لاتينية وإفريقية) اللذين تحظى بهما دمشق. كما أن تركيا تقاتل في أرض لاتزال تستحضر في خيالها إعدامات جمال باشا العثماني للسوريين في ساحة المرجة في دمشق مطلع مايو/ أيار من العام 1916، وقبلها في ساحة البرج في بيروت، وعموم الأخطاء العثمانية مطلع القرن العشرين في منطقة الشام.

إن الحرب التركية السورية، لن تعني سوى، تحوُّل الصراع في سورية، من صراع ثوري على شكل الحكم، إلى صراع على حماية الأرض والسيادة. هذا الأمر يجب أن يفهمه الجميع. وربما كانت تصريحات الجيش السوري الحر معبِّرة بعد الضربة التركية للداخل السوري، عندما قال إن الضربة التركية، لم تخلِّف قتلى بين المدنيين السوريين، وإن الذين تمَّ استهدافهم هم من قوات الجيش النظامي. بالتأكيد، حرب تركية ضد سورية، ستعني انتهاء الثورة السورية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3682 - الجمعة 05 أكتوبر 2012م الموافق 19 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 5:55 ص

      ثورة قطع الرؤؤس

      إي ثورة يقولون؟ جيش العهر يمثل خمسة بالمائة من السوريين و الباقي من المجرمين و الارهابيين من بقاع الارض كفاكم لعب بالثورات انها حرب على سوريا المقاومة

    • زائر 6 زائر 5 | 4:23 م

      نايم

      وين سوريا المقاومة يا زائر 5 طلعت هي من تحمي الكيان الصهيوني

    • زائر 4 | 5:38 ص

      لعبة خبيثة

      ما يجري هو لعبة خبيثة تم توظيف عقول الاعراب والمتصهينين فيها .. طرق القدس يكون عبر سوريا وايران يا عرب

    • زائر 2 | 1:11 ص

      222

      لقد بدأ الاعلام السوري الرسمي بتوظيف مجازر العثمانيين في بلاد الشام

    • زائر 1 | 10:29 م

      اختلف معاك

      الحرب التركية على نظام بشار وليس سوريا هي بداية لحرب عالمية 3 متوقعة بين
      تركيا مع دول الخليج والعرب من جهة وفيم من جهة اخرى
      ايران ولبنان والعراق وسوريا
      وفيم روسيا وامريكا والصين سيكتفون بدعم السلاح من اجل خسارة الجميع
      -----------
      تركيا ستتوقف عن الضرب والنظام السوري لن يكون غبيا ليحول الصراع لحرب الان بل سيتم انتظار الانتخابات الامريكية لتحديد مصير المنطقة برمتها
      اتوقع بالفترة القادمة خصوصا بعد الانتخابات الامريكية ان واصل اوباما بالحكم فأن الاسلحة ستصل للجيش الحر لينتصر باذن الله

اقرأ ايضاً