حيدر العلي، وزير البيئة في السنغال، متحدر من أصل لبناني. وقد عرف بنضاله البيئي العنيد، إذ عمل على مكافحة الصيد بالمتفجرات، وسعى إلى إقامة محميات بحرية، وأسس مركز «أوسيانيوم» الذي نجح في زرع 62 مليون شجرة منغروف على شواطئ البلاد، حتى بات يلقب «ضمير البيئة في السنغال». وهو رئيس اتحاد أحزاب الخضر في غرب أفريقيا، وهنا مقتطفات من الحوار معه.
الهجرة قاسم مشترك بين اللبنانيين والسنغاليين. ما هي الأسباب في رأيك، وكيف يمكن الحد من هجرة الطاقات البشرية؟
- أنا ابن مهاجر. لا يترك المرء بلداً يحلو فيه العيش، كما أن الانسان بطبعه محب لاكتشاف العالم. ان ما يدفع الشباب الى الهجرة هو غالباً عدم توفر الوظائف، وبالتالي عدم تلبية احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة. علينا العمل بكرم ومساواة أكبر وتقاسم الموارد بشكل عادل، لإعطائهم الفرص وإبقائهم في بلادهم. ومن الضروري أن يعرف الشباب مكانتهم في المجتمع، وأن يأخذوا هذه المكانة.
أزمة الطاقة مشكلة مشتركة أخرى بين السنغال ولبنان، نتيجة الاعتماد المكثف على الوقود المستورد وعدم كفاءة المحطات والشبكات وضعف الاستثمار في هذا القطاع. وهذا يتسبب في انقطاعات متكررة في التيار ويعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ماذا تتضمن خطة الكهرباء في السنغال؟
- أزمة الطاقة عالمية، خصوصاً في البلدان النامية. والحلول موجودة من خلال الطاقات المتجددة، الشمسية والرياحية وغيرها، غير أنها تتطلب إرادة سياسية قوية لتطبيقها. على المواطنين أيضاً التصرف بمسؤولية تجاه هذا الأمر، من خلال استهلاك الطاقة بشكل رشيد. سوف ينضم السنغال قريباً الى هذا النهج. فلدى الحكومة الجديدة خطة مبنية على خليط طاقوي يشمل، إلى المشتقات النفطية، الغاز الطبيعي والطاقة المائية وطاقة الشمس والرياح، فضلاً عن الربط الكهربائي الإقليمي. وأنا متأكد أن الحكومة اللبنانية ستأخذ خطوات حكيمة كهذه. إنها قضية حياة.
يصدمك الفقر في السنغال، حيث يعيش نحو نصف السكان على أقل من 1,25 دولار في اليوم. وقد جاءت في المرتبة 155 من أصل 187 بلداً في مؤشر التنمية الإنسانية لسنة 2011 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ما أسباب هذا الفقر، وماذا تتضمن استراتيجية الحد منه؟
- قد نختلف مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تعريف مؤشر التنمية الانسانية. الصياد عندنا يكون غنياً إذا عاد بصيد وفير، ويكون فقيراً إذا عاد خالي الوفاض. لسنا بلداً غنياً بالنفط والمعادن، لكننا أغنياء إذا عشنا بتوازن مع البيئة. والسنغال من البلدان ذات البيئة الغنية القابلة للاستثمار المستدام. لقد تسلمت حكومتنا إدارة البلاد قبل خمسة أشهر فقط، بعد نظام عبداللـه واد الذي دام 12 سنة وأدخل بلادنا في عجز مالي ضخم. وتسعى الحكومة الجديدة الى تحسين الأوضاع من خلال تخفيض كلفة المواد الغذائية الأساسية وتأمين الوظائف، بما فيها الوظائف الخضراء. في النهاية، لن نجد حلاً للفقر الا بالتخطيط المتوازن والتقاسم العادل للموارد.
في بلد يعاني هذه الدرجة من الفقر، كيف تُقنع الفقير بأهمية رعاية البيئة؟
- يرتبط الفقر في كل البلدان التي هي في طور النمو ارتباطاً وثيقاً بتوافر الموارد. ليس من السهل إقناع الفقير بأهمية رعاية البيئة وهو رازح تحت عبء الجوع وضغوط الحياة. غير أن إهمال الموضوع سيؤدي حتماً الى انعدام فرص البقاء مع اختفاء الموارد الطبيعية التي هي مصدر عيش المواطنين. الغنى الوحيد المتوفر لنا هو مواردنا، وعلينا استغلالها بشكل مستدام.
تشير دراسات إلى تأثر اقتصاد السنغال بتغير المناخ، خصوصاً قطاع الزراعة وتربية الماشية وقطاع صيد السمك. كيف يحدث ذلك، وما هي خطة المواجهة؟
- لقد ازداد معدل درجات الحرارة ونقصت معدلات الأمطار. وهذا يقصِّر فترة نمو المحاصيل ويؤدي إلى جفاف الأرض وتراجع الزراعة. كذلك تتأثر الثروة السمكية الحساسة لارتفاع حرارة المياه. الصيادون عندنا صاروا يعودون بصيد أقل ويضطرون إلى الإبحار مسافات أطول للوصول إلى أسراب السمك. ولكن لا ننسَ أيضاً أن قطع الأشجار بشكل عشوائي أدى إلى زوالها وإلى فقدان الغطاء النباتي الذي هو مصدر غذاء المواشي، وازدياد ملوحة الأرض. وأدى الصيد العشوائي والمكثّف الى اختفاء بعض أصناف السمك الكبيرة التي تتكاثر بطيئاً. لذلك علينا أن نتخذ القرار بإدارة مواردنا إدارة مسؤولة. فالاستمرار في هدر مواردنا هو ما يجعل بلداننا فقيرة، مع انعدام المساواة والعدالة الاجتماعية. وعلينا توعية المواطنين إلى أن بيئتنا مثل شجرة مثمرة، وعلينا أن نأكل الثمار من دون أن نقتل الشجرة.
زرتُ مدينة روفيسك قبل أشهر، حيث زحف المحيط على المدينة بعد استخراج رمل الشاطئ واستعماله لأغراض البناء. ما التدابير المتخذة لإصلاح الوضع، وكيف يمكن الاستفادة من هذا الدرس السنغالي في لبنان والمنطقة العربية عموماً؟
- ان استخراج رمل الشاطىء واستعماله لأغراض البناء، بالاضافة الى التغير المناخي، أفقد السنغال بعض شواطئها. نحن نتصدى لهذه المشكلة حالياً بوضع صخور وسدود على السواحل للحد من تأثير التيارات البحرية. كما نجرب حلولاً جديدة مثل زرع شباك على الشاطئ لمنع الرواسب من الانجرار مع الموج. لا نملك بعد نتائج واضحة حول نجاح هذه التجربة، لكننا نأمل أن تساهم بالتخفيف من حدة المشكلة. أما في لبنان، فان طبيعة الشواطئ الصخرية والعالية غالباً تقاوم عوامل التعرية الناتجة عن التيارات البحرية، مقارنة مع الشواطئ الرملية والمنخفضة في السنغال.
كنتَ مناضلاً بيئياً ورئيساً لحزب الخضر قبل أن تصبح وزيراً للبيئة. هل تستطيع تطبيق أحلام المناضل وأنت في مقعد الوزير؟
- الاهتمام بالبيئة دعوة، وإيمان، وشغف علينا نقله إلى الآخرين. من خلال مركز Oceanium الذي أسسته عام 1985، استطعنا تشجير 62 مليون شجرة منغروف على شواطئ السنغال لحمياتها من الانجراف ولتعزيز الثروة السمكية. ولقد تمكنا من إقناع 428 قرية بحرية بتشجير المنغروف، ويساهم نحو 110 آلاف مواطن في هذه الحملة المستمرة. كذلك يعمل مركز «أوسيانيوم» على إنشاء محميات بحرية ومكافحة إحراق الغابات ونشر التوعية البيئية.
الآن عندنا القدرة السياسية لتحقيق هذه الأهداف على الصعيد الوطني. نضالي اليوم يهدف الى وضع البيئة في صلب نظامنا الاقتصادي واهتماماتنا الاجتماعية ونظمنا السياسية. لا يستطيع إنسان وحده تحقيق هذا الهدف، المهم وضع الأسس للآخرين لكـي يتمكنوا من السير في هذا النهج. يمتد هذا العمل أجيالاً، ويتطلب كفاحات طويلة الأمد. وآمل أن يأخذ الناس موضوع البيئة على محمل الجد وينتقلوا الى مرحلة العمل التطبيقي.
تعتبر وزارة البيئة «ثانوية» في لبنان. كيف حالها في السنغال؟
- تشكل موازنة وزارة البيئة في السنغال 0,83 في المئة من الموازنة العامة، أي أقل من واحد في المئة، غير أنها لم تكن موجودة قبل عشر سنين. لذلك علينا، من خلال النتائج التي نحققها، أن نؤكد أهميتها وندعم تحولها الى وزارة قوية. أنا لا أؤمن بوجود وزارات أساسية وثانوية، بل هناك رجالات ذوو رؤية وعزم وإيمان يصنعون أعمالاً كبيرة. وأنا واثق بأن وزيراً من هذا النوع سيناضل لوضع البيئة في المكانة التي تستحقها في الحكومة.
العدد 3681 - الخميس 04 أكتوبر 2012م الموافق 18 ذي القعدة 1433هـ