في لقاءات تربوية كثيرة جمعتنا مع تربويين بمختلف تخصصاتهم المهنية، رأيناهم يقولون من خلال أحاديثهم الواعية المتزنة، إنهم أكثر وعياً بالأبعاد التربوية والتعليمية والوطنية والحقوقية والقانونية والمهنية والإنسانية والنفسية والاجتماعية والثقافية من الكثيرين في وزارة التربية والتعليم، ورأيناهم يتحدثون بكل ثقة واقتدار وبموضوعية فائقة وعقلانية راجحة عن التعليم الحقيقي المنتج بكل تفاصيله وحيثياته، ويقولون إن التعليم إذا ما أبعد عن جميع المسميات والعناوين الطائفية والعرقية والعنصرية التي تساهم جميعها في إعاقة مسيرته في مختلف مفاصله وتوقيف عجلة تطويره، وتمنعه عن تحقيق الجودة الحقيقية التي يطمح الوصول إليها الوطن إلى أعلى مراتبها.
لم يكونوا يتحدثون عن مشاكلهم وقضاياهم والانتهاكات المهنية والحقوقية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تفننت وزارة التربية في ممارستها ضدهم، بقدر ما كانوا يتحدثون عن انعكاسات تلك الانتهاكات الكثيرة على العملية التعليمية، في رأيهم أن التربوي والتعليمي قضيتان متلازمتان، ويعتقدون أن من يحاول فصلهما، كأنه يفصل الروح عن الجسد، وأن الانتهاكات التي طالت الغالبية من التربويين في مختلف المدارس والجامعات، وفي الكثير من الساحات والمساحات التربوية في البلاد، وحدها تكفي لذبح التعليم من الوريد إلى الوريد، وإرجاعه إلى الوراء عشرات السنين.
عندما يناقشون انتهاك حقوق المئات منهم بالفصل أو التوقيف عن العمل والاستقطاعات المصاحبة لهما، وعندما يتحدثون عن حرمان المئات منهم من الترقيات والمكافآت والحوافز، وامتناع الوزارة عن تسليم رواتب عدد منهم لمدة تزيد على 18 شهراً، وعندما يتكلمون عن تحويل جلهم إلى لجان التحقيق واللجان التأديبية، لا يفصلونها أبداً عن قضية التعليم، ويعتبرون أن كل ما أصابهم من الأذى النفسي والمعنوي والمادي والمهني هو انتهاك مباشر لحرمة التعليم.
لأنهم يعلمون علماً يقينياً أن التربوي الذي يمثل الركيزة الأساسية في العملية التعليمية، إذا ما تخلخلت أو ضعفت أو سقطت هذه الركيزة، سيكون الخاسر الأول والأخير هو التعليم، هذه حقيقة عالمية لا تقبل من أحد أن يفلسفها أو يتفلسف عليها. يعني ذلك أن إيذاء التربويين إيذاء مباشر للتعليم، فالإنسان الواعي الذي يدرك القيمة التربوية والإنسانية والوطنية للتربويين لا يتجرأ على مس مقامهم المقدس ولو بكلمة جارحة أو نابية، ناهيك عن شتمه وسبه والتقليل من قدره الذي كتبه الله له.
العقلاء يقولون إن أي إنسان يستخف بمقام التربوي، سواء أكان ذلك التربوي اختصاصياً تربوياً أو إدارياً أو معلماً أو مرشداً اجتماعياً أو مشرفاً إدارياً، فإنه يستخف بعقله الذي لا يقدر مكانة من لهم الفضل الكبير في تنمية وتطوير الوطن، علمياً وثقافياً وإنسانياً وأخلاقياً وفنياً ورياضياً، فهم قلب هذا الوطن النابض بالحياة. لا يوجد إنسان في هذا العالم الفسيح يدعي الوعي والإدراك والتعقل، وهو في الوقت نفسه يسمح لنفسه القفز على كل الواضحات من الأخلاقيات الإنسانية، والإساءة للتربويين، على رغم علمه أن تكريم التربوي وتقديره لأبعاده الإنسانية والحقوقية والمهنية، يدل دلالة واضحة على رقي المكرم بكل المقاييس.
في عالمنا الإنساني المتقدم يمكنك التعرف على المستوى الأخلاقي والثقافي لدى أي إنسان من خلال تعامله مع هذه الفئة الرائدة، فهو المؤشر الحقيقي إلى علو أو هبوط مستواه الأخلاقي والإنساني، فالتربوي يجزم أن وزارة التربية والتعليم قد بالغت كثيراً في انتهاك حقوقه، ويجزم أيضاً ألا يستطيع أحد ممن انتهكوا الحقوق يتباهى بانتهاكاته أمام العالم، ولا أحد من الذين ينتمون إلى لجان التحقيق الوزارية، يستطيع الخروج على الوسائل الإعلامية المقروءة أو المسموعة أو المرئية ليمتدح فعلته الخاطئة، وهو في داخله يعلم أن ما قام به ما هو إلا انتقام وكراهية وحقد وتشفٍ بهذه الشريحة المتميزة، ويعلم أن أهدافه غير إنسانية وأنها تسير في الاتجاه المعاكس للطموحات الوطنية والإنسانية، ويعلم أنه يخالف القرآن الكريم والسنة الشريفة، ويعلم أنه يتجاوز بشدة ميثاق العمل الوطني والدستور والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، ويعلم أنه ينتهك المواثيق الدولية التي وقعت عليها مملكة البحرين، ويعلم أنه يعبد ذاته ويتبع هواه، ويعلم أن هرولته خلف هواه واستسلامه للمؤثرات النفسية الحاقدة ستأخذه إلى زوايا بعيدة جداً عن الوطن، ويعلم أن تعمده الإضرار بالتربويين ستكون له انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والمعنوية والمهنية وعلى التلاحم الوطني. ويعلم أنه ينفذ أجندات طائفية بغيضة بعيداً عن المبادئ الحقيقية للدولة، ويعلم أنه بفعله الطائفي يقصم ظهر الوطن ويدمر أركانه، ويعلم أنه يعمل لتحقيق مصالحه على حساب مصالح الوطن العليا. ويعلم أن انتهاكه لحقوق التربويين وتعمد الاستخفاف بهم والانتقاص من مكانتهم والتلاعب بمشاعرهم الإنسانية والمذهبية والوطنية يؤلم قلوب العقلاء والمخلصين لهذا الوطن، ويعلم أن نعوتهم بنعوت ما أنزل بها من سلطان باطلة، ويعلم أنه يثيب ويعاقب من يشاء خارج القانون.
على رغم علمه بكل ما سلف مازال يصر على انتهاك حقوق الذين يعشقون وطنهم ويفدونه بأرواحهم الخيرة، بكل الوسائل المتاحة له وغير المتاحة، ويحاول إقناع نفسه بصواب أفعاله وممارساته الخاطئة من خلال تجميلها في عينه، وتقبيح كل جميل وحسن يصدر من الآخرين الذين يختلفون معه في الرؤى السياسية أو المذهبية، وهو يعلم أن هؤلاء جميعاً منذ أن وقع عليهم الانتهاك بكل صنوفه ومستوياته المختلفة ينتظرون إنصافهم مهنياً ومادياً ورد الاعتبار لهم الذي خدش بشدة، ومحاسبة كل من أساء إليهم بالقول أو الفعل أو بالوشاية أو البهتان أو الافتراء أو بشهادة الزور، ويعلم أنهم على يقين لا يداخله الشك أن الله سينصفهم في الدنيا قبل الآخرة، ويعلم أنهم في كل صباح ومساء يبثون شكواهم إلى ربهم القادر القهار، ويرددون بقلوب خاشعة له، حسبنا الله ونعم الوكيل.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 3680 - الأربعاء 03 أكتوبر 2012م الموافق 17 ذي القعدة 1433هـ