ليسوا مجرد أرواحٍ ترتفع، هم النور الذي يرسم طريق الحرية لأي أرضٍ تبحث عن مرسىً للمستقبل، ودربهم النهج الذي تخطّه دماؤهم للوصول إلى تحقيق أماني الشعوب.
الشهداء علامات النور حين يتعالى زمهرير الظلم، وهم الصوت النابض بالأمل. من أرواحهم تُخَط الملاحم، وبقطرات دمائهم تُرْسَم لوحات الحق شاهقةً بالضوء.
للشهداء في كل حراكٍ شعبيٍّ على مرِّ العصور وفي كل الأقطار محطاتٌ تَسْدُل مع كل واحدٍ منهم ستائر مرحلةٍ من دمار، فحين يسقط الشهيد الأول يكون شاهداً على حقيقةٍ كانت مغيبةً في بلدٍ ما، بين أسوارها وخلف بحارها، وما ان يليه آخر حتى تتكشّف الأوراق الزائفة للأوضاع السياسية التي يريدون منا تصديق ألحانها المهترئة، وحين تتوالى الأرواح التي تُزْهَق، يعلو الصراخ وتكبر القضية فيبزغ الفجر مع آخر شهيدٍ في فترةٍ ما.
***
في كل أسرةٍ تنتظر أحد أبنائها أن ينهض من تراب غطى جسده، بعد أن ارتفعت روحه غدراً، شرارةُ غضبٍ مكتنزة في نفوس أفرادها، وشرارةُ فخرٍ لا يكلّ ولا يخبو. أسَرٌ آثرت أن تزف أبناءها لمثواهم الأخير بزغاريد الفرح لا الحزن، كي لا يشعر بانكسار أهله وهو في آخر لحظاته فوق الأرض، وليذهب إلى جنانه سعيداً حاملاً معه صوت أهازيج أمه وأغاني أخته وضحكة أبيه، وما إن يُوارى الثرى حتى تكتنز نفوس ذويه وأحبته بالحزن الدامي والشوق والحنين لضحكة من عينيه، وابتسامة من قلبه طالما كانت شفاءً لأسقام محبيه.
***
الشهداء تاريخٌ لا ينسى، وحاضرٌ لا يخبو، ارتفاع أرواحهم ليس محض صدفةٍ ولا نتيجةً للحظة قمعٍ هنا أو غدرٍ هناك، بل هم أصفياء الله يختارهم كي يزينوا الجنة بعبق وجودهم، ويكونوا مدائن لفرح أهاليهم، وشواهد على مقابر كل ظلم واستبداد.
هم صوت الحق، وصرخة الضمير، هم الوقود كلما حاول ذووهم أن يستسلموا ليأسٍ ويفكّوا حصارهم للظلم. تسقط أجسادهم لترتفع رايات أوطانهم عالياً، أوطانهم ولا أراضٍ غيرها.
***
لأمهات الشهداء حضورٌ مختلفٌ في الحزن، حضورٌ فريدٌ في الفقد، حضورٌ يتوسم عودة أحبائهم مع أولى بشائر الفجر وأولى خطوات تحقيق ما كانوا ينتظرون.
أمهات الشهداء لبؤاتٌ يرتبن بيوتهن استعداداً لفرحٍ مؤجلٍ يُكْتَب فيه أسماء أبنائهن ببريق الإرادة، وعنفوان الاعتزاز.
ولنبض أمهات الشهداء موسيقى نشيد وطني لا يعرف لحنه إلا من فقه معنى الوطنية.
أمهات الشهداء قلوبٌ من نارٍ وثلج، من ألمٍ وفرح. إذ كيف يكون شعور من رحل عنه حبيبٌ وهو يعلم أنه رحل إلى حيث الفرح والخلود؟
***
ومضة:
رحم الله شهداء الحرية أينما كانوا وأنى قتلوا وحيثما دفنوا، ورحم الله شهداء الربيع العربي جميعاً إذ يوقظون الضمائر حين تنسى الانسانية.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3677 - الأحد 30 سبتمبر 2012م الموافق 14 ذي القعدة 1433هـ
النصر من عند الله لا من عند الناس.
الشاهد و المشهود ومن قال أن الشهداء ليسوا بشهود؟ أم أنهم قتلوا في سبيل الشيطان بلا علم وبلا احسان؟
أو أن الاعتداء على من كرم الله ليس اعتداء على الخالق؟
أم الخالق يحب المعتدين على خلقه؟
متهم ب ا ل ط آ ف ي ة
تساؤلات بريئة..
كيف يكون معظمهم شهداء وهم خارجون على ولاة أمرهم؟!
وان كانوا فعلا شهداء فمكانهم الجنة، فكيف يكونون بالجنة مع قاتليهم؟!
وان كان قاتيلهم بالنار فكيف يكون ولاة امرهم بالنار؟!
متى يستفيق القوم من سكرة جزاءها عسير للأبد؟!
رحمهم الله وصبر اهاليهم
شكرا لك سوسنة الماء على هذا المقال بالفعل الشهداء هم نورنا وطريقهم طريقنا . هكذا انت دائما مع الحق . ننتظر منك غدا مقال عن احكام الطاقم الطبي فتغريداتك اليوم جميلة حول هذا الموضوع وجريئة.
ربي تقبل قرابيننا
"وما إن يُوارى الثرى حتى تكتنز نفوس ذويه وأحبته بالحزن الدامي والشوق والحنين لضحكة من عينيه، وابتسامة من قلبه طالما كانت شفاءً لأسقام محبيه" نعم حبيبتي حزن مقيم ، فصبر جميل .
سوسنه
مقال اكثر من رائع استاذة سوسنه سلمت اناملك
فليرحمهم الله برحمته الواسعة .. ويدخلهم فسيح جناته
ويصبر أهاليهم على مصابهم الجلل .. وهذا أقل ما نستطيع قوله فيهم
من أروع مراثي الحسين ابن علي (ع) لنفسه حين قتل أحبابه وأصحابة بكربلاء
بالأمس كانوا معي و اليوم قد رحلوا,, وخلفوا في سويد القلب نيرانا
جميل
مقال اكثر من رائع استاذة سوسن سلمت اناملك