في مقالنا السابق (المنشور يوم الخميس الماضي)، خلصنا إلى القول بما انتهت إليه الأمور من محاصصة سياسية الغلبة فيها للحكم، مع التضييق على قوى الشعب والحركة الوطنية، واستمرار سياسة التفرقة والتمييز بشكل سافر في الفصل من الأعمال والاعتقالات واستخدام الإعلام الرسمي لتخوين طائفة ومن نَهَجَ معها من الطائفة الأخرى في المطالبات التي رفعت إبان أحداث 14 فبراير/شباط 2011، وما تلاها من إطلاق العنان لكل مختال في السبّ والشتم، مع تسلط الخيار الأمني وسياسة الإفلات من العقاب، لنعود بعد عشر سنوات أخرى إلى المعزوفة القديمة، بأن الشعب غير جاهز وغير كفؤ لممارسة الديمقراطية.
وسقنا هاتيك المقدمة لنصل إلى القول إن وثيقة المنامة ومبادئ مبادرة ولي العهد، هما الوثيقتان الوحيدتان المطروحتان على الساحة البحرينية، ومبتغاهما الاستقرار السياسي، ولم تطرح الأطراف الأخرى أيّ تصور شامل من وجهة نظرها حلاً للأزمة، سوى معارضة الحكم الاستجابة لتلك الوثيقتين وأصحابها.
إن لِبابِ الديمقراطية مفتاحاً، يفتح الباب على مصراعيه لحقوق وواجبات جميع الأطراف من العائلة الحاكمة والمعارضة الشعبية ومعارضة المعارضة، ليتبوأ كلٌ منها مكانه الطبيعي على خارطة الوطن السياسية. هذا المفتاح هو الصوت الانتخابي الواحد لكل مواطن.
وحين نتحدث عن هذا المفتاح فإننا نضعه حجر الأساس لحقبةٍ جديدةٍ للتآلف والتكامل من بعد حقب التوتر السياسي، فهو حجر أساس لبرلمان يمثل الحق الشعبي في التشريع والرقابة، الأمران اللذان غابا عن اهتمامات المجالس التشريعية حتى الآن، عدا نواب المعارضة الأقلية في البرلمان؛ وحجر أساس للصوت القضائي في نزاهته واستقلاله؛ وحجر أساس لدستور عقدي فيه واقع مُمارَس يترجم مقولة «إن الشعب مصدر السلطات»، ويحمي الديمقراطية وأدواتها القانونية والحقوقية في الحرية والعدالة والمساواة، وفي الفصل المُمارَس واقعاً بين السلطات، لتكون السلطة التنفيذية في موقعها الخادم للشعب، ومُحاسَبَة من قبله عبر نوابه، دون أدنى تفرقة بين المواطنين، لا بمعيار الأصل ولا الطائفة ولا الدين ولا الجنس. فالوطن واحد يحتضن جميع المواطنين، بالتمتع بالثروات تساوياً، لا تَفرُق بينهم إلا الكفاءة والتخصص، فهم جميعاً بُناة الوطن كلاً في موقع عمله.
فالصوت الانتخابي لكل مواطن على كامل مساحة الوطن، دائرة انتخابية واحدة، لبرلمان كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية، يكون مجلس الشورى للمشورة، لما يغفل عنه النواب حول منافع ومضار التجمعات المهنية والثقافية والعلمية والدينية والنشاطية وما شابه من تفرعات اجتماعية، وبشرط أن يكون الشعب صاحب الحق في سحب ثقته من النائب الفاسد أو ناكث عهوده، مثل ما لنواب الشعب الحق في سحب الثقة من وزير أو رئيس وزراء أو كامل أفراد الحكومة. فهكذا نظامٌ انتخابي، لن يسمح لدخول نائب بالتزكية، ولا بعدة أصوات لهذا مقابل عدة مئات من الآلاف من الأصوات لذاك من أصل ما يقارب 750 ألف مواطن، ولن يسمح بنصرة الطائفة أو الدين أو دعم الحكومة، فكل المترشحين يحتاجون أن يحترموا جميع المواطنين دون مفاضلة، ويحتاجون أن يحترمهم الجميع، ولن يتمكن أي مرشح من رشوة أفراد الشعب، ولا أن يستغفلهم بوعود براقة ليمزق أوراقه بعد انتخابه. وسيكون النائب بحق نائباً للشعب لا بعضه ولا أهل منطقته.
وسيكون سهلاً على النواب سنّ التشريعات لتجريم السب والشتم والتطاول والتوصيف والتخوين لأي من الأديان والطوائف والمؤسسات والأفراد، وسيكون من مصلحة القوى السياسية والعائلة الحاكمة والمعارضة والموالاة ومعارضة المعارضة، أن يكون الشعب خابراً بحقوقه وواجباته السياسية والتشريعية والخدمية والحقوقية، وسيعاجل الجميع بتحقيق ذلك، وسيؤمن أفراد الشعب بالمساواة في الحقوق والواجبات، وسيطمئنون لمستقبلهم ومستقبل الوطن، وسيتفرغ النواب للتشريع للوطن، على عكس ما هم عليه الآن «نواب خدمات لمناطقهم»، وستضمحل وتخبو وتموت سريعاً من تلقاء ذاتها من دون مشاريع واهمة على طريقة «وِحدِة وَحدِة» للعب الأطفال، كل مظاهر الطائفية وتفرعاتها، وتسود الوحدة الوطنية بمعيار المواطنة المتساوية، ولا يخشى التجار على تجارتهم، ولا الناس على أعراضهم وممتلكاتهم وأرواحهم، وتسود العدالة الاجتماعية، ويزدهر الاقتصاد، ويزيد دخل الفرد، وتتكفل الدولة بضمان كفالة العاطلين مؤقتاً براتبهم كاملاً في حده الأدنى، حيث لا مجال للتعطل، وكذلك كفالة الأيتام والعجزة لعيش كريم بلا نزاع وزارة التنمية الاجتماعية حول صرف مبلغ 50 ديناراً، لا يسد رمقاً ولا يسمن من جوع.
ويكون التعليم حقاً عاماً لجميع المواطنين تساوياً، فلا مصلحة لأي كان أن يَبُر ذا ببعثة دراسية ويحرم آخر، فمعيار البعثات التنافسية العلمية والكفاءة لخدمة المجتمع بعد التخرج، وحسب حاجة الوطن للتخصصات.
ولا تعود هناك حاجة للتجنيس إلا سداً لنواقص مجتمعية راقية ونادرة يحتاجها المجتمع لرقيه، لا لإكثار عدد، وعبر قانون تجنيس يضع معاييره النواب، يأخذ في الاعتبار مَن خدم وتفاعل في المجتمع سنين طوال.
بعدها لا يَفرُق أن كانت الحكومة منتخبة أو معينة، ولا يُخشى من فسادها واستئثارها بالمال العام، ولا خوف من رئيس هيئة حكومية أو شبه حكومية تقدم خدمات للمواطنين، طالما رئيسها كما هو الوزير محاسَبٌ أمام البرلمان، ومحال إلى القضاء، بشخصه كمواطن وبمبدأ عدم الإفلات من العقاب. وسيحرص الجهاز الإعلامي الرسمي على أداء مهامه الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة بما يرضي المواطنين، ولا يمجد في المسئولين تملقاً، وسيكون مفتوحاً حراً لجميع المواطنين وقواهم السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية، ويكون منبراً للرأي الحر الصادق المسند بالمعلومة الحقيقية وصحيحة المصدر، وستختفي الجرائد الصفراء وتعوي ذئابها في الخلاء، طالما كتّابها ومسئولوها مراقَبون هم أيضاً من البرلمان، ومُقاضون أمام القضاء ومحكومون بقانون الصحافة، من باب خدماتهم للمواطنين، وكونهم السلطة الرابعة المستقلة كما هي السلطة التنفيذية. والجهاز القضائي ينطبق عليه ما ينطبق على البرلمان من صوت انتخابي لكل قاض مندرج في سلك القضاء، وتتشكل هيئاته الرئاسية بالانتخاب الحر المباشر فيما بين القضاة بمعيار درجات عليا في القضاء والقانون والنزاهة. فلا يأتي أصغر القضاة وحديثهم في السلك ليترشح لرئاسة هيئة القضاء، ويكون القضاء مستقلاً لا رقابة عليه إلا ضميره القضائي المستمد من أعضاء سلكه، ومستقلاً في ميزانيته وتصريفها، ويتوجب أن يكون في سلكه أيضاً قضاة ماليون وإداريون بجانب القضاة الحقوقيين والشرعيين، ولهم أن يُنشئوا محاكم خاصة داخلية لرأب أي ميل إلى النزع الإنساني المنافي للضمير القضائي.
أما رجال الدين خارج القضاء الشرعي، فيتوجب أن تكون لهم هيئاتهم الدينية، كل بدينه ومذهبه في تعددها، وتراقيهم في الفتوى الشرعية لتناط بهم إدارة المساجد وتعيين الخطباء والمؤذنين وإمامة الصلاة، ولهم في إدارة الأموال ما تُخَصص للمساجد والأتعاب الشرعية لأفرادهم. أما أموال الزكاة والتبرعات الخيرية عدا ما يرتبط بمهامهم في إدارة المساجد وأتعابهم الشرعية، والتي يتوجب أن تعود بالنفع تكافلاً على المحتاجين من المواطنين إنسانياً دون تفرقة في الدين والمذهب فتؤسس لها هيئة الزكاة وأعمال الخير وسد الحاجة، يشرف عليها ويديرها مندوبون من الهيئات الدينية كلٌّ بمذهبه، وتخضع لرقابة ومحاسبة البرلمان وتقاضى أمام القضاء.
وفي تقديري أن لرجال الدين الجانب الديني بعيداً عن السياسة، من أجل التفرغ لما يرضي الله في عباده، وفي توعية الناس بدينهم وفضائله والذود عنه، دون التطاول على الأديان الأخرى. ولهم إما الانتماء والنشاط في سلك رجال الدين أو سلك السياسة من دون المزج والتداخل في كليهما، فإن مالَ رجل الدين للسياسة في أحكامه فقد خلط ما لله في وحدانيته على الناس، بما للناس على مجتمعهم المتنوع والمتعدد الأديان والمذاهب.
ولا تجعلوا المواطن يصل إلى الإحباط كما في التراث، حين تنادت قبيلتان للحرب بينهما، وطلبت كل قبيلة مِن كلِ مَن حولها، العون مقابل نصيب من الغنائم والسبايا ترغيباً، والتهديد بالانتقام عند النصر ترهيباً، وكان من الناس من حارب جبراً، فامتطى حماره وأركب خلفه ابنه الوحيد، وحشا بندقيته وانطلق موقِناً أنه مقتولٌ وابنَه وحمارَه من ذي القبيلة أو تلك، حتى توسط بين القبيلتين، وبدأ بإطلاق رصاصة أمامه وأخرى خلفه وهكذا دواليك، وأجاب ابنه السائل «يبه اللي ورانه ربعنه»، قائلاً: إنها موتة لا صاحب لنا فيها.
ما أحلك ليل مواطن وأحرّ نهاره حين يشعر بالضيم في وطنه.
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 3676 - السبت 29 سبتمبر 2012م الموافق 13 ذي القعدة 1433هـ
هذة الحقيقة
لا يوجد شخص شريف لا يحب الكرامة و محاربة الفساد ولاكن ليس بفساد اعظم منة كمايقول رسولنا الكريم ( ص ) درا المفاسد مقدم علي جلب المصالح .. استاذ كن شجاع اكثر وسمى الاشياء باسمائها لكي يزيد أحترامك من منّ رجال الدين الذين يخلطون بين الدين و السياسة
البحرين لازالت بخير
نعم إنها بخير بوجود أمثالك من الشرفاء الذين قلوبهم على الوطن، و يجمعون و لا يفرّقون ، فجزاك الله عن هذا الوطن الغالي والمواطنين خير الجزاء، والخزي والعار لكل من يسعى لتفتيت لحمة هذا الشعب الطيب بسنته و شيعته، و تدمير البحرين العزيزة بهذا العمل المشين
عجيب
هذه البحرينيون الاصيلين من سيار وسيادي وغيرهم والذينه يخافون على وطنهم ويجمعون ولايفرقون لان المصاحه للوطن اولا وثانينا المواطن, ولكن وين المستجمرين الذينه كل يوم لاهم خطاب ويلومون الناس اذا قالوا لهم أنتم مال فزعه لأغير.ولكن المشكله لازالو يراهنون على سقوط النظام السوري وظرب ايران وبعدهاء يستفردون بشعب وهذا سوف لن يحصل. ويمكرون ويمكر الله.
ما احلى ان يكون وطنا للجميع
وما احلى انتتنقى القلوب من حقدها الدفين لطائفة وقفت معها في السراء والضراء وقابلتها بالتخوين والوشايا لتزج في السجون اكبر طائفة
الحلم
يا الله للحظات عشت حلما جميلا وانا أتنقل بين حروف المقال وما إن انتهيت حتى أيقظني ضيم وظلم وطني
عجبي لوطن لا يأمن الناس فيه
هذا مطلب الشعب
يا استاذي العزيز ولله ثم والله هذة هي مطالب الشعب يكون له حقوق وعليه واجبات في وطنه له الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ولجميع افراد هذا الوطن
العزيز في حكومة مدنية عادلة لجميع افراد الشعب دون تهميش واقصاء لاحد
على حساب احد
شكرا
كعادتك يا استاذ يعقوب مبدع