في عامه الدراسي السادس تميزت لوحات محمد عبدالله الرئيسي، وبدأت موهبته تلفت الأنظار. لم يكن يشعر بموهبته حينها، كان قد بدأ الرسم قبل أعوام ثلاثة. في الصف الثالث، وجد في نفسه ميلاً كبيرا للرسم، لم يشعر بموهبته بعد. في الصف السادس، لاحظ معلموه تميز رسوماته تلك. بهرتهم خطوط محمد وألوانه، بعضهم وجدها أكثر دقة وتفصيلا من أن يرسمها طفل في سنه. شجعوه على الرسم، امتحنوه مرارا وتكرارا حين كانوا يطلبون منه رسم فكرة ما. تطور الأمر حتى وجد محمد نفسه يصمم الملصقات الخاصة بمدرسته، ويشارك في كل المسابقات الفنية، وتحصد لوحاته أعلى الجوائز، لتعلق أخيراً في قاعات المدرسة.
محمد عبدالله الرئيسي، فنان تشكيلي موهوب، لم يتوجه للفن بعد بشكل كامل، ربما لصغر سنه، وربما لرغبته في رسم مستقبله المهني أولاً. اسمه غير معروف بين رواد المعارض لكن معلميه وربما معلمو المدارس التي كانت تتنافس مع مدرسته الثانوية في المعارض الفنية، يعرفونه حتماً ويذكرون اسمه. على الأقل لأن لوحاته لاتزال معلقة على جدران مدرسته مدرسة النسيم الدولية.
يبلغ محمد الآن من العمر 21 عاماً، يوشك أن يتخرج من جامعة بورت سميث في المملكة المتحدة ويتم دراسته في مجال إدارة الأعمال ليحصل على درجة البكالوريوس، وهو أيضا يوشك على تخصيص وقت أكبر للفن ولرسم الطبيعة والوجوه».
«فضاءات الوسط» حاورت الرئيسي عن موهبته تلك وحبه للرسم. وبشأن البدايات، وهي ليست بعيدة، يقول محمد «حين لاحظ معلمي موهبتي، شجعوني كثيرا، أتذكر منهم معلم الموسيقى سلمان زيمان، الذي كان يثني على لوحاتي باستمرار. أتذكر انه في إحدى المرات تحدث مع والديّ عن موهبتي تلك وأثنى على لوحاتي».
ويضيف «موهبتي في الرسم تطورت كثيرا بفضل ذلك التشجيع من الجميع، وقد تمكنت بفضل تلك الموهبة من المشاركة في عدد من المسابقات المدرسية التي كانت تتم على مستوى المدارس الخاصة، ربما يصل عددها إلى ثماني مسابقات. فزت في كثير منها، الآن أتذكر تلك المسابقة التي كانت عن تراث البحرين قمت حينها برسم بورتريه لامرأة عجوز بشكل مباشر. فازت لوحتي تلك، كما فازت لوحات أخرى كثيرة لي شاركت بها في مسابقات المدارس، كانت إدارة المدرسة تطلب معظم لوحاتي لتعلقها على جدرانها».
«أتذكر أيضا مشاركاتي في المعرض السنوي الذي كانت مدرستي السابقة، مدرسة النسيم الدولية، تقيمه بشكل سنوي. كانت لوحاتي دائما مثار الإعجاب. أتذكر المرة التي أعجبت فيها الوزيرة فاطمة البلوشي وعدد من الوزراء ممن حضروا المعرض، بلوحة لي. بل إنهم سألوا عمن رسم الصفحة، لتقوم الصحافة بعدها بعمل لقاء معي».
ويواصل قائلاً «منذ صغري كان الرسم والألوان هما حياتي، حين أمسك الفرشاة أكون في عالم آخر، يتحسن مزاجي وتغمرني السعادة».
وعلى رغم موهبته تلك، وولعه الشديد بالفن لم يتوجه محمد لدراسة الفن بعد تخرجه ولم يركز عليه كثيراً، فضل أن يتوجه إلى دراسة إدارة الأعمال، وهو يقول «الآن أريد أن أركز على دراستي وأن أحصل على أعلى الدرجات لأرفع اسم وطني عالياً، وبعدها حين أحقق ذلك سوف أتوجه إلى الرسم».
ويضيف «على رغم حبي للرسم لم أتوجه لدراسته بعد تخرجي من المدرسة. ولا يعني هذا أنني لا أريد أن أطور هذا الجانب، على العكس أنا أفتخر بكوني فنانا، لكن يجب أن يكون لدي عمل أعيش منه، ولا يمكن الاعتماد على الفن بالطبع كمصدر رزق. وفي الواقع فإن المجال الذي أدرسه حالياً وهو إدارة الأعمال يمكن له أن يساير مجال الفن بشكل كبير، هما في الواقع جانبان مكملان لبعضهما»
ويضيف «بعد أن أتخرج، سأقوم بافتتاح معرض خاص للوحاتي، في البحرين وفي بريطانيا، لأني أريد أن أروج لبلدي وأرفع اسمها عالياً، أريد أن أكون سفيراً فنيا لها».
ورثت موهبة والدتي
سألت محمد إن كانت موهبته تلك قد تطورت بفضل أي تدريب فقال «لم أتلق أي تدريب في مجال الرسم، هي موهبة أنعم الله بها علي. وأنا أعتقد بأنه ما لم يكن الشخص موهوباً فلا فائدة من تعلمه الرسم». يشير محمد إلى أنه ورث موهبة الرسم من والدته التي كانت خطاطة وكانت تهوى الرسم في أيام دراستها.
لكنه لا ينكر تأثره بأعمال بعض الفنانين البحرينيين والعالميين ، يقول «تعجبني كثيرا أعمال الفنان البحريني عباس الموسوي وقد تأثرت بها كثيراً. من الفنانين العالميين أحب لوحات ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو وبيكاسو».
البورتريهات أكثر ما أحب
وبشان الموضوعات التي يركز عليها محمد في لوحاته، يقول «أحب رسم البورتريهات. لقد قمت برسم بورتريهات لأفراد أسرتي وللكثير من أصدقائي. أستطيع أن أرسم خطوط الوجوه بشكل دقيق لأقدم لوحات شديدة الشبه بالواقع. كذلك أحب أن أرسم المناظر الطبيعية، عدا عن أي ثيمة تقدم لي».
يستخدم محمد الألوان المائية والحبر والخشب في لوحاته، لكنه يفضل الاكريليك والرصاص والفحم. يعمل على اللوحة الواحدة فترة قد تصل إلى الشهور الأربعة. قد يستغرق فترة أطول أو أقل، يعتمد ذلك على الأدوات التي يستخدمها، لكن كما يقول محمد «اللوحة الجميلة تستغرق مني وقتاً طويلاً، اشتغل عليها عددا من المرات في الأسبوع، بحسب المزاج وفي أي وقت، ربما حتى عند الواحدة صباحاً».
الآن يواصل محمد هوايته في الرسم في أوقات فراغه من الدراسة في بورت سميث «في بعض الأحيان أجد نفسي أرسم وأنا في وسط المحاضرة وذلك بعد أن أنتهي من كتابة ملاحظاتي. في شقتي خصصت ركناً خاصاً للرسم، الآن أقوم بالعمل على لوحاتي مرة واحدة في الأسبوع» ويعود ليؤكد «لكنني أوازن بين دراستي وحبي للرسم».
في بورت سميث يركز على رسم المناظر الطبيعية الجميلة التي تمتلئ بها المدينة يقول «هناك فرق بين لوحاتي التي رسمتها في البحرين وتلك التي قمت بعملها في بريطانيا. مزاجي في الرسم يختلف في لندن عنه في البحرين، ألواني مختلفة وكذلك النمط الذي أقوم فيه برسم لوحاتي مختلف. في البحرين أركز على الألوان الفاتحة، أما ألواني في لندن فهي غامقة تتناسب مع ألوان الطبيعة الجميلة هنا».
العدد 3675 - الجمعة 28 سبتمبر 2012م الموافق 12 ذي القعدة 1433هـ