العدد 3675 - الجمعة 28 سبتمبر 2012م الموافق 12 ذي القعدة 1433هـ

هولاند: كلما تعرضت كرامة الإنسان للاعتداء... سنكون هنا

لدى افتتاحه القسم الإسلامي في «اللوفر»

وسط اهتمام عالمي ضخم؛ افتتح بمتحف اللوفر في العاصمة الفرنسية قسم ضخم جديد للفنون الإسلامية. وجرى تجديد قسم الفن الإسلامي بكلفة 98.5 مليون يورو أي ما يعادل 128 مليون دولار، إذ تبلغ مساحته ثلاثة آلاف متر مربع.

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي افتتح القسم الجديد، ألقى خطاباً مهمّاً في حفل الافتتاح الرسمي للمعرض تحدث فيه عن الحضارات البشرية وعن الحضارة الإسلامية وتسامحها، مشيراً بذلك إلى ما يجري في العالم الإسلامي من فوضى وصخب تنسب ظلماً إلى الإسلام وللحضارة الإسلامية. فيما يأتي أهم ما جاء في نص الخطاب الذي ألقاه الرئيس أولاند:

في العشرين من أيلول/ سبتمبر 1792 تم إعلان أول جمهورية فرنسية. عشية ذلك قررت الجمعية التشريعية إنشاء مكان في اللوفر حيث يمكن وضع «لوحات وغيرها من التحف والآثار المتعلقة بفنون الزخرفة الموجودة في كل الدور الملكية». هذا يعني أنه حتى قبل إعلان الجمهورية، أراد الثوار إقامة متحف كبير. وبعد عام فُتحت أبوابه. وبما أنه أقيم في قصر الملوك فقد أصبح ملكاً غير قابل للتصرف لشعوب فرنسا.

إن متحف اللوفر الذي يشكل غنى أمتنا هو اليوم أكبر المتاحف في العالم. ولم يَكُفّ عن التطور لأن التراث هو ملك حي. ذلك أن اللوفر هو أكثر من متحف إنه إحدى مؤسسات الجمهورية التي كانت وليدة أكثر من قرنين من المعارك والفتوحات.

هذه المؤسسة التي تزداد مكانتها ونجاحها دائماً بشكل مذهل تندرج في سياق مكمل للفكرة الجميلة والعظيمة لمتحف اللوفر، واللوفر الكبير، التي تصورها وأرادها فرنسوا ميتران وجاك لانغ الموجود هنا. إنها معركة حقيقية أطلقاها قبل 30 عاماً، إنها إحدى المعارك التي يقدر بلدنا أن يشنها وأحياناً مع نفسه بالذات. وبالنظر إلى ذلك، فإن النضال جرى داخل قاعات انتظار المتنفذين في قصورنا الوطنية وفي أروقة وزاراتنا. إنها معركة قد تم كسبُها. وتميزت أولاً ببناء الأهرام، الذي لقي اعتراضاً في وقت معين، ثم بإقامة وزارة المالية في بيرسي التي واجهت اعتراضات لأسباب أخرى، وباستعادة التويلوري.

تمت قيادة المعركة ضد كل أشكال التحفظ، وضد كل أنواع الجمود، وضد كل المقاومات السلبية، وكان لابد لجميع وزراء الثقافة المتعاقبين من التحلي بالجرأة والتصميم، ورؤية ما في مقدور الدولة القيام به، وما ينبغي أن تفعله من أجل الثقافة. إن افتتاح مساحات جديدة مخصصة لفنون الإسلام يشكل الفصل الأخير في تاريخ هذه المعركة. ولقد تطلب هذا الإنجاز أيضاً إرادة سياسية قوية، بغض النظر عن التغييرات والتداول في السلطة. جاك شيراك هو الذي أعلن في 2003 إنشاء هذا القسم الجديد مذكراً بالإسهام الأساسي لحضارات الإسلام في ثقافتنا. في 16 تموز/ يوليو 2008، وضع نيكولا ساركوزي الحجر الأساس وتوصل أيضاً إلى تعزيز دعائم التمويل وتعبئة عمليات أخرى. واليوم يعود لافتتاح القسم الثامن من متحف اللوفر.

إن قسم فنون الإسلام هذا هو مشروع رمزي رائد لأكثر من سبب. أولاً، إنه مفهوم للثقافة، الثقافة المنفتحة على الجميع. كل مواطن وكل شخص له الحق بالتمتع بالجمال والإبداع. لا يجب استبعاد أحد لأي سبب كان، والأسوأ هو الانحياز والجهل. إنها مهمة وزيرة الثقافة أوريلي فيليبيتي للعمل على استدامة هذه المساواة. ولهذا وضعت الحكومة التربية الفنية في أولوياتها، لأن ما من شيء فطري. والجميل حين يكون نتاج الروح يتم أيضاً تعلمه. وعلى هذا التعليم السماح للأولاد، جميع الأولاد، باكتساب أكثر من مجرد معرفة، بل اكتساب فضول وحساسية وتسامياً وعزة أيضاً.

يجسد هذا المشروع إرادة تعزيز الرسالة العالمية لمتحف اللوفر نظراً لعالمية الثقافة. الحضارات ليست معسكرات تتجاهل بعضها البعض أو تتصادم. وتتطور الحضارات بفعل لقائهن وحوارهن. هكذا تتكلم عظمة الفن: إنه يرفعنا حين يديرنا باتجاه الآخرين، إنه يجعلنا أكثر وعياً بأنفسنا. فالثقافة كما كان يستحضرها بودلير هي «دعوة للسفر». السفر في الزمان والسفر في المكان. والسفر أيضاً في حميميتنا الخاصة بنا.

وفي إشارة إلى جرن المعمودية الرائع الذي يعود لزمن القديس لويس، قال الرئيس هولاند «هذه التحفة الإبداعية المملوكية استُخدمت مدة قرون لعمادة أطفال ملوك فرنسا. إنه إفشاء لمعلومة، أن يغطس ملوك الحق الإلهي في التحف والآثار الإسلامية. نحن لم نكن على علم بذلك. هذا ما يذكرنا بهذا الأصل المشترك أحياناً. وأفكر أيضاً بهذا الإبريق بعروة الذي يعود لمرحلة مصر الفاطمية الذي كان جزءاً من كنوز دير سان ـ دوني. ومرة أخرى ثمة بديهية هي وجود صلات مشتركة لا حصر لها بين أوروبا المسيحية وثقافات الإسلام. أقول «ثقافات الإسلام» لأن هذا العالم مكون من ألف عالم وعالم، إنه متنوع.

متنوع العصور. فالمجموعات المعروضة هنا، والتي تعود للحقبة الممتدة من القرن السابع إلى القرن التاسع عشر، تدعو إلى مسار عبر الزمان حيث لكل لحظة معناها وهويتها وروحها ونورها.

وأخيراً متنوع الإلهام. فالإلهام هنا مدني أو ديني على حد سواء، متأثر بالهلينية أو الاستشراق، وبتأويل متعدد الطرق لتحريم تمثيل الوجه. فلا النصوص ولا الأعمال الفنية ولا حتى البشر لهم وجه واحد. ولهذا يتم تصويرهم وتمثيلهم بألف طريقة. ليس هناك حضارة إسلامية واحدة بل حضارات في الإسلام. كلها مرهفة في ذوقها الأدبي والفني ومشرقة. وكما بانت هنا، فهي أدلة بقدر ما هي فضاءات من الحرية. إنها تقوم على التسامح إزاء كل تأويلات العالم. وهي تنطلق من الدين لإعطاء العمل الإنساني كل قوته.

إنه لشرف للحضارات الإسلامية أن تكون أقدم وأكثر حيوية وأكثر تسامحاً من بعض الذين يزعمون بتعسف اليوم التحدث نيابة عنهم. إنها بالضبط عكس الظلامية التي تبيد المبادئ وتدمر قيم الإسلام حين تحمل هذه الظلامية العنف والكراهية. نعم، ما أجمل هذه الرسالة، ما أجمل هذه الرسالة المعطاة هنا عبر الفنون في متحف اللوفر. لأنه في ظل وفرة هذه الأعمال الفنية والأدبية، وأمام هذا الكم من الصبر الموظف لخدمة التناغم، ندرك بأن أفضل سلاح لمحاربة التعصب، الذي يزعم انتسابه للإسلام، موجود في الإسلام نفسه.

يجب في كل لحظة الدفاع عن الإبداع وكذلك عن الجمال. وهنا في فرنسا كلما تعرضت كرامة الإنسان البشري وحرية التعبير، للتشكيك والاعتداء، سنكون هنا، في أي مكان في العالم. إذ حين يُنهب التراث سيكون بمثابة اعتداء على كل الحضارات، وسنكون هنا من أجل مكافحة كل المجموعات التي تقودها حماقة لا حد لها، تُضعف كل حضارة. أفكر بما جرى مؤخراً من تدمير لأضرحة تومبوكتو التي هي بمثابة غنى حقيقي للإنسانية جمعاء.

العدد 3675 - الجمعة 28 سبتمبر 2012م الموافق 12 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً