العدد 3674 - الخميس 27 سبتمبر 2012م الموافق 11 ذي القعدة 1433هـ

دعوة إلى الطموح

بان كي مون comments [at] alwasatnews.com

الأمين العام للأمم المتحدة

في هذا الظرف من كل عام، يجتمع القادة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك لتقييم حالة العالم. وفي هذا العام، اغتنمت هذه المناسبة لأحذر من مغبة الاتجاه الذي تسير فيه الأسرة البشرية.

فنحن نعيش في فترة غدت فيها مظاهر الاضطراب والانتقال والتحول ضاربة في الأعماق، وأصبحت حالات انعدام الأمن وعدم المساواة والتعصب فاشية على نطاق واسع. والحكومات تهدر أموالاً طائلةً وثمينةً على الأسلحة الفتاكة، وتُقلِّص في الوقت نفسه من استثماراتها في الناس. والظاهر أن أعداداً عديدةً ممن يتقلدون السلطة يتغاضون عمداً عن خطر تغير المناخ. والمواطنون يتوقون إلى الحصول على فرص عمل ويتطلعون إلى العيش الكريم، ولكنهم لا يحصلون إلا على الانقسام والتسويف في الأغلب الأعم.

ولقد قُطعت أشواط مهمة، فقد انخفضت نسبة الفقر المدقع بالنصف منذ العام 2000، ودخل العالم العربي وميانمار ومناطق أخرى من العالم أطوار التحول الديمقراطي، وأصبح النمو الاقتصادي في إفريقيا الأسرع وتيرة في العالم، وأحرزت آسيا وأميركا اللاتينية تقدماً مهماً.

ومع ذلك، يجب علينا أن نرفع من مستوى طموحنا. فالفقر واللامساواة مازالا مستشريين، والنظم الإيكولوجية باتت على شفا الانهيار، ونتائج أفضل الأبحاث العلمية في العالم دامغة وتوجب علينا أن نغير المسار. ولذلك فقد حثثت قادة العالم على المضي قدماً في مبادرات الطاقة المستدامة والتعليم والتغذية ورعاية صحة المرأة والطفل. ولا ينبغي اتخاذ الأزمة الاقتصادية ذريعةً للتملص من الالتزام بتلبية الاحتياجات الأساسية للناس كافة.

والتوترات الإقليمية هي أيضاً مصدر قلق عميق. فالأزمة في منطقة الساحل لم تنل ما يكفي من اهتمام ودعم. والفقر والجفاف والتطرف والتوتر الطائفي مظاهر تتسبب في معاناة كاسحة، والأسلحة غدت سهلة المنال، ولكن العثور على فرص عمل أصبح أمراً صعباً. إن المجتمع الدولي بحاجةٍ إلى بذل جهود متضافرة جبارة للتصدي لهذا الوضع المقلق. وتبرز هذه الأزمة أيضاً ضرورة تعزيز الأمن الغذائي والمناعة التغذوية وشبكات الأمان الاجتماعي لمكافحة التقلبات المتواترة في الأسعار التي أصبحت حالياً القاعدة الجديدة. وكما تساعدنا مقاييس التحسُّس ومِرجفات الزلازل على التأهب للكوارث الطبيعية، فإن علينا أن نبذل المزيد من أجل تبين علامات الاكتراب التي تعم الشرائح الأفقر والأضعف.

وما فتئ الوضع في سورية يزداد سوءاً من يوم لآخر، وتحوّل إلى كارثة إقليمية ذات تشعبات عالمية. إنه يجب علينا أن نوقف العنف وتدفق الأسلحة إلى الطرفين كليهما، والشروع في أقرب وقت ممكن في عملية انتقالية بقيادة سورية. ومازال ارتكاب الانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان مستمراً على أيدي الحكومة بصورة رئيسية ولكن أيضاً على أيدي جماعات المعارضة. إنه من واجبنا أن نضع حداً لإفلات مرتكبي الجرائم الدولية من العقاب في سورية وفي غيرها من الأماكن، وأن نجسد مبدأ المسئولية عن توفير الحماية بشكل ملموس.

وبموازاة مع رياح التغيير التي تهب على العالم العربي وعلى مناطق أخرى، نحن بحاجة إلى كسر الجمود الخطير فيما بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وحل الدولتين هو الخيار المستدام الوحيد، عدا أن الباب الذي يفضي إليه يوشك أن يوصد. وأرفض أيضاً لغة نزع المشروعية والتهديد بعمل عسكري ممكن من دولةٍ ضد أخرى، ذلك أن أية هجمات من هذا القبيل ستكون مدمرة. والحديث المفرط عن الحرب في الأسابيع الأخيرة مثير للذعر. وينبغي أن يذكرنا بالحاجة إلى حلول سلمية واحترام كامل لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وتقع على القادة مسئولية رفع أصواتهم لخفض حدة التوترات بدلاًً من تأجيج الظرف الراهن والزيادة من تقلبه، وهذا أمر غاية في الأهمية في وقت تتفاقم فيه التوترات بسبب التعصب.

وفي الأسابيع الأخيرة، أفضى عمل مشين تعوزه البصيرة إلى سخط له ما يبرره وإلى عنف لا مبرر له. إن حرية التعبير والتجمع من الحريات الأساسية، لكن أيّاً منهما لا يُعد رخصة للتحريض على العنف أو على ارتكاب أعماله. ويجب على الزعماء السياسيين وقادة المجتمعات المحلية ممن يتحلون بروح المسئولية أن يكثفوا جهودهم في مثل هذه الظروف. ولا ينبغي أن تكون الأغلبية المعتدلة أغلبية صامتة.

وإزاء كل هذه التحديات، يجب على الأمم المتحدة أن تواصل مسيرتها في مختلف مجالات عملها، ولاسيما السلام والتنمية وحقوق الإنسان وسيادة القانون وتمكين نساء العالم وشبابه. إن الناس لا يتطلعون إلى الأمم المتحدة لتكون مجرد مرآةٍ تعكس انقسام العالم. إن دورنا هو أن نوفر القيادة ونشرع أبواب الأمل ونقدم الحلول للمشاكل التي تهم الناس نهاراً وتقض مضاجعهم ليلا.

ولا يمكن لقائد أو بلد لوحده ولا لمؤسسة لوحدها، النهوض بالعبء كله، لكن كل واحد منا يمكنه بطريقته الخاصة أن ينهض ببعض العبء. ويجب علينا أن نجعل الناس مناط اهتمامنا أولاً، وأن نرفع من مستوى جهودنا وأن نرتقي بدرجة التعاون الدولي. إن الوقت لا يعمل لصالحنا ولكن يمكننا معاً كشركاء، أن نجتاز اختبارات اللحظة الراهنة وأن نغتنم ما تتيحه حقبة التغيير الجذري من فرص سانحة.

إقرأ أيضا لـ "بان كي مون"

العدد 3674 - الخميس 27 سبتمبر 2012م الموافق 11 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً