الشباب العربي يحلم بوطن يعطيه ما يريد دون قيد أو شرط وبنظام سياسي يحترم إنسانيته، يكسبه حقوقاً مدنية وسياسية عبر دستور ديمقراطي يحقق له طموحه في أن يكون فرداً فعالاً في صنع مستقبله وصنع القرار السياسي في حال تحقق طموحه في أن يكون وزيراً أو رئيساً أو غير ذلك عبر نظام ديمقراطي يعترف بالفرد وحقوقه دون أي معايير أخرى.
إن ما قامت به النرويج خلال الأيام الماضية بتعيين شابة مسلمة وزيرة للثقافة يعتبر مثالياً، وعملاً رائداً في طريقة الرد على التطرف والإرهاب. هذا التعيين يأتي بعد ما حدث العام الماضي في 22 يوليو/ تموز 2011 عندما قام المتطرف «أندرس بهرنغ بريفيك» بالهجوم على معسكر شبابي تابع لحزب العمل الحاكم في النرويج متنكراً بثياب الشرطة وفتح النار على على الشباب وقتل عدداً كبير منهم (أكثر من 80 شخصاً) انتقاماً من سياسة الحزب المتسامحة مع المهاجرين والمسلمين. وقد قدمت النرويج هذا الإرهابي إلى المحاكمة وصدر الحكم عليه بالسجن 21 عاماً في 24 أغسطس/ آب 2012.
الرد النورويجي الحضاري على هذا الإرهاب تواصل مع قيام رئيس الوزراء النرويجي جينس شتولتنبرغ يوم السبت (22 سبتمبر/ أيلول 2012) ولأول مرة في تاريخ النرويج، بتعيين هاديا طاجيك، وهي مسلمة، وزيرة للثقافة، لتصبح طاجيك (29 عاماً) بذلك أصغر وزيرة في الحكومة النرويجية، وكذلك أول عضو مسلم في مجلس الوزراء على الإطلاق في تاريخ النرويج. وقد أعلنت طاجيك بعد تعيينها عن برنامجها خلال الفترة المقبلة، مشددة على ضرورة أن يكون التنوع الثقافي جزءاً مكملاً لحياة الجميع في النرويج، هذا على رغم أن نسبة المسلمين في النرويج لا تتعدى 1 في المئة.
وقد كتب محمد سعد في صحيفة «الأهرام» المصرية عن تعيين طاجيك، قائلاً «خطت النرويج بذلك، ما يمكن اعتباره خطوة واسعة نحو تعزيز سياسات التعددية الثقافية التي تنتهجها النرويج والدول الإسكندنافية منذ سنوات عدة، بتعيين...» وهذا يدفع بنا للسؤال: هل بإمكاننا كعرب ومسلمين أن نرد على إساءة وجريمة إرهابية بهذا الأسلوب الحضاري؟
وحقيقية فإنني أغبط طاجيك، لأنها تعيش في بلد يحترم الجميع ولا يطلب منها أن تتخلى عن كرامتها لكي تصل إلى منصب من هذا النوع، هذا يوضح بأن شباب المنطقة الذين يلجأون إلى التطرف كرد فعل لبيئة الاستبداد لا يجدون رواد في السياسة مثل رئيس الوزراء النرويجي ممن يوضحون المعنى الحضاري للتعايش والتسامح والتنوع والقبول بالآخر، وبالتالي يقع الشباب تحت ضغط البيئة الخانقة، وفي الوقت ذاته لا يجدون الأنموذج الذي يحتذى.
ولو راجعنا إلى تاريخ طاجيك، فسنجدها قانونية وصحافية من أصل باكستاني ولدت في 1983، ببلدة صغيرة تابعة لمقاطعة ستراند بالنرويج، أنهت طاجيك دراستها الابتدائية وأكملت دراستها بالمدرسة العليا التي تخرجت فيها عام 2001، ثم توجهت للمملكة المتحدة لدراسة حقوق الإنسان بجامعة كينجستون بين عامي 2004 و2005، وحصلت على بكالوريوس الصحافة من جامعة «ستافينجار» بالنرويج ثم توجهت لدراسة القانون بجامعة أوسلو وحصلت على الماجستير في القانون عام 2012 الجاري.
بعد ذلك دخلت طاجيك في النشاط السياسي وكانت من قادة حركة العمال الشباب بين عامي 1999 و2002، كما عملت كمستشار سياسي لوزير العدل النرويجي بين عامي 2008 و2009 وأصبحت ضمن مجموعة ما يعرف «علاقات الحجاب» بالوزارة التي كان من أحد أبرز قراراتها أنها منحت الحق للشرطيات النساء في ارتداء الحجاب أثناء العمل.
مثل هذا النشاط السياسي الذي استطاعت أن تمارسه طاجيك في بيئة ديمقراطية أفسح لها المجال لكي تؤثر بصورة إيجابية في الحياة العامة ولكي تبرز وجهاً آخر للشخصية القادمة من الشرق الإسلامي، وهي شخصية حضارية تختلف عن تلك الوجوه المملوءة بالحقد وتختلف عن الذين يرسلون الشباب إلى ساحات العنف والإرهاب باسم الدين. نعم هذا هو رد النرويج وهو يختلف عمّن نشر الإعلانات في الشوارع داعياً لإعدام إخوته في الدين والوطن مجرد لأنهم اختلفوا معه في الرأي، وهو يختلف عمّن سلب رزق الآخرين وتهالك على الغنائم مستخدماً الحقد ضد الآخرين ومستغلاً اسم الدين والطائفة في ذلك، ويا ليت هؤلاء يذهبون ليتعلموا الأصول من النرويج.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3672 - الثلثاء 25 سبتمبر 2012م الموافق 09 ذي القعدة 1433هـ
تقدير العقل الصحيح
هذه هي القرارات المناسبة التي تحل الأزمات المفاجئه وتقطع الطريق على العنف والتعنفين, تعلمو منها ياحكام عرب ومسلمين
البارباري
هكذا تحترم الدول الديمقراطية حقوق المواطنة على الرغم من أن النرويج نسبة المسلمين فيها لا يتعدى 1% لكن هذه دولة المواطنة القائمة على اساس القوانيين المدنية وفصل الدين عن السياسة وشئون الدولة