لا أحد ينسى قصّة النملة التي علّمت تيمورلنك الثبات أمام المصاعب، ونزعت من صدره فتيل القنوط ومشاعر الإحباط بعد هزيمته في موقعة ذات شأن، حيث داخَلَه القنوط فتخلف عن الصفوف ولجأ إلى خربة حزيناً قد أخذ منه التعب واليأس.
وبينما هو على تلك الحال؛ وقع بصره على نملة تجرّ حبة شعير، فرآها ساعية في حملها إلى مرتفع، لكن أعياها الأمر. فتدحرجت منها الحبة، فلم تتخلَّ عنها، وعادت إلى الصعود. فتدحرجت الحبة ثانيةً، فلم تتركها، والثالثة ولم تفتر همّتها. وكان تيمورلنك قد مال بكليته إلى هذا المشهد كأنه نسي ما به، ولم يعد له من شغل شاغل غير هذه النملة، فعدّ العشرين والثلاثين والأربعين والخمسين، والحبة تتدحرج. والنملة عزمُها ثابت، فلا يعتريها أدنى فتور، ولم تزل في عناء متواصل حتى المرة السادسة والثمانين، وحينئذٍ استجمعت قواها فجرَّت الحبة إلى المكان المقصود. فاعتبر تيمورلنك بثبات النملة وقال في نفسه العجب أن هذا الحيوان الصغير ثابت لا يفشل ولا يتخلى عن شيء زهيد، وأنا الملك أفشل في أقل الأمور.
غير أن الكثير من أولادنا اليوم وخصوصاً الشباب للأسف، لا يعرفون هذه القصص والأمثال ولا يعتبرون بها، فتراهم ييأسون لأتفه الأسباب، ويفشلون أمام التحديات حتى قبل مواجهتها استسلاماً بحجّة «عاش من عرف قدره»، اعترافاً منهم وإدراكهم بمحدودية إمكاناتهم.
لكن ليس من الحكمة في شيء؛ ألا يحاول الإنسان مرات ومرات؛ كما النملة لإنجاح مساره سواءً متعلماً في المدرسة أو موظفاً في العمل أو قائداً في مجاله، ذلك أن النملة لو يئست عن إيصال الحبة إلى المكان المقصود واستسلمت إلى العجز والفشل لكان مصيرها الفناء.
ولئن كانت القصة تنسحب على حالات كثيرة؛ فإنّ حالة المتعلم والمعلم في المقام المدرسي هي الأدعى للاعتبار بهذه المثل؛ ذلك أنّ كثيراً من أبنائنا المتعلمين وللأسف يعتريهم القنوط أمام المشكلات التعليمية وربما الحياتية، حيث ترى المتعلم يستسلم إلى القنوط، وينتظر المعلم حتى يمده بالجواب، فلا يصبر على التحدي، ولا يعيد الكرّة لإنجاح محاولته وهو ما يعوّده على الاتكال لا في حياته المدرسية فحسب؛ وإنّما أيضاً حتى في جوانب كثيرة من حياته المعيشية.
وكذا المعلم في المقام التعليمي؛ تراه في أحيان كثيرة يركض وراء إتمام الدرس فلا يصبر على طلابه، ولا يعطيهم الوقت الكافي للمحاولة وإعادة المحاولة، ولا يمنحهم فرصة تحدّي المشكلات ومجابهة الصعاب.
إن المدرسة هي الفضاء الأنسب لتُعلّم أبنائنا روح التحدي وحلّ الصعاب لتتحوّل إلى كفاية حياتية أو استطاعة كامنة في المتعلم ضمن عدد كبير من الاستطاعات التي ينبغي أن تكون لدى أولادنا وبناتنا لبناء المستقبل.
فهذا المستقبل أمانةٌ بأيديهم؛ أمّا اليأس والاستسلام إلى الفشل؛ فلا يؤديان إلا إلى ضياع المستقبل، واستمرار حالة التعويل على الآخر مما يفقد الثقة في النفس.
وليست قصة النملة سوى واحدة من مئات القصص بل الآلاف من قصص القدامى نسجها المخيال الشعبي لتكون آية للناس. حقّاً، لقد كان في قصص الحيوان عبرة لآبائنا وأجدادنا وستبقى هذه القصص مَعيناً لا ينضب. ولقد تأكّد لي بما لا يدع مجالاً للشك نفاذ العِبر والدروس الكامنة فيها إلى عقول طلابنا قبل قلوبهم بحكم اشتغالي معهم على هذه القصص ومثيلاتها من خلال كتاب «كليلة ودمنة» وغيره من كتب الأمثال. وكم من طالبٍ أُلاقيه عَرَضاً بعد سنوات فلا يتذكّرني إلا بإحدى هذه القصص المَثَليّة التي وردت على لسان الحيوان ومن ورائها العبر والمغازي العميقة التي تترك ولا شك أثرها في المتعلّم خلال تمدرسه وبعد تخرجه.
إن إحياء هذا التراث الحكائي حريٌّ بأن يكون موضوعاً للمدارسة بين المختصين قصد البحث عن الوسائل الكفيلة التي تضمن تمريره إلى الأطفال والشباب من المتعلمين وغيرهم، لا فقط في الإطار المدرسي؛ وإنّما أيضاً في الإطار العائلي، لعلّنا بذلك نساعد جيل المستقبل على اكتساب قيم حياتية ضرورية في أسلوب شيّق جذاب يكون قطعاً أعمق أثراً من أساليب التربية المباشرة.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3671 - الإثنين 24 سبتمبر 2012م الموافق 08 ذي القعدة 1433هـ
بارك الله فيك
صجح أولادنا محتاجين لهذه الحكم كي ينشأوا على القيم الريادية القيادية
دور المدرسة مهم جدا
إن المدرسة هي الفضاء الأنسب لتُعلّم أبنائنا روح التحدي وحلّ الصعاب لتتحوّل إلى كفاية حياتية أو استطاعة كامنة في المتعلم ضمن عدد كبير من الاستطاعات التي ينبغي أن تكون لدى أولادنا وبناتنا لبناء المستقبل.
صدقت
اليأس والاستسلام إلى الفشل؛ فلا يؤديان إلا إلى ضياع المستقبل، واستمرار حالة التعويل على الآخر مما يفقد الثقة في النفس.
قصّة النملة
وعشرات القصص يجتاج إليها كبارنا قبل صغارنا فهذ القصص وضعت في الأصل للإصلاح في مجتمعات قديمة نخرها الفساد
أمثال وعبر
والله يا عم يحتاجوها الصغار والكبار
وبارك الله فيك عل الموضوع
شكرا على إثارة هذه القضية
إحياء هذا التراث الحكائي: كنا نسمع مثل هذه الحكايات من آبائنا وأجدادنا حين السمر وقبل النوم
لكن اليوم لا أحد يحكيها ربما لأنهم لا يعلمونها