ربما ستكون الأزمة بمثابة صدمة بالمعنى المستخدم من قبل عالمة الاجتماع نعومي كلاين في كتابها «عقيدة الصدمة»؛ أي أنه سيتم استغلال الكارثة الاقتصادية كفرصة لفرض جدول أعمال الليبرالية الجديدة.
لقد تم إنشاء آليات لرصد مراقبة الديمقراطيات الوطنية فعلاً، (كما نرى الآن في إسبانيا وأيرلندا، والبرتغال، واليونان) بحيث يمكن فرض وحشية برامج التكيّف الهيكلي والإشراف عليها من قبل سلطة جديدة: «الترويكا» المؤلفة من صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، وكلها مؤسسات غير ديمقراطية؛ إذ لا يتم انتخاب أعضائها ولا تمثل المواطنين.
هذه المؤسسات - بمساندة وسائل الإعلام التي تطيع جماعات الضغط الاقتصادية والمالية والصناعية - متهمة بإنشاء نظم الرقابة الكفيلة بالحدّ من الديمقراطية لتحويلها إلي مجرد مسرحية، بتواطؤ أحزاب الحكم الرئيسية.
فما هو الفرق بين تقليص الموازنة على أيدي رئيس الحكومة الحالي ماريانو راخوي وسلفه خوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو؟ الفرق ضئيل جداً. فقد انهار كل منهما تحت ثقل المضاربين الماليين وأطاع كلاهما بصورة عمياء إملاءات الجهاز البيروقراطي الأوروبي.
وقام كل منهما بتصفية السيادة الوطنية، ولم يفعل أي منهما أي شيء لكبح جماح السلوك غير العقلاني للأسواق. وانصاع كل منهما لإملاءات برلين وهجمات المضاربين، وكما كان الحال بالنسبة إلى طقوس قديمة، جاء الحل الوحيد المقدّم في صورة التضحية بالأهالي كما لو كان إنزال العذاب على المجتمع قد يخفف من جشع الأسواق.
في مثل هذه الظروف، هل يملك المواطنون أي فرصة لإعادة بناء السياسة وإحياء الديمقراطية؟ نعم. تتواصل الاحتجاجات الاجتماعية، وتستمر الحركات من أجل العدالة الاجتماعية في الانتشار.
المجتمع الإسباني لايزال يعتقد أن هذه الأزمة هي مجرد حادث، وأن الأمور ستعود قريباً إلى ما كانت عليه. هذا خطأ (...) مجرد سراب. فعندما يدرك الناس أن الأمر ليس كذلك وأن ما فرض عليهم ليس «تدابير أزمة» ولكن تغييرات هيكلية دائمة، فربما تبلغ الاحتجاجات الاجتماعية مستويات حرجة. ولكن ما الذي سيطالب به المحتجون؟ الرؤية واضحة لدى الفيلسوف زيغمونت بومان: «يجب بناء نظام سياسي جديد يسمح بقدم نموذج جديد للحياة وديمقراطية جديدة وحقيقية للشعب»؛ فماذا ننتظر؟
إغناسيو رامونيه
مدير «لوموند ديبلوماتيك» - إسبانيا
العدد 3670 - الأحد 23 سبتمبر 2012م الموافق 07 ذي القعدة 1433هـ