قبل ستة أشهر قال وزير النفط السعودي علي النعيمي إن لديه الكثير من الحيل لخفض الاستهلاك النهم للنفط بالمملكة خلال فصل الصيف. ومن شأن ارتفاع إمدادات الغاز الطبيعي سواء من بدء تشغيل مشروعات جديدة أو من نمو إنتاج الغاز المصاحب مع ارتفاع إنتاج النفط أن يساعد شركة النفط الحكومية أرامكو السعودية على خفض استهلاك الخام لتوليد الكهرباء بما يصل إلى 100 ألف برميل يومياً. إلا أن المملكة العضو بمنظمة أوبك استهلكت كميات قياسية من الخام لتوليد الكهرباء في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز بمتوسط 743 ألفاً و500 برميل أي بزيادة 82 ألف برميل عن الفترة نفسها من العام الماضي بحسب مبادرة بيانات النفط المشتركة. ويحجم المسئولون السعوديون بشدة عن مناقشة الوضع وتسبب الزيادة حرجاً كبيراً للسعودية لأن المملكة صورت مبادرة الغاز الطبيعي باعتبار أنها جزء من جهودها الرامية لخفض أسعار النفط العالمية. ولم يتضح بعد ما حدث بالضبط هذا الصيف لكن مصدراً مقرباً من أرامكو السعودية أكد لمراسلي رويترز في الخليج أن إنتاج الغاز الطبيعي كان أقل من المتوقع.
الواقعة مهمة للغاية بالنسبة إلى مراقبي سوق النفط في الوقت الذي تسجّل فيه السعودية وإلى حدّ ما دول الخليج الأخرى بعض أسرع معدّلات نمو استهلاك النفط في العالم. ونتيجة التوسّع الاقتصادي وصغر سن السكان والدعم الكبير للطاقة أصبح الطلب على النفط في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة مساهماً رئيسياً في إضفاء الطابع الموسمي على الطلب على الخام؛ إذ يرتفع الاستهلاك في المنطقة عادة بالتزامن مع زيادات مماثلة في موسم الرحلات في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. وفي ضوء الطلب الجديد تصبح قدرة السعودية على كبح أسعار النفط المرتفعة عند أدنى مستوياتها في الصيف؛ ولاسيما أن المملكة ستعطي الأولوية بكل تأكيد لتلبية الطلب المحلي على حساب الزبائن الأجانب. والسؤال المهم هو إن كانت هذه الظاهرة ستكرر في 2013 أم أن العالم سيشهد العام المقبل أول انخفاض لاستهلاك السعودية السنوي. وعلى رغم أن المسئولين السعوديين لم يذكروا سبباً لنقص إمدادات الغاز الطبيعي الذي أدّى لهذه الزيادة في الاستهلاك المحلي للخام فإن تأخر أحد المشروعات من الواضح أنه السبب في ذلك. وقال مصدران في قطاع النفط يوم الأربعاء (19 سبتمبر/ أيلول 2012)، إن أرامكو السعودية انتهت من تدشين آخر وحدتين لإنتاج الغاز الطبيعي في حقل كران بطاقة 600 مليون قدم مكعب يومياً. ويظهر ذلك تأخراً طفيفاً عمّا سبق إعلانه في أبريل/ نيسان حين كان من المتوقع أن يصل الإنتاج إلى 1.5 مليار قدم مكعب في يونيو. وتأخر المشروعات ليس جديداً على صناعة النفط والغاز وبضعة أسابيع ليست بالفترة الطويلة مقارنة بتعطل مشروعات لعدة سنوات وهو أمر شائع في صناعة النفط والغاز على مستوى العالم. إلا أن هذا يعني أن كران لم يكن يعمل بكامل طاقته في فترة يونيو ويوليو حين ترتفع درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها خلال النهار. وتعرض أي مشروع آخر للغاز الطبيعي في المملكة لمشكلات -وهو ما ليس غريباً على صناعة الطاقة - سيؤدي إلى تفاقم تأثير تأخر إنتاج حقل كران. ويشير هذ بدوره إلى أن السعودية ربما لم تستطع طرح كميات من الخام في السوق العالمية هذا الصيف بالقدر الذي ربما تكون قد أوحت به مستويات إنتاجها وهو الأمر الذي ربما عزز الاتجاه الصعودي لأسعار الخام منذ يوليو. وبالطبع لم تكن المملكة المنتج الوحيد الذي خفض صادراته في الصيف. فقد جاء إنتاج بحر الشمال ضعيفاً هو الآخر وانخفضت الصادرات الروسية نتيجة الطلب المحلي القوي وهبطت صادرات العراق نتيجة خلافات بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان شبه المستقل. وأدّى تشديد العقوبات الغربية على إيران لتفاقم شح الإمدادات في سوق الخام عالي الكبريت ولاسيما في سوق البحر المتوسط المهمة. وفي الصيف المقبل يفترض أن يتاح للسعودية إنتاج حقل كران بالكامل ويبلغ 1.8 مليون قدم مكعب يومياً. ومن المنتظر أن تعتمد السعودية على الغاز لتلبي جزءاً من الزيادة في الطلب على الكهرباء إن لم يكن كلها وحينئذ ربما ينخفض استهلاك الخام. ومع هذا لن تنتهي الزيادة الموسمية في الطلب على النفط في الشرق الأوسط وعلى رغم أن الحديث عن تحول السعودية في نهاية المطاف لاستيراد كميات من النفط تفوق ما تصدره يبدو غير واقعي إلى حد بعيد إلا أن استمرار المشكلات التي تعرقل تلبية احتياجات الكهرباء من موارد غير نفطية يبرز الحاجة لتغيير سياسة المملكة. وما دام هذا التحول لا يلوح في الأفق يتوقع التجّار أن تضعف قدرات السعودية في التأثير على السوق في كل صيف.
العدد 3670 - الأحد 23 سبتمبر 2012م الموافق 07 ذي القعدة 1433هـ