العدد 3667 - الخميس 20 سبتمبر 2012م الموافق 04 ذي القعدة 1433هـ

النفايات النووية في تونس... هل تعالج بشكل آمن؟

مخاطر صحية وبيئية كبيرة

تستعمل الطاقة النووية في تونس سلميا بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ثلاثة مواقع تخضع لرقابة وطنية ودولية، هي قسم الطب النووي في مستشفى صالح عزيز والمعهد الوطني للبحوث الزراعية والمركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية في سيدي ثابت شمال تونس. وتستخدم كذلك في حالات المداواة بالأشعة والتطبيقات الصناعية المستلزمة له. غير أن هذه الاستخدامات، وإن كانت سلمية، تخلف نفايات مشعة قد تشكل خطرا على البيئة ومصير الكائنات الحية على وجه البسيطة. فما هو مصير هذه النفايات النووية؟ وكيف يمكن لها أن تؤثر على صحة الإنسان وسلامة محيطه؟ وما حقيقة المقابر النووية التي يتداول أنها في الصحراء التونسية؟ ثم هل هناك حلول ممكنة لهذه المعضلة؟

مخاطر صحية وبيئية

(م.ع.ا) هو مواطن تونسي أصيل الجنوب التونسي يقطن قرب منطقة قليب الدخان، المتاخمة لولايتي قبلي وقابس قرب تطاوين، ويتنقل يوميا بحكم عمله إلى مدينة رجيم معتوق في ولاية قبلي في صحراء تونس الغربية. لقد أكد لنا وجود مقبرة للنفايات النووية (لا يدري إن كانت محلية أو مستوردة) على بعد 50 أو 60 كلم من مدينتي قابس وقبلي، ويفصلها عن مدينة قفصة نحو 100 كلم. وربط بين هذه المقبرة للنفايات النووية وارتفاع نسب الإصابة بمرض السرطان في هذه المنطقة بالتحديد. فولاية قبلي هي المنطقة الأعلى تسجيلا لنسب الإصابة بالأورام السرطانية على مستوى البلاد، وخصوصاً سرطان الأمعاء والمثانة المنتشر جنوباً، وفق المتخصصة في علم الأنسجة والخلايا المرضية في كلية الطب في سوسة سهام حميصة بالحاج صالح، التي أكدت أن نسبة الإصابة بالسرطان في تونس عموماً تتزايد من سنة إلى أخرى نتيجة المتغيرات البيئية.

بحسب المركز العالمي للبحوث في الأمراض السرطانية، تسجل تونس 156.6 حالة جديدة لكل 100 ألف رجل و106 حالات سنويا لكل 100 ألف امرأة. كما ذكرت إحصائية رسمية حديثة عن المعهد الوطني للإحصاء أن أكثر من 12 ألف تونسي يصابون سنويا بالسرطان، علما أن تونس تعد 10 ملايين نسمة.

المواطن (م.ع.ا) ذكر أن أهالي المنطقة راسلوا جهة ألمانية مختصة لاختبار عينات من التربة والمياه، بعد أن تمت ملاحظة حالة تلوث المياه وتأثر إنتاج قطاع التمور. وأضاف أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي أنشأ في المكان الذي يعتقد أنه مدفن للنفايات النووية ميدانا للرماية المدفعية والمناورات للتمويه.

النفايات التي تنتج من محطات توليد الطاقة، مثل اشعاعات بيتا وجاما، لا تشكل خطراً كبيراً لصغر حجمها النسبي، بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تشرف على معالجة هذه النفايات حول العالم. بيد أن هناك نفايات قوية الإشعاع تشمل العديد من النظائر المشعة والتي تشع جسيمات ألفا مثل الببتونيوم والبلوتونيوم، وهي نظائر عالية النشاط الإشعاعي الذي يستمر لفترات زمنية طويلة جدا.

وقسم مدير المعهد العالي للعلوم البيولوجية التطبيقية في تونس سعيد نويرة المخاطر البيولوجية لهذه الإشعاعات إلى قسمين: بدنية ووراثية. في القسم الأول، تصيب هذه الإشعاعات الخلايا التناسلية كلها، أي ان أعراضها تبدو واضحة للعين على أي كائن حي تعرض لها. أما المخاطر الوراثية، فأوضح نويرة أنها الآثار التي تظهر أعراضها في ذرية الكائن الحي المتعرض للإشعاع نتيجة تلف أعضائه التناسلية.

من جهة أخرى، أكد الجيولوجي أنيس البركوتي أن النفايات النووية المشعة لها تأثير مدمر على البيئة. فالدراسات الجيولوجية الحديثة، بحسب قوله، توصلت إلى أنها تتسرب إلى المياه الجوفية أو السطحية، وتساعدها السيول وعوامل العري المتواصلة والتحرك الجيولوجي للأرض والمياه على الانتقال من مكان إلى آخر، فتساهم في نشرها على نطاق واسع. وبما أن المياه تغذي السدود المحيطة والقريبة من مكان طمر النفايات النووية المشعة، فإن التلوث ينتقل إلى الناس الذين يستخدمون المياه وحيوانات الرعي التي توفر الحليب واللحوم.

نفي رسمي... ولكن!

السلطات الرسمية، المتمثلة في كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا ووزارة الصحة العمومية ووزارة البيئة والتنمية المستدامة، تنفي تسبب نفايات مدفونة في رفع نسب الإصابة بالأورام السرطانية في الجنوب. وقد تم استجواب وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا السابق من طرف أحد نواب المجلس بشأن هذه المسألة، فقال إنه لا وجود لنفايات نووية غير مراقبة في تونس، ما قد يكون اعترافاً ضمنياً بوجود نفايات نووية مراقبة.

غير أن مصدراً مسئولاً في حزب تونس الخضراء، الذي يعنى بالبيئة كأولوية قصوى، أكد لنا أن الحزب تلقى تقارير علمية من قبل خبراء في معهد دراسات المناطق القاحلة سابقا الذي توقف نشاطه لأسباب مجهولة وجمعيات بيئية عن نية إحدى المؤسسات السويسرية دفن نفايات نووية أجنبية في صحراء تطاوين تحت غطاء غرس أشجار الكلتوس. وهو ما أكدته لنا جمعيات غير حكومية تعنى بالبيئة في تطاوين، واصفة هذا المشروع بالمشبوه لعدم أهلية المكان المرشح له للاستعمالات الزراعية.

وقد حصلنا على وثيقة عرضت على المجلس الوطني التأسيسي التونسي المنتخب في مشروع الموازنة لسنة 2012 تحوي بندا قانونيا يقضي برفع الأداء الجمركي على الخراطيش الفارغة والملوثة بالإشعاعات النووية والتي تستورد إلى تونس، أي ان هذه المواد معفاة من المعلوم الديواني.

عن هذا البند، حاولنا استفسار أحد أعضاء تحرير مشروع الموازنة عبر طلب مقابلة منذ 15 أبريل/ نيسان 2012. وحتى كتابة هذا النص لم نتلق رداً.

بدوره، صرح النائب ابراهيم القصاص، بأنه تساءل بمعية زميل آخر له في المجلس عن حقيقة هذه المسألة وطالب بفتح تحقيق موضحاً أنه لم يتلق رداً حتى الآن.

استراتيجية التخلص من النفايات النووية

صرح رئيس قسم الطب النووي في مستشفى صالح عزيز محمد فوزي بن سليمان بأن تونس وضعت استراتيجية وطنية يسهر على تطبيقها عدد من الخبراء والكفاءات المحلية. وبزيارتنا مستشفى صالح عزيز، عاينا تخصيص 3 براميل للنفايات المشعة السائلة، سعة البرميل الواحد 2000 ليتر. وأكد بن سليمان أن هذه النفايات تخزن في براميل حتى تفقد إشعاعها وتصبح ميتة فتسرب في قنوات الصرف الصحي.

مديرة المركز الوطني للحماية من الأشعة عزة حمو أكدت أنه لا يتم إدخال أي مولد للأشعة إلى تونس من دون علم هذا المركز، بهدف مراقبة مدى احترام مستخدمي هذه الأشعة لاتفاقية الاسترجاع للمزود الأصلي. وترجع حمو غاية استرجاع هذه النفايات أو إعادتها وتسليمها لمزودها الأصلي إلى اختلاف نسب خطورتها بحسب نشاطها الإشعاعي وخصائصها الفيزيائية والكيميائية، إضافة إلى مدة صلاحيتها. فهناك نفايات تتفاوت أعمارها من سويعات إلى مئات آلاف السنين. كما أكدت أن تونس لا تحتفظ بالنفايات النووية المشعة لمدة طويلة جدا.

أما المواد الصلبة، كالحقن المحتوية على كمية إشعاع ضئيلة بعد استعمالها، فيحتفظ بها في حاويات مكونة من مادة الرصاص وتعزل حتى تتلاشى كل إشعاعاتها فتلقى كالفضلات العادية في مصبات مراقبة قانونية.

الهيئة العربية للطاقة الذرية هي هيكل ينضوي تحت جامعة الدول العربية، اختارت تونس مقرا لها. توجهنا إليها لمحاورة مديرها عبدالمجيد محجوب عن الطرق المتداولة للتخلص من النفايات النووية. فأجاب بأنه عادة ما يتم دفن هذه النفايات في باطن الأرض، أو تلقى في البحار والمحيطات، ما يهدد الثروة السمكية والإنسان. وأضاف أن بعض البلدان ترسل الفضلات النووية المشعة إلى الفضاء الخارجي عن طريق صواريخ معدة للغرض.

وعن الطرق الآمنة للتخلص من هذه النفايات السامة جدا، أوضح محجوب أنها تختلف بحسب حجم الإشعاع الصادر عنها ونوعيته ومدى خطورته. وذكر طريقة تعتمد على وضع هذه المواد بعد تبريدها في باطن الأرض وإحاطتها بطبقة من الاسمنت أو الصخور. ويمكن كذلك حفظها بمواد عازلة من الخزف أو الزجاج عبر خلطها مع مواد كلسية وصهرها في درجة حرارة عالية لتصب في وعاء صلب غير قابل للصدأ وتدفن على عمق يتراوح بين 800 و1000 متر تحت سطح الأرض. لكنها تبقى مصدر خطر، بحسب قوله، لمدة زمنية طويلة قبل أن تتلف. وأفاد محجوب كذلك بأن العلماء يتوقعون استخدام البكتيريا مستقبلا للتخلص من النفايات النووية عبر تطوير نوع معين من البكتيريا عن طريق الهندسة الوراثية. لكنه قال إنه لا وجود حتى اليوم لنظام آمن للتخلص من النفايات النووية. إذ ان نفايات الطاقة النووية، وإن كانت سلمية، لها مخاطر على المدى القصير والطويل سواء تخلصنا منها بحرا أو برا أو حتى فضائيا، ووصفها بأنها سم بطيء للكائنات الحية. وعن إمكانية إعادة تصنيع النفايات المشعة شأن النفايات العادية، قال محجوب إن ذلك مستحيل لأنها شديدة الخطورة، إذ تحوي 95 في المئة من إجمالي النشاط الإشعاعي للطن الواحد وقد يستمر إشعاعها لنحو 200 ألف سنة.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت تقريرا عام 2007 أبرزت فيه أن التخلص من هذه النفايات عن طريق الدفن العميق أو الإغراق لا يحول دون المخلفات الإشعاعية التي تمس التربة ومصادر المياه وتهدد حياة الإنسان.

لكن العالم والباحث التونسي الأصل محمد الأوسط العياري توصل من خلال أبحاثه في جامعة مانيتو الكندية بين 1988 و1991 إلى ضبط خاصية علمية لبيوت جوفية وهياكل تحت الأرض مؤهلة لتخزين مواد ونفايات نووية بشكل يحد من خطرها إلى حين ذوبانها واضمحلالها نهائيا. وفي انتظار الاستفادة من هذا الاكتشاف، تبقى المخاوف مشروعة ومبررة.

العدد 3667 - الخميس 20 سبتمبر 2012م الموافق 04 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً