العدد 2478 - الجمعة 19 يونيو 2009م الموافق 25 جمادى الآخرة 1430هـ

بعد الانتخابات: أين هو لبنان؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

تشير النتائج النهائية للانتخابات اللبنانية بوضوح إلى استمرار الوضع السياسي الراهن. بالكاد تغير توزيع المقاعد البرلمانية بين الكتلتين المتصارعتين. حصل تحالف الأغلبية (14 آذار) من السُنة والدروز وجزء كبير من الموارنة بقيادة سعد الحريري، ابن الزعيم اللبناني رفيق الحريري الذي تعرض للاغتيال، على 68 مقعدا (أي بخسارة مقعد واحد). في الوقت نفسه، حافظت المعارضة (8 آذار) المكونة من الأحزاب الشيعية أمل وحزب الله، الذي حافظ على 11 مقعدا، والحركة الوطنية الحرة بقيادة الجنرال الماروني السابق ميشال عون، على قوتها البرلمانية. وقد حصل المستقلون على بقية المقاعد البرلمانية (بزيادة مقعد واحد، مقارنة بالانتخابات السابقة عام 2005).

يتساءل المرء، عند النظر إلى الوراء، لماذا اتسمت الأسابيع القليلة الأخيرة التي سبقت الانتخابات بقدر كبير من التوتر والقلق من أن حزب الله سيكتسح ويحوّل لبنان إلى دولة شيعية ثورية أخرى مثل إيران، مع معانٍ ضمنية بعيدة الأثر للبنان والمنطقة بأسرها. وبالطبع، كان الحفاظ على الوضع الراهن هو الذي أدى إلى تصريحات عديدة بالرضا من قبل زعماء تحالف 14 آذار والعديد من المعلقين الإسرائيليين والغربيين.

وقد يبقى السؤال معلقا فيما إذا كانت بوادر القلق المبكر حول نصر حزب الله المتوقع معتمدة على تكهنات فقط، أم أن الزيارات التي قامت بها قبل الانتخابات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونائب الرئيس جو بايدن قد قلبت الموازين باتجاه المعتدلين. أم هل أن نداء البطريرك الماروني نصر الله صفير في اللحظة الأخيرة لأتباعه بالتصويت من أجل الحفاظ على هوية لبنان، أي لبنان تعددي ومتعدد الأديان مقابل لبنان يهيمن عليه الشيعة وبهامش ضيق، هو الذي قرر النتائج النهائية؟ ولكن لنضع حمى الانتخابات جانبا، فنتائج الانتخابات لا تشير إلا بتغيير محدود في سياسة لبنان، محليا وإقليميا.

جاءت الانتخابات بعد أربع سنوات متقبلة، أثبتت خلالها حركة حزب الله التي تدعمها سورية مرة أخرى أنها في الواقع هي القوة السياسية المهيمنة في لبنان بغض النظر عن عدد أعضائها في البرلمان. وتنبع قدرات حزب الله من حقيقة أنه، ومنذ العام 1991، كان يشكّل الميليشيا الشرعية الوحيدة في البلد، يبرره بشكل ظاهري مقاومته المسلّحة ضد إسرائيل، بينما يلعب في الوقت نفسه دورا متناميا في النظام السياسي اللبناني. ومع انسحاب إسرائيل من طرف واحد من جنوب لبنان عام 2000، وقع حزب الله تحت الضغوط لتفكيك مليشياته وأن يصبح حزبا سياسيا صرفا. وهذا أمر رفضته الحركة بدعم كامل من أمل، الحركة الشيعية الأخرى، إضافة إلى سورية وإيران.

وبالطبع، كان قرار اختطاف الجنديين الإسرائيليين على الحدود في يوليو /تموز 2006 هو قرار حزب الله وحده، ولكنه وضع لبنان في حرب شائكة طويلة ومكلفة. ومرة أخرى وفي الصيف الماضي أثبت حزب الله هيمنته كأمر واقع في لبنان عندما أثبت قدرته العسكرية في العاصمة بيروت. وقام عمليا بشلّ قدرة الحكومة على التصرف. وقد أعطت اتفاقية الدوحة، التي أنهت الأزمة، حزب الله «الثلث زائد واحد» من عدد المقاعد في الحكومة، الذي يعني بالتعابير الدستورية اللبنانية الفيتو على أي قرار حكومي. وقد تم التعبير عن مدى أهمية أن يظل حزب الله رافعا لواء «المقاومة» ضد إسرائيل من قبل قادته الذين أصروا أن الانتخابات كانت في الواقع «استفتاءا على المقاومة».

قد يكون فوز تحالف 14 آذار الذي ينظر إليه على أنه «مساند للغرب» ومتحالف مع الأنظمة العربية الوسطية مؤشرا على أن إدارة الرئيس أوباما نجحت في جهودها لضمان النصر لأتباعها اللبنانيين ضد محور سوريا - إيران - حزب الله. وهذا بالتأكيد يبرر الدعم المالي الأميركي المستمر للبنان وجيشه. إلا أنه من ناحية عملية، ورغم حقيقة أن تحالف 14 آذار فاز بـ 68 مقعدا (وهي غالبية في برلمان يبلغ حجمه 128 مقعدا) فإنه من المشكوك فيه أن يكون باستطاعتهم ترجمة ذلك إلى القدرة على إجراء تغييرات مهمة في سياسات لبنان المحلية والخارجية.

واقع الأمر هو أن هناك أسبابا جيدة لتصديق زعمي التحالف السني الدرزي الفائز سعد الحريري ووليد جنبلاط بالترتيب، الذين عبروا عن رغبتهم بالاستمرار في «الحوار الوطني» والتعاون مع المعارضة ضمن حكومة وحدة وطنية. من الواضح أنه لا توجد لديهم أوهام بإمكانات نزع سلاح حزب الله، إذ أن أية محاولة كهذه تشكل وصفة أكيدة لحرب أهلية متجددة في هذا البلد متعدد الأديان والمقسّم عرقيا. وقد ظهر هذا الشعور بعدم توفر مساحة كافية للمناورة، وربما الحاجة لتخفيف مصادر القلق لدى الفصائل الشيعية وحلفائها الإقليميين، ظهر بوضوح في توضيح الحريري، الذي قدمه بعد الانتخابات بيوم واحد، بأن لبنان سيكون آخر دولة عربية تعقد سلاما مع إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، لا تستطيع اليد التي مُدّت من قِبَل قوات 14 آذار للمعارضة أن تضمن بنفسها مفاوضات سلسة وسريعة حول تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية. يعتمد الكثير على التنسيق بين الراعين الإقليميين للقوى اللبنانية المتناحرة كإيران وسورية والسعودية بالدرجة الأولى. قد يصر تحالف 14 آذار على أن اتفاقية الدوحة ليست سارية المفعول بالنسبة للحكومة الجديدة، الأمر الذي قد يؤدي إلى شلّ المفاوضات ويطلق المجال لاضطرابات محلية. ولكن بما أن الدولة مازالت تطاردها ذكريات حديثة للحرب الأهلية والدمار الذي شهدته قبل ثلاث سنوات فقط على أيدي إسرائيل، فلن يكون من المدهش إذا اتصفت جميع الفصائل الرئيسية بالحكمة والمنطق. ويدعم هذا التقييم حقيقة أن الحملة الانتخابية تمت بسلاسة واستمر التصويت ليوم واحد فقط، وهو أمر يحصل للمرة الأولى في تاريخ هذا البلد. من المؤكد أنه وبالرغم من أحداث متقطعة انتهكت قانون الانتخابات فقد حقق لبنان إنجازا ملفتا للنظر في ممارسته للعملية الديمقراطية.

إلا أنه يتوجب علينا أن نتذكر أن الديمقراطية ليست انتخابات رسمية فحسب. بالطبع، ورغم توقعات حزب الله المحبَطة اعترف زعيمها حسن نصر الله بأسلوب ودود بنتائج الانتخابات. يمكن في هذا المضمون توقع أن تقوم الشخصيات الرئيسية من كل من الغالبية والأقلية، رغم الحاجة التي تم التعبير عنها بشكل واسع لإجراء إصلاحات سياسية، بإعطاء الأولوية لحماية النظام الطائفي للتشارك في السلطة، الذي يرتكز على الهوية الدينية (والذي يقسّم السلطة بشكل متساوٍ تقريبا بين المسيحيين والمسلمين وبين المجموعات الفرعية ضمن هذه المجموعات الرئيسية). ومن المحتمل كذلك أن يستمروا في الإبقاء على مؤسسات الدولة ضعيفة، وهو شرط مسبق ضروري للإبقاء على المصالح والقوى الطائفية والمحلية المترسخة، التي طالما شكّلت عناصر رئيسة في سياسة لبنان الحديث. ففي دولة تسيطر عليها عمليا الميليشيات الطائفية ذات الولاء القوي لإيران وسورية، وبناء على نظام هش للتشارك في السلطة، يبقى لبنان قابلا للاشتعال وضعيفا ومعرضا للتدخلات الخارجية والتذبذات الإقليمية كما كان دائما.

*أستاذ دراسات الشرق الأوسط بالجامعة العبرية بالقدس، متخصص في العلاقات العربية العربية والإسرائيلية العربية إقليميا وتاريخيا، وفي السياسة والمجتمع الفلسطيني المعاصر. ويُنشر هذا المقال بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2478 - الجمعة 19 يونيو 2009م الموافق 25 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً