کان الفيلسوف ابن سيناء يقول: «اللهم إني أسألك عمراً عريضاً»... أي عمراً حافلاً بالإنجاز.
ويمكن القول إن حياة عالم الدين السيدجواد الوداعي قد تحقق فيها هذا الدعاء، وفي ظنّي أن تكريم شخصية بوزن ومكانة السيد الوداعي تأخر لأكثر من ثلاثين عاماً على الأقل، والتكريم بكل دلالاته الإيجابية ومغزاه الاجتماعي النبيل جاء مشوباً بنواقص هي بحكم الضرورة سمة من سمات أي جهد بشري، غير أنها هنا نواقص كان بالإمكان تلافيها بقليل من الحرص والعمل والإعداد الجيد لمناسبة يستوجب سمو مكانة المكرّم إيلاءها حرصاً أكبر واستعدادات أكثر جدية. فحتى يؤتي التكريم ثماراً يانعة لابد له من أن يتجاوز الحدود الشكلية واللحظية ليعانق أفقاً أوسع ومدى أبعد لحدث يراد له أن يعيش في ذاكرة الجيل المقبل من الذين ربما لا يعرفون الكثير عن تاريخ وطنهم والأيقونات الذهبية التي صنعت أمجاداً مضيئة في مجتمعاتهم عبر عطاءاتهم العميمة.
لقد شهدت البحرين قبل نحو خمس سنوات تدشيناً لعرف حسن توقعت شخصياً أن تزداد وتيرته لولا موانع السياسة وطوارئها الرديئة، تمثل هذا العرف القصير الأجل في إقامة عدد من الفعاليات الثقافية على شكل ندوات ومؤتمرات يتنادى لها عدد من الباحثين والشعراء والمؤلفين وأصحاب الاهتمام، وتقدّم فيها أوراق بحثية ذات قيمة معرفية عالية، ثم يجري طباعة المشاركات المتميزة منها في كتاب تعميماً للفائدة في محاولة لنفض غبار الإهمال والنسيان لتراث ثقافي وديني عريق واسع الأكناف، متعدد الجوانب، بعيد الغور.
ولعلي أستذكر من هذه الفعاليات ثلاثاً، هي: فعالية أسبوع «زين الدين الثقافي» الذي عقد في الفترة 21-27 يونيو/ حزيران 2007 في كرزكان؛ والمؤتمر المتميز شكلاً ومضموناً والذي نظمه مجلس الحاج منصور بن إبراهيم آل عصفور وحمل عنوان «العلامة الشيخ حسين آل عصفور: الرسالة والموقف» في الفترة 14-16 مارس/ آذار 2010؛ وأخيراً «ملتقى المحدِّث الشيخ عبدالله السماهيجي» الذي نظمته هيئة الوسيلة ومؤسسات قرية سماهيج في الفترة 6-7 مايو/ أيار 2010. والقاسم المشترك في كل هذه الفعاليات الثلاث أنها جاءت بمبادرة من جهات أهلية، وتم الإعداد الجيد لها، كما تم استضافة باحثين وشعراء ومؤرخين قدموا رؤى متميزة في جانب من جوانب التاريخ الثقافي والديني في البحرين، لا يحظى في العادة بالاهتمام اللائق في إطار استراتيجية ممنهجة لتشكيل تاريخ بلد يعاني فيه تاريخه من سياسته.
جاءت الوقفة التكريمية للسيد الوداعي (89 عاماً) في حفل افتتاح العام الدراسي للحوزات العلمية في البحرين الذي جرى صباح الخميس 13 سبتمبر/ أيلول 2012، في فقرة خاصة خلال حفلها الذي أقيم في صالة الغدير بمنطقة سار، حيث رأت اللجنة المنظمة لحفل الحوزات إضافة فقرة خاصة بتكريم هذه الشخصية الكبيرة. وهو أمر طيب يُحسب للجنة المنظمة للحفل والتفاتة كريمة منها، وخصوصاً أنها تجري في ظروف استثنائية تمر بها البلاد، غير أن ذلك لا يعفي المؤسسات العلمية في البحرين في اعتقادي من إقامة فعالية أخرى تسلط الضوء على مكانة هذا الرجل وإبراز دوره الديني والاجتماعي والثقافي بشكل أكبر.
لا يمكن اختصار حياة عريضة كتلك التي عاشها السيد الوداعي في مساحة تقصر عن بلوغ جزء يسير من حقه، ليس على مستوى النشاط الديني فقط، بل - وهذا هو الأهم - على مستوى إيجاد التوازن الصعب والضروري في دعم الجهود الحريصة على التماسك الاجتماعي وإبطال مفعول الأصوات النافرة ذات الاهتمامات الضيقة والتي لايزال يتردد صداها في دهاليز الذاكرة، وإن خفّت بشكل كبير على وقع المحنة السياسية وهدير الاستبداد الطاحن الذي نعيش.
شهدت الحياة العريضة للسيد جواد بن السيد فضل الوداعي المولود عام 1923 تحولات سياسية ضخمة في البلاد، وعايش خمسة حكام بدءاً من الشيخ عيسى بن علي (ت 1932) وكان شاهداً على قرن كامل من الأحداث التاريخية والوطنية الهائلة وله ذكريات يرويها، وبالإمكان تقسيم حياة السيد الوداعي العلمية طبقاً لمراحل حياته:
المرحلة الأولى: تمتد منذ ولادته إلى حين هجرته إلى العراق لتحصيل العلوم الدينية (1923 - 1956) وتبلغ 33 عاماً، وفيها تفتح وعيه على الحياة والدرس الشرعي.
المرحلة الثانية: مرحلة الدراسة في النجف الأشرف (1956م - 1974) وتبلغ 18 عاماً وفيها عايش كوكبة من كبار علماء الحوزة والمرجعية الدينية، وارتبط بشكل خاص بالشيخ محمد أمين زين الدين ومرجعية السيدمحسن الحكيم وتأثر بالأخير تأثراً بالغاً، ويروي عنه الكثير من الطرائف والقصص.
المرحلة الثالثة والأخيرة: مرحلة العودة والاستقرار في البحرين (بدءاً من العام 1974) وتبلغ حتى الآن 38 عاماً، وفيها يبرز عطاء السيد وتتبلور ملامح أبوته الروحية ورعايته للحالة الدينية في البلاد، وتمثل الفترة الأغزر إنتاجاً على الصعيد الاجتماعي والديني.
انخرط السيد الوداعي في دراسة العلوم الدينية بفعل التأثر الكبير والالتصاق اليومي بجده لأمه السيدعلي بن السيد يوسف الوداعي (1867-1955) الذي كان يحظى بمكانة كبيرة في المجتمع البحريني بسبب نشاطه التبليغي الواسع، متنقلاً على ظهر دابته في قرى البحرين في النصف الأول من القرن الماضي.
يشكل الدين في البحرين، كما في معظم الدول الخليجية، ركناً ركيناً في حياة الناس، فالمنظومة الاجتماعية والفكرية المستقرة إسلامية الواقع والجذور، والإسلام ليس تياراً فكرياً، ولا صرعة اجتماعية، إنما هو وجود وواقع ونشأة وتاريخ وجغرافيا وبيئة.
وقبل منعطف الثمانينيات، كان الدين غريباً، ليس بمعنى الغياب كسلوك وثقافة، بل بما يعنيه الدين كمنظومة ثقافية، وكوضوح، وهي أمور كانت مرتبطة إلى حد بعيد بملابسات التحول الاجتماعي الذي صاحبت مجتمعاً بدأ للتو يستيقظ على وقع هدير تدفق آبار النفط ونعيم عوائدها الاقتصادية الضخمة، ما يعني حداثة التعليم والنهضة والتنمية الاقتصادية المتعثرة.
أربعون عاماً في تسيير حملات الحج والعمرة، و38 عاماً قضاها السيد الوداعي على أعواد المنابر واعظاً ومؤسساً لخطاب فقهي متفرد، كان يستشعر أهميته في مجتمع مسكون بعطش عارم لثقافة الحكم الشرعي. ونحو أربعين عاماً من العمل المنظم الرامي لتدعيم العمل الإسلامي وإرساء قواعد الحالة الدينية، وتأسيس ورعاية الحوزات العلمية للرجال والنساء، أبرزها حوزة الإمام الباقر للدراسات والمعارف الإسلامية التي تأسست سنة 1990 بمباركة وإشراف متواصل من الشيخ محمد أمين زين الدين (1914-1998) تلاها تأسيس الحوزة النسائية في 2 سبتمبر/ أيلول 1991.
فإلى جانب وجود حوزتين علميتين قائمتين آنذاك هما: حوزة السيدعلوي الغريفي (ت 2011) في منطقة النعيم، والتي أسسها بُعَيد رجوعه من النجف نحو العام 1960، وحوزة الإمام زين العابدين للشيخ عبدالأمير الجمري (ت 2006) التي أسسها في العام 1985 في بني جمرة، جاءت حوزة الوداعي لتمثل نقلة واعدة في الدرس الشرعي، وبيئة حاضنة للعدد المتزايد من الطلاب القادمين من الحوزة العلمية في الخارج.
أعتقد أن مسئولية الحوزات العلمية والمؤسسات الأهلية والباحثين تجاه شخصية بمكانة السيد الوداعي، أكبر من وقفة اعتزاز خاطفة وسريعة تجري في قاعة مغلقة.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 3664 - الإثنين 17 سبتمبر 2012م الموافق 01 ذي القعدة 1433هـ
اللهم أحفظه
اللهم احفظه و أطل عمره يارب العالمين
الحق يقال
موضوع هادف ويعكس في ثناياه جانب مهم الا وهو لابد للامة ان تكرم علمائها وشخصية الوداعي بهذا التاريخ المشرف والمراحل التي قسمها الباحث تعكس بمجموعها فكر وانطلاقة لايمكن تجاهل دور هذه الشخصية .
وابسط حق له تكريمه
بورك قلمك واناملك
albeem
يستاهل التكريم
اطال الله في عمره
نسأل الله ان يحفظ عالمنا السيد الوداعي ويزيد في عمره و يسدد خطاه ويحققق امنياته .. بنصرة المظلومين .. آمين
والد المنطقة .. بوعلي السني
حقا .. يعتبر أهل رأس الرمان هذا السيد الجليل بمثابة الاب الروحي لها ... لاننا نشأنا وترعرعنا ونحن نرى شخصه الكريم في كل مناسباتنا أفراح أو أحزان .. وكان ومازال يشاركنا في كل أمورنا رغم كبر سنه ومرضه ... فحفظه الله وأطال عمره
البحرين غنية برجالها
تربة خصبة منتجة للرجال الافداد في كل زمن وزمان والنماذج كثيرة ومنهم السيد
والد البحرين
تكريم السيد حفظه الله لفتة جميلة تستحق الإشادة فالسيد الوداعي هو والد كل البحرين
الوداعي.. رجل دين بامتياز
شكراً على المقال الشيق.. والسيد الوداعي هو رجل دين بأمتياز ووجوده احد اسس حفظ الدين والمذهب بالبحرين. سعت السلطة جاهدة لإستمالته ناحيتها لكنه استعصى عليها.\r\nنسأل الله ان يطيل عمره ويحفظه من كل مكروه..
شكرا وحفظ الله السيد
بالفعل أستاذ وسام السبع لابد من تكريم مثل هذا الرمز الديني الكبير ،،، موضوع موفق ورائع تستحق الشكر عليه
بارك الله فيك وسدد خطاك
جزاك الله خيرا
واصل ايها المبدع وتخصص في هذا الابداع فكم نحن محتاجون لامثالكم
جزاك الله خيرا
اتمنى ان تواصل وتتخصص في هذا المنهج والطريق فهو مهم وتمتلكون انتم المقومات لهذا الامر ولكم الجر دنيا واخرة
أوافقك الرأي
فعلا .. لا يمكن تكريم العلامة السيد جواد الوداعي بتقديم درع وحسب، يمثّل السيد صمام أمان لكل المنعطفات السياسية والدينية وحتى المماحكات الاجتماعية كوقوفه سدا أمام التيارات الفكرية المناهضة للإسلام؛ وذلك بأسلوب يذكّرك بحياة أجداده الطاهرين، الأسلوب السلمي والحجة المقنعة.. حفظ الله أبانا الروحي وجعله قدوة نحتذي به جميعا
وداعيه
اطال الله في عمره وجعله ذخرا لكل ابناء هذا الوطن فالوالد حفظه الله دائما يشملنا برعايته فهو اب اليتيم ومعين الضعيف فأسأل الله ان يمد في عمره ويحفظه من كل شر
موضوع شيق
موضوع شيق وحافل بالمعلومات.. شكرا للكاتب
مثال الزهد والورع والعطاء .. السيد الوداعي
بورك فيك أخينا وسام بكتاباتك الهادفة والتي تعكس أصالة ثقافة هذا الشعب المعطاء. وأثني على تناولك لعلم ورع من أبناء بحريننا في مجال الدعوة والتبليغ مثل السيد العلامة الوداعي حيث لا بد من تكريم هذا السيد الكريم بما يليق بمكانته العلمية والاجتماعية في دنيا الإسلام. أطال الله في عمره رافدا للوعي الديني والاجتماعي وزاهدا نحو درب الاسلام. سلمت أناملك أخينا العزيز وسام.
المثل الاعلى
هذا هو رجل الدين الذي لا يكل ولا يمل من العطاء نسأل الله ان يمد في عمره أكثر واكثر لنستمد من وجوده المبارك ربي يحفظك يا سيدنا ووالدنا المجل
اللهم احفظ علمائنا الابرار
نسأل الله ان يحفظ عالمنا السيد الوداعي ويزيد في عمره و يسدد خطاه ويحققق امنياته .. بنصرة المظلومين .. آمين