قبل ربع قرن، أدى أحد أعظم التحديات التي تواجه الإنسانية (تآكل طبقة الأوزون التي تحمي الحياة على الأرض من الأشعة الشمسية فوق البنفسجية الضارة) إلى ما يمكن القول بأنه أفضل مثال حتى الآن على التعاون العالمي بشأن مسألة بيئية. فبروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون لا يمثل فقط نجاحاً في الوفاء بأهدافه المباشرة، بل يوفر أيضاً دروساً مهمة، ومصدرَ إلهام في مواجهة التحديات العالمية الأخرى، وتحويلها إلى فرص للتقدم المشترك.
وإذ نتطلع إلى التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، ومواجهة التهديدات البيئية الأخرى، وتنفيذ نتائج مؤتمر ريو+20 بشأن التنمية المستدامة، تُبرز قصة بروتوكول مونتريال الفوائد الممكن جنيها من السعي إلى تحقيق اقتصاد أخضر جامع، وهي تبيِّن أنه يمكن، عند العمل لمعالجة مسألة بعينها، معالجة مسائل أخرى كثيرة أيضاً.
وفي ظل التخلص التدريجي على نطاق العالم من نسبة 98 في المائة من الغازات المستنفدة للأوزون في المنتجات الاستهلاكية والصناعية والزراعية، تسير طبقة الأوزون الآن على مسار التعافي على مدى العقود الخمسة المقبلة. وتم بالفعل تجنب الملايين من حالات سرطان الجلد والساد (إعتام عدسة العين)، بالإضافة إلى الآثار الضارة للإشعاعات فوق البنفسجية على البيئة. وحفّز البروتوكول أيضاً قدراً كبيراً من الابتكار في مجالي الصناعات الكيميائية وصناعة المعدات، وهو ما أسفر عن نظم تبريد أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأكثر مراعاة للبيئة.
وعاد العمل الجاري في ظل البروتوكول كذلك بفوائد جمة بالنسبة للمناخ؛ فقد تم التخلص تدريجياً من الكثير من تلك المواد، مثل مركبات الكلوروفلوروكربون التي كانت تُستخدم في السابق في منتجات مثل مستحضرات تثبيت الشعر، والتي تُعد من غازات الاحتباس الحراري المهمة. بيد أن التحديات لم تنته، ويتعين على الحكومات الحفاظ على التزامها بإتمام المهمة وتجنب المشكلات الإضافية. فثمة نمو سريع في استخدام مركبات الهيدروفرولوكربون - وهي مواد كيميائية غير مضرة بطبقة الأوزون، لكنها أيضاً من غازات الاحتباس الحراري القوية - للحلول محل المواد المستنفدة للأوزون.
وقد دلّل بروتوكول مونتريال على أن المبادئ الأساسية - مثل صنع السياسات على أساس علمي، والنهج الوقائي، والمسئوليات المشتركة ولكن المتباينة، والإنصاف داخل الأجيال وفيما بينها - يمكنها أن تعود بالنفع على جميع الأمم.
وفي هذا اليوم الدولي لحفظ طبقة الأوزون، أتقدم بالتهنئة إلى جميع أولئك الذين جعلوا من بروتوكول مونتريال هذا المثال البارز على التعاون الدولي. وأحث الحكومات وجميع الشركاء على التحلي بنفس الروح في مواجهة التحديات البيئية والإنمائية الكبرى الأخرى لزمننا.
ومعاً، نستطيع تحقيق المستقبل الذي نبتغيه.
إقرأ أيضا لـ "بان كي مون"العدد 3663 - الأحد 16 سبتمبر 2012م الموافق 29 شوال 1433هـ