خلال أسبوعيْن مَضَيَا حَدَث أمرٌ مؤسف في سورية. فقد بدأ يستعر خطابٌ «افتراضي» في وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، يحمل صبغة عنصرية وطائفية تجاه الأغيار. الخطاب، يستهدف التعريض، بلهجة أهل الساحل السوري، عبر التهكُّم من بعض كلمات محليَّة يستخدمونها، مثل (كيفك فيا) أو (قرد ولو)أو (كيسه)، هي في الأساس لا تستخدم إلاَّ كموروث اجتماعي وثقافي في المجتمع السوري كما نقل ذلك سيريا بوليتيك.
والمعروف أن أهل حمص وأهل حَلَب وأهل الشام وسكان جبل العرب والساحل والقامشلي وأهل دير الزور كلٌ له لهجته السورية المحليَّة، يعرف فروقها السوريون وحدهم. وقد استمعت إلى حوار إذاعي قبل فترة، ضم شخصية سياسية موالية للنظام السوري مقيمة في لندن، وبين شخصية سورية معارِضة، قدَّمت للمذيع لاجئة سورية، قالت إنها من حِمص وشَرَحَت له محنة تشرُّدها بسبب القصف، فردَّ الضيف الموالي رامياً تفنيد حديثها، بأن لهجة هذه اللاجئة ليست حمصيَّة، بل هي شاميَّة.
في كلُّ الأحوال، فإن أهل حمص وحلب والشام في سوادهم الأعظم هم من الطائفة السُّنيَّة. وسكَّان جبل العرب في سوادهم الأعظم هم من طائفة الموحدين الدروز. وأهل الساحل السوري هم من الطائفة العلوية. وما عَناه ذلك الخطاب المتطرف المعني بالتهكم من لهجة أهل الساحل، هو الإشارة إلى أن العلويين، هم متخلفون اجتماعياً وعلمياً، وهم الحاكمون في سورية منذ ثلاثين عاماً، وهم الذين يرتكبون الجرائم ضد الثوار.
وعلى رغم أن هذا النفَس يحمل صبغة طائفية، كَوْن القائمين عليه أصوليين، والمستهدفون فيه من العلويين، إلاَّ أن الخطاب ذاته كان قد تعرَّض أيضاً لأهل السُّويداء وهم من الدروز، وأيضاً لأهل حَلَب وهم من الأغلبية السُّنية الموالية لنظام بشار الأسد، الذين نعتوهم في غير مرَّة بالعمالة لنظام منحهم امتيازات، وأعفاهم من الضرائب، أو كما قال عمر أبوشامي لمراسلة رويترز: «جميعهم جبناء وخونة، ليس هناك رجال في حلب»! نعم، الفارق، أن التهكُّم الأول كان بنزعة طائفية، وفي الثاني كان بنزعة سياسية.
في كلّ الأحوال، فإن هذا المنحى العنصري ليس أمراً جديداً. لقد أشبِعَ التاريخ من أمثال ذلك، وإن بدوافع مختلفة: سياسية/ عرقية/ طائفية، والتي سمَّاها أستاذ اللسانيات الاجتماعية لويس جان كالفي بـ «ايديولوجِيُّو التفوُّق». لقد ذَكَرَ كالفي، أن الإغريق، وجدوا وسيلة مريحة لتصنيف العالَم من خارج ملَّتِهِم، فصنفوا كل مَنْ لا يتكلَّم الإغريقية من صنف البرابرة المتوحشين (Barbaroi). وقد نقَلَ القاموس الفرنسي ليتْري نصاً من القرن الرابع عشر جاء فيه «البرابرة، كلُّ مَنْ كانت لغتهم غريبة». ثم يذكر أنطونيو دو نبريجيا في كتابه عن نحو اللغة الإسبانية في العام 1492 أن «البَرْبَرَةُ عَيْبٌ لا يمكن التسامح معه». للاستزادة، راجع كتاب: «حرب اللسانيات والسياسات اللغوية» لـ لويس جان كالفي.
أعود إلى الحالة السورية. فإن دخول مثل هذه النزعة على الثورة السورية، يجعل الأمر خطيراً جداً. وبالتحديد، حين تنتهج جماعات أصوليَّة نزعة طائفية في تعاطيها مع الشأن السياسي. فالمعروف، أن العلويين هم أقليَّة، وهم في الحقيقة لا يحكمون سورية كما يعتقد البعض، وهي مغالطة يجب أن تُصَحَّح، بالنظر إلى هيكل الدولة السورية، وإلى حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية. وقد تناولنا هذا بالتحليل على صفحات «الوسط» ضمن الأعداد 3589 و3591 و3605، وبمعاينة دقيقة للبنية التحتية لمناطق الساحل وبين حمص أو حلب أو الشام، سيُرَى حجم الفارق، حيث مازال الساحل السوري (العلوي)، مُفقراً، ويعيش تخلفاً في البنية التحية إذا ما قورِن ببقيَّة المدن ذات الغالبية السُّنيَّة، فالنظام السوري يقوم على الأوليغارشيَّة السياسية القائمة على المنافع والمصالح التي تضمّ مَنْ يواليه على اختلاف أديانهم، وليس على القوام المذهبي الخامل بالنسبة له. والجميع يعرف أن مفتي سورية ليس علوياً، ولا صلاة الجمعة التي تبَث أسبوعياً هي صلاة يقيمها العلويون، بل بإمامة الشيخ البوطي ومن جامع بني أمية الكبير في دمشق، بل حتى صلاة الجنازة التي أقيمت على حافظ الأسد لم يقم بها عالِمٌ علوي، وإنما كانت بمراسم أهل السنة والجماعة وبشخص أحد علمائهم.
هذا المِخرَز خطيرٌ جداً على مطالب الثورة السورية، ويعطي النظام المزيد من الوقت لكي يلعب بورقة حماية الأقليات من الاضطهاد. كما أن هؤلاء يشكلون انطباعات يؤكدها الواقع، بأنهم لا يهدفون إلى خلع الأسد وهَدِّ نظامه من أجل إقامة نظام تعددي شفاف، وبعيد على الفساد، وإنما همُّهم الأول هو الاختصام مع الطوائف، والانتقام منها، وتطييف الفضاء العام للثورة السورية، وهو جُرمٌ كبير، سيكلِّف مشروع التغيير في سورية الكثير، ويجب تداركه من قِبَل عقلاء المعارضة السورية، في الداخل والخارج.
هم يجهلون، أن هناك من العلويين من هو معتقل ومَنْ هو شهيد، ومَنْ هو مشرَّد، ومَنْ هو ممنوع من السفر. وإذا ما قوربوا مع مجموع الكتلة البشرية التي تمثلهم في سورية، فإن رقمهم يصبح لافتاً. اليوم يجنح هذا الخطاب الشوفيني الطائفي، إلى إنتاج أفلام مفبركة، تظهِر أفراداً يقتلون سوريين، وهو يتبادلون الحديث بلهجة أهل الساحل. ولكن، وحين ندقق في تلك اللهجة (كما وقف عليها سيريا بوليتيك) سنراها ركيكة، مصطنعة، وهو ما يعني أن الجناة هم من غير الناطقين بها، وهم يفعلون ذلك تصنعاً في نطقها، فقط من أجل تجييش المشاعر، وإشعال النزعة الطائفية في المجتمع السوري.
اليوم، وكما مسئولية المعارضة السورية هو المواجهة السياسية مع النظام السوري، فإن عليها البدء في المعركة التصحيحية والفكرية للنشاط الثوري، لكي لا تحمل أوزاراً ستكون كلفتها عالية جداً في المستقبل القريب، وخصوصاً أنها تلامس جوهر البقاء بالنسبة للشعب السوري.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3661 - الجمعة 14 سبتمبر 2012م الموافق 27 شوال 1433هـ
للزائر رقم 8 علي نور
تقييمك للموضوع غير دقيق فإني شخصيا متابعة لما يكتبه الأستاذ محمد في الوسط وأختلف أحيانا وأتفق معه في أحيان أخرى في كتاباته لكني لم أجد ما تقوله من أن الكاتب قال بأن العلويين يتحكمون في سوريا . لقد رجعت لما كتبه حول ذلك فوجدت: ((النظام السوري هو غير ديني بالمطلق. هو علماني حتى النخاع. وبالتالي، فمن الخطأ أن يدَّعي أحدٌ أن النظام في سورية هو نظام علوي؛ فذلك مُجانبٌ للصواب تماماً، وهو ظلم للعلويين. هوية البلد الدينية، قائمة على التسَنُّن المحض، بدءًا من المفتي وانتهاءً بوزير الأوقاف)) العدد 3605
ردا علي علي نور
انا صحيح اختلف مع الاستاذ الكاتب في بعض مقالته او بعض أطروحاته ولكن لا اختلف معه بالمطلق كما هو حال جل قراء الوسط والموضوع عندهم داءما وابد مربوط طائفيا (قد تكون طائفيه سياسه او مذهبيه) اي مصلحة بقاء نظام الاسد مع مصلحة الطائفة دون النظر الي حقوق الناس والظلم الذي وقع عليهم. اي ان موضوع برمته اصبح خاضع للمصلحه. انا قد افهم اذا وقع هذا الفعل من دول ولكن ان يقع من افراد او اناس وقع عليهم ظلم ومازال ينادون برفع الظلم عنهم واسترداد حقوقهم (وانا اوافقهم في جلها) فهذا بالنسبه لي ظلما وانحرافا. يتبع
أأسف
بأن غالبية المعلقين يحفرون في النوايا و المؤامرات ولا يلتفتون لكلام الكاتب في عمقه و اهميته ، و الأهم من كل ذلك ، رسالته الداعية لنبذ الطائفية و الأستدلال اللغوي اللتي تبنى عليه .
علي نور
واخيرا .. سيدي الفاضل مقالك من بدايته الى نهايته منحاز وغير موضوعي، فالفاظك في المقال ( هذا علوي ..هذا درزي .. شامي ..سني .. ) الى اخرة الفاظ تم تضمينها في سياق المقال كي ياخذها المتلقى على نحو الارسال .. بغية زرعها في ذهن المتلقي لتاكيد وجود الحالة الطائفية في سوريه .
علي نور
الثورة السورية وطائفيتها كانت ولا تزال واضحة وضوح الشمس لكنك مع الاسف لا تريد ان ترة والا تريد ان تتكلم .. ثم انك لم تقل لنا من "وسائل الاتصال والتواصل الحديثة" التي عنيت .. ولا ندري لمادا ؟؟ ، حديثك عن العلويين وانهم
" في الحقيقة لا يحكمون سورية كما يعتقد البعض، وهي مغالطة يجب أن تُصَحَّح"
هادا الكلام قلت عكسة تماما في مقالاتك السابقة وقلت الن العلويين هم من يتحكمون في مفاصل الدولة السورية ام تراك تنسى؟؟؟ يتبع ....
علي نور
الكاتب المحترم .. بالامس القريب كنت (واحسب انك لاتزال) تقف مع الثورة السورية وتشاطرها الراي بان نظام الاسد عنصري طائفي شمولي يكذب حتى في نشرات الاحوال الجوية ..وقلت ان الاقلية -حسب كلامك- من الطائفة العلوية متحكمة بكل سوريا وما خليت ولا بقيت بل انك تبرعت -عبر مقالاتك - بتقديم نصائحك للجيش السوري الحر كي لا يفقد مصداقيته فادا بك اليوم تغير رايك فنراك تتحدث عن عنصرية ثورتك فما حدا على ما بدا دخول النزعة الطائفيه على ما تسمية الثورة السورية ليس بجديد كما تفضلت من زمان كانو عنصريي يتبع
والبحرين
في.احدى حلقات الراصد قال المذيع تهكما بلهجة احد اللاعبين
(( ما تعروف))
هذا ما اتذكره اما ما يحدث فهو برسم قلمكم
نعم
عندهم وعندنا خير يااستاد
واللبيب ......
المنحى الطائفي والعنصري في المعارضة السورية اضر الثورة
يااخي العزيز مع كل اسف نرى ونسمع من يقف ويدافع عن الثورة في سورية يهدد ويتوعد انه سوف يهدم ويفجر المساجد والاماكن المقدس عند الاخرين ويسمها معابد شرك وكفر والحاد وبعد ذلك يقول لماذا تقف ضد حرية الشعب السوري و انا اعتقد ان الدين لله كل على حسب غقيده والوطن يجب ان يكون لجميع دون اقصاء اوتهمش او تكفير لاحد مع الشكر التقدير
عندنا و عندهم خير
و تروح بعيد لسوريا ليش ؟ مو عندنا اذا سمعك رجل (الامن) عند نقطة تفتيش بتتكلم بلهجة بحرانية راحت عليك .
ملاحظة
في لهجه في منطقه اللاذقيه قريبه جداااااااااااااا من لهجه منطقه المهزة في سترة قريبه جدااااااااااااااااااااا
معارضة لا تبشر بخير
هده المعارضة السورية التي تسميها هي بالاساس لا تحترم اصول الخلاف ولا الحرب ولا اتفاقيات جنيف لا الاولى ولا الرابعة يقتلون البشر على الهوية والانتماء السياسي ليس آخرها شقيق مفتي الجمهورية والشيخ الشامي الدي أخدوه وهو يصلي التراويح في شهر الصيام انهم لا يبشرون بخير ادا ما حكموا الشام
زيادة
مقال في منتهى الروعة . ذكرتني بالسخرية من الصعايدة في الوقت الذي أغلب رجالات مصر من الصعيد ويسخرون من الهنود وانظمة الآيتي وتكنولوجيا المعلومات وأمور المالية قائمة عليهم