حين تغلب السياسة باشتغالاتها وأوضاعها، تنزوي الثقافة؛ أو تدخل في دائرة العتمة والغياب؛ وأحياناً المصادرة، وإن بدت حاضرة في ظاهرها، تظل غائبة في الأثر؛ وعلى أقل تقدير تكون في دائرة تحييدها.
ذلك أمر تفقد معه الثقافة قيمتها ودورها المنوط بها. تصبح جزءاً من اللعبة (لعبة السياسة). لعبة توزيع الأدوار والمصالح والمنافع. ثقافة كتلك هي في المحصّلة النهائية جزء من الخلل القائم، وجزء من محاولة اختطاف ذاكرة الإنسان ووعيه في الدرجة الأولى.
أعلم أن المثقف لا يمكن أن ينفصل عن وعيه السياسي. مثل ذلك الانفصال يعني ممارسته دوراً لا تأثير له. يمارس دور عبث واكتشاف مرصود ومُهَيمن عليه ضمن دائرة السياسة نفسها. ما بعد تلك الدائرة هو محض مجازفة بالنسبة إليه (المثقف). المجازفة في أوضاع سياسية لا خريطة يهتدي بها حتى في طرق العبث، تترك المثقف مستهدفاً ممن يملك القوة؛ إما بتهديده وابتزازه؛ وإما بدفعه دفعاً إلى أن يلزم صمتاً هو بحاجة إليه - على أقل تقدير - وإما أن يكون عرضة للسقوط في الوسط الذي وجد فيه قيمة ذات وقت وذات مرحلة. وفي المراحل تلك هو محض انعدام، ومن يتجرءون على الإلفات أو تجاوز كل ذلك، حظهم في الحياة يكاد يكون نادراً وشحيحاً.
ليس وحده المثقف الذي يعاني من انحسار دوره. الإنسان عموماً بات خارج المعادلة اليوم؛ إذا كان ثمة ما يمكن تسميته معادلة في كل هذه الفوضى من حولنا، في جغرافية كل شيء برهْن المصادرة والاحتواء. فوضى تطول حتى الذي هو برسْم المثول والوجود.
في نهاية المطاف، لا يُراد للمثقف أن يكون كائناً سياسياً. يُراد له أن يكون برسم الافتراض والتصوّر فحسب. تصوّر أنه كان هنا، ولا يهمّ بعد ذلك الأثر الذي يمكن أن يتمخّض عن تلك الكينونة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3661 - الجمعة 14 سبتمبر 2012م الموافق 27 شوال 1433هـ
كلام سليم .... الكل اصبح رهان الفوضى الخلاقة وخصوصا المثقفون والاعلاميون واصحاب المراكز المعروفة.
الكل مرتهن
يعيشون في بيئات مسمومة
تصعب عليهم الابداع والابتكار
فيبقى الغالبية منهم رهن الفوضى الخلاقة
والبديل العزلة والمحاربة وأحيانا القتل.
الله يعين.