لا يختلف باحثان في التاريخ السياسي العريق للتيارين الإسلامي والقومي سواء في مقاومة سياسة «التتريك» العثمانية أو الاستعمار الغربي للبلاد العربية أو حتى في تأسيس أركان الدولة العربية الحديثة ما بعد الاستعمار.

لكنّ أسبابا شتّى حالت دون أن يواصل المساران الإسلامي والقومي النضال بشكل متواز وهو ما أدّى أحيانا كثيرة إلى صدام ومحاكمات. ولا يخفى على باحث اختلاف مشارب القوميين فهم أنواع: ناصريّون، قوميّون تقدميّون، بعثيّون ولجان ثوريّة... وكذلك الإسلاميون اختلفت ألوانهم فمنهم المعتدلون ومنهم المتشددون السلفيون الجهاديون وفيهم الإسلاميون التقدميّون أو ما اصطلح على تسميتهم اليسار الإسلامي وغيرهم...

ويمثل هؤلاء وأولئك من إسلاميين وقوميين بمختلف مشاربهم نسبة كبيرة ومميزة في الوطن العربي عموما وفي بلدان الربيع العربي – مصر أو تونس نموذجا – بصفة أخصّ ممّا يطرح السؤال الحارق ماذا لو يتّحد الطرفان؟ ماذا لو يعود جناحا الأمة إلى الخفقان معا؟

لنعد إلى البدايات، فحين بدأ نجم الخلافة الإسلامية يأفل مع بدء انهيار الامبراطورية العثمانية أخذ بعض الحكام العرب يتذمّرون من سياسة التتريك التي تنتهجها الدولة العثمانية وهو ما أدّى إلى ظهور تيارين دافَعا عن فكرة الحكم العربي وقد اقترح الطرف الأول الجامعة الإسلامية ومن أبرز من دعا إليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وهذا الإطار (الجامعة الإسلامية) لم يمثّل في نظر التيار الثاني استقلالا تاما لذلك نادى باستقلالية عربية تامة دعت إليها شخصيات مثل البستاني وشكيب أرسلان. ومن ثَمَّ طُرِح الإشكال: هل يستقلُّ العرب خارج الإسلام أو انطلاقا منه؟ سؤال محوريّ أفرز توجُّها عروبيا إسلاميا وتوجها عروبيا علمانيا. ولا ينكر أحد اليوم وقوف شباب هذين التيارين، القومي والإسلامي، وراء الثورات التي حصلت في تونس ومصر وعلى رغم نجاحهم في الإطاحة بأنظمة الفساد وتخلّصهم من معظم رموزه؛ فإنهم لم يتمكّنوا وللأسف من التخلص من الإرث المثقل بصراعات الماضي وأحقاده بل لعلّ القوميين في تونس مثلا لايزال كثير منهم يحملون خلافات مستوردة من الخارج وتحديداً الصراع بين الإخوان المسلمين وجمال عبدالناصر في مصر كما أكد ذلك الباحث والأكاديمي التونسي سامي براهم. من جهة أخرى، يعيب القوميون على الإسلاميين اليوم بعد مسكهم بزمام الحكم تعاملهم مع الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية على رغم معرفتهم بدور الاستعمار الغربي بمختلف أشكاله التقليدية والحديثة في الحيلولة دون الوحدة العربية.

كما أن الأحداث في سورية اليوم ألقت سلباً بظلالها على إمكانيات التوحد بين التيارين؛ فلايزال الكثير من القوميين يرون في نظام بشار الأسد صمّام أمان ضدّ الصهيونية في حين يكاد يجمع الإسلاميّون على ضرورة زوال حكم الأسد، كما دعا إلى ذلك رئيس جمهورية مصر العربية محمد مرسي.

إن وجود القوميين في مصر وتونس خارج تحالفات الحكم جعل لهم مواقف نقدية زادت في تعميق الشرخ بين الطرفين، فصحيح أن الإسلاميين وصلوا إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، لكن عوض أن يمدوا أيدي التوافق مع قوى الثورة الحقيقية وخصوصاً القوميين منهم تراهم يغازلون بعض رموز الأنظمة السابقة.

إن ما يقرّب القوميين إلى الإسلاميين أكثر مما يبعد أحدهما عن الآخر، ولقد كان في المؤتمر القومي العربي الأخير فرصة نقلت العلاقة من التقاطع الوقتي بين الطرفين إلى وضع آليات للتنسيق أو على الأقل لحلّ الخلافات على حدّ رأي المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي.

وإذا عدنا إلى الماضي القريب العام 2005 نجد تصريحاً لزعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي يعيب فيه على الحركة الإسلامية إهمالها لقضية الوحدة العربية وهذا التصريح يؤكد مساعي التقريب بين الطرفين والبحث الجدي عن آليات تنسيق لفتح حوار مستمر لأن توحيد جناحي الأمة (العروبة والإسلام) مطلب شعبي وضرورة تاريخية ملحة وهدف أسمى للإسلاميين والقوميين على حد السواء وتحقيقه لا يكون إلا بالعمل سويّاً جنباً إلى جنب. إن على الإسلاميين، في تونس ومصر خاصة، طمأنة القوميين والحوار معهم بغضّ النظر عن عداوات الماضي وعلى الفريقين معا التنازل أو التسامح والتغاضي عن بعض النقاط في الأجندة السياسية لكل طرف لأن البيئة العربية الإسلامية تشهد مخاضاً عسيراً للديمقراطية تفترض تجاوز بعض الخلافات السياسية أو الإيديولوجية لتحقيق الأهداف الوطنية المشتركة.