إن غياب حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية التجمعات والتظاهرات السلمية في البلدان التي تعاني من اضطراب في أنظمتها السياسية هي بلا شك بلدان لا تعيش مفاهيم الحرية والديمقراطية الحقيقية، لأن مجتمعاتها مازالت مقيّدة بقيود تمنع من إطلاق حريتها بصورة بسيطة وسلسة، كما يحدث في المجتمعات التي تحظى بأنظمة ديمقراطية وإعلام مستقل وصحافة حرة.
لقد أثبتت الدراسات في مجال السياسة والإعلام، كما جاء في دراسة أعدّها معهد الصحافة في تيمبا بولاية فلوريدا العام 2012 «أن البلدان التي تحظى بصحافة وإعلام حر هي أكثر أريحيةً واستقراراً من البلدان التي لا تحظى بإعلام وصحافة حرة؛ والسبب أن تلك البلدان تنتقد وتكتب كما تشاء والأنظمة تهاب من كلمة الصحافة وتحسب لها ألف حساب، مثل حساب المشاهير مع مصوّري البابارازي، أما العكس مع الأخرى».
إن الصحافة الحرة تخلق المنافسة في صنع واصطياد الخبر والاستقصاء لتفاصيل جذور المشكلة المطروحة، أما الأخرى فهي إما أن تكون صحافة علاقات عامة أو صحافة البذاءات، ومن ينتقد فمصيره الملاحقات القضائية أو الزج في السجون أو الاغتيال إلى غيرها من الوسائل المختلفة.
ولو نظرنا فيما يحدث في بلد مثل أذربيجان، فإن هذا البلد لا يختلف في أساليبه التي جاء ذكرها أعلاه، عن باقي بلدان المنطقة العربية التي تشهد متغيرات واضطرابات سياسية بسبب قمع الحريات والكلمة سواء في الصحافة أو في التظاهر السلمي. وحتى اليوم فإن السلطات الأذربيجانية مازالت مستمرةً في حملةٍ ضد حرية التعبير والحريات الأساسية الأخرى. وفي تقرير نشرته منظمة «آيفكس» وآخر لـ «منظمة العفو الدولية»، تحت عنوان «الهرب رعباً: أصوات أذربيجان التي اُسكتت»، تصنف الشراكة الدولية من أجل أذربيجان، مجموعة من المنظمات تنسق بينها المادة 19 وضع حرية التعبير في أذربيجان باعتباره مترنحاً ومقلقاً للغاية.
وأشارت «آيفكس» إلى استمرار أسلوب الإفلات من العقاب، والتضييق على عمل الصحافيين من خلال ملاحقتهم وزجهم في السجون أو اغتيالهم، فكتبت «منذ اغتيال رئيس تحرير مجلة (مونيتور) المار حسينوف في مارس/ آذار 2005، وقع العشرات من الصحافيين ضحايا للهجمات العنيفة في أذربيجان. وفي الواقع لم يتم التعرف على أي من الجناة ولا تقديمهم إلى العدالة». وأضافت «وفقاً لمجموعة حرية الصحافة المحلية معهد حرية المراسلين والسلامة، وقعت 11 هجمة عنيفة في العام 2011 ضد الصحافيين، بما في ذلك اغتيال الصحافي والكاتب رفيق تاغي، إضافةً إلى 16 حالة لصحافيين تعرضوا للاعتداء أو جُرحوا خلال تأدية عملهم أو بسببه».
ومن الأمثلة العنيفة التي طرحتها التقارير الدولية الأسلوب الذي مازالت تستخدمه السلطات الأذربيجانية في قمع عمل الصحافي باستخدام القوة المفرطة من قبل قواتها الأمنية مثل حالة إدراك عباسوف الذي صوّر هجوم قوات الأمن لشركة أذربيجان للنفط وهي تقوم بإجلاء قسري لأصحاب المنازل وأزالت مبانيهم بصورة مهينة، وتم تناقل الصور والفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة. وقد تعرّض الصحافي للضرب والركل حتى فقد الوعي، وتركوه مصاباً بارتجاج في المخ وكسور في الضلوع.
أما خديجة إسماعيلوفا، فهي واحدة من الصحافيين الاستقصائيين البارزين في أذربيجان، وقد كشفت في وقت سابق من هذا العام أنها تعرضت للابتزاز. إسماعيلوفا نشرت قصصاً تكشف الفساد بين النخبة الحاكمة في الجمهورية الغنية بالنفط، واتُهِمَت بأنها «عدوّة للدولة» من قبل الحكومة الأذربيجانية.
وعلى الرغم من عدم قدرة السلطات فيما يبدو على التحقيق الملائم في قضايا العنف ضد الصحافيين، استمرت في استخدام اتهامات سياسية الدوافع ومحاكمات غير عادلة لحبس منتقدي الحكومة. ويخاطر الصحافيون والإعلاميون والمدونون بالحكم عليهم بالسجن إذا لم يكونوا حذرين حيال القصص التي يبحثون خلفها في أذربيجان أو ما يكتبونه في «الفيسبوك». وقد يكون المدوّن بختيار حاجييف الذي استخدم الشبكات الاجتماعية الشهيرة للمطالبة باحتجاجات استلهمها من الانتفاضات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أحد هؤلاء الضحايا القابعين في السجون الأذربيجانية بسبب ذلك، إذ تم الحكم عليه بالسجن لمدة عامين، باتهامات ملفقة.
إن أوضاع الصحافيين متشابهةٌ في البلدان التي لا تحترم الإنسان ولا رأيه، وبالتالي فإن ما يحدث في بلدان آسيا الوسطى لا يختلف كثيراً عما يحدث في الشوارع العربية بمختلف مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فالهيمنة على وسائل الإعلام وعدم استقلاليتها ومحاربة الصحافة الحرة كلها مؤشرات على أن العالم اليوم يسير نحو حركة تغيير عالمية نحو صحافة حرة... ومجتمع حُرّ.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3655 - السبت 08 سبتمبر 2012م الموافق 21 شوال 1433هـ
الصحافة وألأعلام0
أنا لا أعرف عن ألأعلام ولا الصحافة ولكن أعرف مثل قديم يتداول الى يومنا هذا وهو مدحه وأخذ بشته0