تتضمن قائمة الأفلام التي قدمها المخرج القطري الشاب العديد من الأفلام المميزة، لكن الفيلم الأهم الذي صنع اسم حافظ علي عالميّاً وشكل علامة فارقة في التاريخ الفني لحافظ وهو الذي لا يتجاوز أحد عشر عاماً، كان فيلم «سائق الأجرة». هذا الفيلم اختارته إدارة مهرجان الخليج السينمائي ليمثل قطر في فعالية «ليالي السينما الخليجية» التي نظمتها وزارة الثقافة أخيراً في البحرين بالتعاون مع مهرجان الخليج.
عرض الفيلم الذي أنتجه حافظ علي العام 2004 في عدد كبير من المهرجانات، وفاز بعدد لا يستهان به من الجوائز المهامة. «الوسط» التقت مخرجه حافظ علي إبان انعقاد فعالية «ليالي السينما الخليجية» وأجرت معه الحوار الآتي:
عرض فيلمك «سائق الأجرة» في عدد كبير من المهرجانات العربية والدولية، شارك في المسابقات الرسمية لهذه المهرجانات بدءاً من مسابقة أفلام من الإمارات وصولاً إلى مهرجان لوس انجليس للأفلام القصيرة. ما الذي ميز الفيلم ولمَ نال كل الاحتفاء والتكريمات؟
- ربما يعود ذلك إلى القضية التي ناقشها الفيلم، وهو فيلم قصير صورته في لوس أنجليس كمشروع لتخرجي في جامعة تشبمان بلوس أنجليس. حاولت من خلاله أن أصور الاضطهاد الذي عانى منه العرب بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول وكيف تحولت أميركا التي كانت تستقبل الجاليات إلى بلد يضطهد العرب ما اضطر كثير منهم لبيع منازلهم وأراضيهم والمغادرة. ومن هنا جاء الفيلم ليقدم صورة لهذا الجزء من حياة العرب.
وربما يعود تميز الفيلم إلى التقنية الاخراجية الخاصة التي اعتمدتها فيه، إذ كانت للفيلم صورة خاصة وحس خاص، اهتممت فيه كثيرا بلغة الصورة، وحاولت أن أركز بشكل كبير على المشاهد البصرية التي تعطي إحساس المغترب بلغة تصل إلى العالم كله، فالقضية التي يناقشها قضية إنسانية ويمكن أن تصل إلى الجميع ولذلك ركزت على حركة الكاميرة والإضاءة لإيصال مزاج الشخصية وإحساسها بالغربة والمعاناة، والحمد لله تمكنت من تحقيق هذه المعادلة وتم تقبل الفيلم من قبل كثير من المهرجانات كما وصلت رسالته وتم تقبل مضمونه وصورته وتقنية إخراجه من قبل الجميع. الفيلم كانت به جزئية باللهجة المغربية ومعظمه باللغة الانجليزية حيث إن الأحداث كانت تقع في وسط لوس انجليس.
تبدو ملماً بالكثير من تفاصيل الإنتاج والإخراج بل وحتى التمثيل، فقد درست الاخراج السينمائي في الولايات المتحدة الأميركية وحصلت على درجة الماجستير في هذا المجال، وكنت قبلها حصلت على شهادة البكالوريوس في الإدارة الإعلامية والإنتاج الفني. وقبل الاتجاه للدراسة كانت لديك تجارب فنية مع عدد من أبرز الفنانين الخليجيين؛ أبرزهم داوود حسين وغانم السليطي. لكنك على رغم ذلك فضلت السينما على التلفزيون، ما الذي حدث؟
- نعم مجال الفن ليس غريباً عليَّ، عملت لسبعة أعوام في مجال التنفيذ في التلفزيون، لكن توجهي للسينما حدث عندما كنت أدرس البكالوريوس، في ذلك الوقت لم يكن هناك توجه لدراسة السينما في منطقة الخليج ولم يكن هناك دعم مالي لهذا التوجه، لكن أثناء دراستي للإعلام في كاليفورنيا اضطررت غلى دراسة السينما حيث كانت هناك بعض مقررات السينما التي يجب علينا دراستها كجزء من برنامجي الدراسي. هنا بدأ التوجه نحو هذا الفن الذي وجدته يجمع كل الفنون الأخرى كالتمثيل والموسيقى والكتابة والاخراج والتصوير.
كل هذه الفنون يمكنها أن تتوحد في الصورة السينمائية (...) فيلمي عملته في 2005 ولكن لا يزال الناس يشاهدونه في 2012 ويتقبلونه ويعجبون به، على عكس الأعمال المسرحية والتلفزيونية التي تعتبر وقتية تزول من ذاكرة المتفرج بانتهائها. السينما فن باقٍ وجمهورها أشمل لا يقتصر على من يتحدثون لغتك، فهي تتحدث بلغة الصورة. الفيلم به شمولية أكبر والرسالة تصل إلى كل مشاهد مهما اختلفت لغته وثقافته، والفيلم الجيد يتمكن من أن يرحل إلى أبعد المسافات، مسافات لا تتخيلها. السينما يمكن أن تخلق تأثيراً ورسالتها ليست وقتية أو محدودة بمجتمع ولغة معينة.
ماذا عن القصة التي قدمها الفيلم هل كانت مكتوبة خصيصاً له، أم اقتبستَها من نص أو عمل أدبي مَّا؟
- الفيلم هو ردة فعل على الأحداث التي جرت بعد 11 سبتمبر، وفي الواقع قدم الفيلم قصة حقيقية لسائق أجرة ترك أسرته وسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية، ثم وجد نفسه غير قادر على المواصلة وغير قادر على أن يعود إلى أولاده وهو لم يتمكن من الحصول على وثيقة سفر أو البطاقة الخضراء ما قد يجعله أضحوكة للناس في بلده. هذا الرجل أصبح أسيراً للحدث، فهو لا يستطيع الرجوع وعليه أن يتحمل المعاناة وهي طويلة. هكذا جاءت الفكرة التي تعاونت مع صديق لي في كتابة نصها الذي ركزنا فيه على اللغة السينمائية. تم تصوير الفيلم هناك على رغم صعوبة قيامي كشخص عربي بفعل ذلك، والحصول على التراخيص اللازمة للتصوير. لكن الحمد لله صورت الفيلم وأشاد به جميع المدرسين في الجامعة كما حصلت على درجة امتياز.
هل حصلت على أي دعم أو تمويل شخصي لإنتاج الفيلم؟
- قمت بعمل الفيلم من تمويل شخصي، وقد كان ذلك مكلفاً لكن هدفي بايصال رسالة الفيلم كان أهم. كان يمكنني تناول موضوع أسهل وخصوصاً أن الفيلم كان مشروع تخرج، لكني أردت أن أتناول هذا الموضوع الحساس وأن أعود إلى بلدي ولدي عمل مصنوع بتقنية عالية يمكنني أن أقدمه إلى الآخرين وأعرضه في أكثر من مكان.
ماذا عن الأعمال التي تلت هذا الفيلم، ماذا قدمت للسينما الخليجية، وهل استثمرت نجاحك ذاك في تقديم أعمال سينمائية أخرى مميزة؟
- قدمت مجموعة أعمال بعضها توثيقي وبعضها دراما توثيقية من بينها فيلم «القرنقعوه» الذي انتجته قناة «الجزيرة للأطفال» وهو يحكي حكاية بنت تسأل جدتها عن سبب الاحتفال بـ (القرنقعوه) فكانت رحلة إلى الماضي الجميل في دراما وثائقية شاركت فيها الفنانة هناء محمد مع مجموعة من الشباب والأطفال. قبلها قدمت للتلفزيون مجموعة من البرامج معظمها أعمال وثائقية مثل «عودة المها» الذي حصل على عدة جوائز في عدة مهرجانات عالمية، وفيلم «عبق الظلال» الذي يتناول تاريخ السينما في قطر، وكيف تغير مفهوم السينما وأصبح جزءاً من الحياة في قطر. وعموماً السنوات العشر الأخيرة شهدت ظهور تجارب سينمائية خليجية مهمة أبرزت مفاهيم وقضايا خليجية مهمة. كذلك تم الاحتفاء بالسينما الخليجية عبر فعاليات مهمة كهذه الاحتفالية التي تنظم في البحرين بمناسبة اخيتار المنامة عاصمة للثقافة العربية والمخصصة للسينما الخلجية.
ما الذي يمكنك أن تقدمه إلى الشباب الخليجي الذين يبدأون مشوارهم السينمائي، وخصوصاً وأنت تحمل هم التأسيس لوعي وثقافة سينمائيين، وقد بدا ذلك من خلال الأفلام الوثائقية التي تقدمها؟
- بداية نقلت عدوى هذا الهم إلى شقيقيَّ حمد الذي درس الانتاج السينمائي ومهدي الذي درس الاخراج السينمائي. السينما فن يجمع عناصر فنية كثيرة ويصل إلى كل الأجيال، وهو ليس مقتصراً على جنس معين، ففي قطر برزت لدينا الآن مجموعة مخرِجات دخلن مجال اخراج الأفلام الوثائقية وقدمن من خلالها موضوعات مهمة وأعمالاً جميلة. كذلك قمت بتنظيم العديد من الورش في صناعة الأفلام بالتعاون مع وزارة الثقافة ومع المجلس الثقافي البريطاني، كما قدمت ورشاً خاصة مع مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية، وقدمت محاضرات في جامعات المدينة التعليمية.
الشباب القطري يبدون أكثر حظاً من باقي الشباب الخليجي بعد الإماراتيين بالطبع، لأنه يبدو هناك توجه رسمي لدعم صناعة السينما ولدعم التأسيس لثقافة ووعي سينمائيين؟
- التوجه جاء من سمو الشيخة المياسة بنت حمد كريمة صاحب السمو التي قامت بإنشاء مؤسسة الدوحة للأفلام في السنوات الأخيرة وحملت على عاتقها كمؤسسة تعريف الجمهور والشباب بصناعة الأفلام، ونظمت من أجل ذلك عدداً من الورش وستبدأ قريباً تمويل الأفلام سواء القطرية أو الخليجية أو العربية. هذه الخطوة بالطبع ستدعم الفنانين وتعلمهم صناعة السينما. كذلك تم افتتاح جامعات ومعاهد معنية بتدريس صناعة الأفلام وهو ما سيضيف الى صناعة السينما في الخليج. وجود هذه المؤسسات التعليمية ومؤسسات تمويل الأفلام سيشكل خطوة إيجابية كبيرة على طريق صناعة السينما وإن شاء الله سيمكننا من التأسيس لصناعة حقيقية، ومن تقديم أفلام روائية طويلة وإنشاء سوق كبير للسينما الخليجية. عانينا في السابق من عدم وجود ثقة بأن يحقق الفيلم الخليجي أي نجاح، لكن الأعمال التي قدمت أثبتت أن هناك بعض التجارب الجميلة التي يمكنها كسب الجمهور حتى على المستوى العالمي، وكذلك حصد الجوائز.
بالإضافة إلى ذلك تم تخصيص مسابقات ضمن المهرجانات المختلفة التي تحتضنها قطر للشباب القطري، فهناك مسابقة مخصصة لطلاب الجامعات القطرية ضمن مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية، والآن تعتزم مؤسسة الدوحة للأفلام تنظيم مسابقة للأفلام القطرية، كذلك هناك تركيز على فن كتابة السيناريو وهو ما سيعالج مشكلة كبيرة نواجهها في قطر والخليج بسبب تأثير كتابة الدراما التلفزيونية على غالبية كتاب السيناريو، ولذلك نجد أن السيناريوهات التي يقدمونها تبدو كمسلسلات إذاعية مرئية فهي تعتمد على الحوار المباشر وتبتعد عن الصورة. الكتابة السينمائية لها خصوصية وعمق مختلف، ولذلك نحتاج لتنظيم ورش عن هذا النوع من الكتابة.
قطر ستحذو حذو الامارات والبحرين في تأسيس صناديق لدعم صناعة الأفلام على مستوى مؤسسة الدوحة وعلى مستوى وزارة الثقافة، فالوزارة مهتمة بدعم الشباب القطري وبتسليط الضوء على مجموعة من الأفكار التي يراد لها أن تترجم في أفلام. هذه الخطوات الإيجابية الجيدة في المنطقة يمكنها أن تخلق حركة سينمائية في المنطقة في خلال أعوام قليلة.
تحتضن قطر العديد من مهرجانات السينما اليوم، ما الذي يمكن لهذه المهرجانات أن تقدمه إلى صناع الأفلام القطريين؟
- هذه المهرجانات مثل مهرجان الدوحة ترايبيكا، وهو مهرجان معروف له خبرته وعلاقاته مع الفنانين، بدأت في تقريب السينما للمجتمع القطري والخليجي وكان هذا أحد الأهداف الأولية للمهرجان. الخطوة الثانية التي بدأها المهرجان الآن ومؤسسة الدوحة للأفلام تتمثل في العمل على رفع مستوى صناع الأفلام ليقدموا أفلاماً خليجية أو عربية ويمكن أن تصبح أفلاماً عالمية وتشاهد في مهرجانات عالمية وتلقى الإعجاب. ويقوم المهرجان والمؤسسة بذلك من خلال إحداث نوع من التفاعل بين الشباب الخليجي والقطري من جانب وصناع الأفلام العالميين من جهة ثانية وإشراكهم في تجارب سيكون لها مردود إيجابي. ما اتمناه فقط هو أن يتم اعتماد افكار وموضوعات نابعة من مجتمعاتنا وبيئتنا الخليجية. يمكن أن نتأثر بالغرب في تقنية الصورة والكتابة فقط وليس في الأفكار.
العدد 3654 - الجمعة 07 سبتمبر 2012م الموافق 20 شوال 1433هـ