تحدثنا في الفصول السابقة عن وجود لهجتين أساسيتين في البحرين, الأولى وقد عرفت باسم الطائفة التي تتحدث بها وهي اللهجة البحرانية أو لهجة البحارنة وقد سميت في المرجع الموسوعي للغات في العالم Ethnologue (متوافر على الموقع Ethnologue.com) بعدة مرادفات هي Baharna و Baharnah و Bahraini Shi’ite Arabic.
وقد سبق أن أوضحنا أن اللهجة البحرانية ليست حصرية على طائفة البحارنة أو الطائفة الجعفرية في البحرين فلا يوجد ارتباط بين اللهجة والمذهب، فهي لهجة تكونت قبل الإسلام وأخذت في التطور ضمن طوائف وجماعات مختلفة, وقد أوضحنا أيضاً أن تلك الجماعات عرفت بالجماعات الحضرية والتي سكنت الساحل الشرقي للجزيرة العربية الممتد من الكويت وحتى عمان, والدارس لهذه اللهجات يرى التقارب الواضح بين لهجة البحارنة ولهجة الجماعات الحضرية في شرق الجزيرة العربية ودولة الإمارات العربية وسلطنة عمان وكذلك اليمن (Holes 2006 and Al-Tajir 1982, arabic summary p. 18).
أما اللهجة الثانية؛ فهي اللهجة التي أسماها Holes باسم الجماعة التي تتحدث بها والتي كانت تعرف باسم العرب (Holes 2011, Holes 2006 and Holes 2005), وكان أسماها جونستون في كتابه: «دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية» باسم اللهجة العنزية (لهجة وسط وشمال الجزيرة العربية), وفي واقع الأمر إنه قسّم اللهجات في البحرين إلى قسمين: «لهجة ما قبل العنزيين وهي لهجة السكان الأصليين واللهجة العنزية» (جونستون 1983, ص 42), وعلى رغم معرفة جونستون لتقسيم المجتمع البحريني فإنه وثق اللهجة العنزية في المنامة وهذا واضح من وصف اللهجة التي أسماها «لهجة البحرين». ولهجة العرب في البحرين هي جزء من اللهجة القبلية السائدة في شرقي الجزيرة العربية والتي سميت في المرجع الموسوعي للغات في العالم Ethnologue باسم اللهجة الخليجية Gulf Arabic، وهي لهجة تتصل «اتصالاً وثيقاً بطابع مجموعة اللهجات العنزية في التصريف لكنها مع ذلك يمكن أن تتميز عنها بوضوح في الناحيتين الصوتية والمعجمية بسبب التطورات الخاصة خلال الـ 150 – 200 سنة الأخيرة» (جونستون 1983, ص 53).
التفريعات الثانوية للهجات
تنقسم اللهجات الأساسية في البحرين إلى لهجات فرعية أو ثانوية, وقد ميز سعد مبخوت ثلاث لهجات فرعية في لهجة العرب وذلك بحسب فروقات صرفية معينة, اثنتان منها ارتبطت بمناطق جغرافية؛ هي: الرفاع والمحرق أما القسم الثالث فخصه بمكون معين في المجتمع وهو ما أسماه «الصيغ الخاصة بالأطفال المدللين والنساء والجنس الثالث» (مبخوت 1993, ص 135 - 141). ويسمي البعض القسم الثالث «اللهجة المايعة», وهذه اللهجة انتشرت في دول الخليج العربي الأخرى وأضيفت إليها ظواهر صوتية أو صرفية أخرى.
أما فيما يخص اللهجة البحرانية فهي أكثر تنوعاً وأكثر تقسيماً من لهجة العرب, وقد تحدثت في الفصل السابق عن تقسيم واحد من هذه اللهجة وذلك عند الحديث عن اللهجة البحرانية العتيقة واللهجة البحرانية المتطورة, وسنلاحظ في فصول قادمة أنه كلما كثرت الظواهر الصوتية التي تتم دراستها انقسمت اللهجة البحرانية على نفسها إلى عدد أكبر من اللهجات الفرعية. وقد اقتصر مهدي التاجر في دراسته عن اللهجة البحرانية على تقسيمها إلى قسمين؛ لهجة المدينة ولهجة الريف وهذا تقسيم قاصر وسنتطرق في الفصول المقبلة إلى العديد من أقسامها. وما يميز اللهجات البحرانية الفرعية هو تداخلها على رغم تباعد المناطق الجغرافية التي تنتشر بها, على سبيل المثال؛ ظاهرة قلب الجيم ياء توجد في منطقة الدراز والديه والسنابس ورأس الرمان والجفير, إلا أن لهجة الدراز (على الساحل الشمالي) تتميز بظاهرة لا توجد في المناطق الأخرى لكنها موجودة في قرى الساحل الغربي, هذه الميزة ليست حصرية على اللهجات البحرانية الفرعية لكنها موجودة في العديد من المناطق، وقد أدى وجود هذه الظاهرة إلى إنكار عدد من اللغويين وجود اللهجات بصورة مطلقة؛ فكلما هناك ظواهر لهجوية ضمن لغة معينة.
الخارطة اللغوية والخارطة الجغرافية
عند النظر إلى اللهجات البحرانية الفرعية؛ فإننا أمام لهجات منبثقة من أصل واحد متحد في الثقافة والمذهب وقد فرقت بينها ظروف بيئية واجتماعية لدرجة التباين في عدد من الظواهر اللهجوية ويصعب إيجاد نظام محدد لتقسيمها إلا عن طريق وصف الظواهر اللهجوية؛ فقد «أصبح اليوم من المقرر أن الخصائص اللغوية لا ينسجم بعضها مع بعض من حيث التوزيع، وبعبارة أخرى، أن الخطوط التي تفصل بين خاصية وأخرى، ليست هي الخطوط نفسها التي تفصل بين خاصيتين أخريين» (فندريس 1950, ص 310).
ويعطي فندريس في كتابه: «اللغة» مثالاً على ذلك من اللغة الفرنسية ينطبق تماماً مع وضع اللهجات البحرانية الفرعية: «فأطلس فرنسا اللغوي يعطينا عن كل حالة بعينها حدوداً مختلفة. ولنتخيل عدداً من القرى، عشر قرى مثلاً، مفرقة في إحدى المقاطعات الفرنسية في رقعة تتكون من بضعة أميال مربعة. فنرى أن سكان هذه القرى يتكلمون لغة واحدة، بمعنى أن لهجتهم تمثل مظهراً خاصّاً من اللغة الفرنسية، وقد نتجت تاريخيّاً، من تطور مستقل للغة نفسها في مجال متصل. ولكنا نجد فروقاً ذات بال بين قرية وأخرى، حتى ليمكننا أن نميز لهجة كل قرية منها بوصف مخالف لغيرها من حيث الصوتيات ومن حيث النحو ومن حيث المفردات. ومن النادر جدّاً ألا تمتد إلى حد ما خصائص إحدى هذه القرى إلى القرى المجاورة. ولكن الحدود الجغرافية لكل واحدة من هذه الخصائص على حدتها، لا تكاد تتفق إطلاقاً مع الحدود الجغرافية لأية خاصية أخرى تؤخذ على حدة أيضاً. فنجد مثلاً بين هذه القرى خمساً أو ستاً تنطق «a» «فتحة» حيث تنطق القرى الأخرى «e» «فتحة ممالة»، ثم نجد خمس قرى أو ستاً تنطق o «ضمة مفتوحة» حيث تنظق القرى الأخرى u «ضمة صريحة». ولكن الخط الذي يفصل بين أولئك الذين ينطقون a والذين ينطقون e ليس هو الخط الذي يفصل بين من ينطقون o وبين من ينطقون u؛ فالقرى التي تمارس التغيير ليست واحدة، ومعنى ذلك أن التوزيع يختلف» (فندريس 1950, ص 310).
كانت نتيجة اكتشاف هذه الميزة التي تميز توزيع اللهجات أن بعض اللغوين (بحسب نبهان 1998) اتجهوا إلى إنكار وجود اللهجات, بينما يقول فندريس في كتابه (اللغة): «إن كثيراً من علماء اللغة ذهبوا إلى أن اللهجات لا وجود لها، فعند هؤلاء العلماء أن الحالة اللغوية التي تنتج من تطور اللغة لا يمكن أن تتصور إلا في مظهرين: مظهر اللغة، تلك الوحدة الشاسعة التي تئول إليها صور التكلم المحلية جميعها، ومظهر صور التكلم المحلية التي إليها تتفتت اللغة ... هذا أيضاً هو الرأي الذي تصير إليه «نظرية الأمواج» wellentheorie ليوهان شمت johann schmidt. فهو يقرر أن كل ظاهرة لغوية تمتد على سطح القطر امتداد الأمواج، وأن كل موجة في تقدمها التدريجي غير المحسوس ليس لها حد معين» (فندريس 1950, ص 312).
اللهجات والمجتمع اللغوي
يقصد بالمجتمع اللغوي ذلك الجزء من المجتمع الذي تظهر أفراده تشابهاً كبيراً في استخدام لغة أو لهجة أو لغة مهنية معينة, أي أنه مجتمع مكون من جماعة متجانسة لغويّاً, فمثلما تكوِّن جماعة مَّا لنفسها ثقافة معينة عبر الزمن؛ فإنها تكوِّن لنفسها عادات صوتية وصرفية ونحوية تتحول إلى لهجة خاصة بهم؛ وعليه نجد إبراهيم أنيس في كتابه «في اللهجات العربية» الذي صدر في طبعته الأولى العام 1946 يضع تعريفاً محدداً للهجة بأنها: «مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة، وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات، لكل منها خصائصها، ولكنها تشترك جميعاً في مجموعة من الظواهر اللغوية التي تيسر اتصال أفراد هذه البيئات بعضهم ببعض، وفهم ما قد يدور بينهم من حديث فهمًا يتوقف على قدر الرابطة التي تربط بين هذه اللهجات، وتلك البيئة الشاملة التي تتألف من عدة لهجات هي التي اصطلح على تسميتها باللغة، فالعلاقة بين اللغة واللهجة هي العلاقة بين العام والخاص. فاللغة تشتمل عادة على عدة لهجات, لكل منها ما يميزها... وقد كان القدماء من علماء العربية يعبرون عما نسميه الآن باللهجة بكلمة (اللغة) حيناً, (وباللحن) حيناً آخر» (أنيس 2003, ص 15).
وعلى نقيض المنكرين لوجود اللهجات؛ يرى علماء آخرون أن «في إنكار وجود اللهجات ضرباً من المغالطة والمكابرة، لأن الواقع اللغوي التاريخي والواقع اللغوي الحالي الذي هو امتداد على نحوٍ ما للتاريخي يؤكد وجود الظواهر اللهجية في العربية وفي غيرها من اللغات أيضاً» (نبهان 1998)، وقد قام أنطوان مييه بالرد على السابقين المنكرين للهجات ومدافعاً عن اللهجات الهندية الأوروبية «فأبان أنه يمكننا أن نقوم بتقسيم لهجي، حتى في زمن الهندية الأوروبية. وهذا التقسيم يقوم على المبدأ القائل يأن من حقنا أن نتكلم عن وجود لهجات، كلّما رأينا عدداً من الخطوط التي تفصل بين الخصائص ينطبق بعضها على بعض ولو بشكل تقريبيّ، فهناك لهجة محددة في كل منطقة يلاحظ فيها وجود خصائص مشتركة، وحتى عندما لا يمكن رسم خطوط دقيقة للفصل بين منطقتين متجاورتين؛ فإنه يبقى أن كلاًّ منهما تتميز في مجموعها ببعض السمات العامة التي لا توجد في الأخرى. فالبروفنسالية والفرنسية ليستا في حقيقة الأمر إلا لهجتين من لغة واحدة. وإذا لم يكن في وسعنا أن نرسم على الخريطة خطّاً محدداً يبين أين تنتهي الفرنسية وتبدأ البروفنسالية؛ فإن كلا من اللهجتين في مجموعها اشتملت على خصائص عديدة واضحة إلى حد يجعلنا في مأمن من الخلط بينهما» (فندريس 1950, ص 312).
العدد 3654 - الجمعة 07 سبتمبر 2012م الموافق 20 شوال 1433هـ
يا جريدة الوسط
ياجريدة الوسط .. سوو بحث عن اللهجة الستراوية .. لانه الستاروة لهم اكثر من لهجة و على حسب المنطقة
لهجاتنا الجميله
الهجات البحرينيه متعذه بتعدد قرى البحرين ورغم جمالها وتباينها الا ان هذه اللهجات ربما تختفي بسبب انتشار مايسمى بالهجه البيضاء بين الشباب والمتعلمين بسبب الاحتكاك في الدراسه والعمل