أفرزت الأحداث الأخيرة ظواهر كانت مستترة أو محدودة، لكنها وفي حمأة الأزمة الأخيرة طفت إلى السطح بكل وضوح. إحدى هذه الظواهر الشعور، بل القناعة بالدونية لدى مجموعة من المواطنين، وفي الوقت ذاته ممارستهم للعنجهية تجاه أي مجموعة من المعتدّين بأنفسهم... أليست هذه مفارقة لمن يشعر بالدونية أن يمارس العنجهية ضد الآخرين؟
الأخطر في الموضوع ليس شعور البعض بالدونية، فهذه يمكن أن تكون حالةً عابرةً يمكن تصحيحها بإعادة الثقة لمن يعاني منها، لكن الأخطر هو قناعة هؤلاء العميقة بدونيتهم والتنظير لذلك!
تتمثل هذه الدونية لدى هذه الشريحة في اعتقادهم بعدم استحقاقهم لنيل حقوقهم الطبيعية، واستنكارهم لمن يصرّ على نيل حقوقه. فهم مقتنعون بحالة الاستتباع وكونهم رعايا.
هؤلاء يعتقدون أنهم لا يستحقون الحرية والديمقراطية والكرامة، ويسلّمون أمورهم لغيرهم لأنه اعرف بها منهم، فيطيعونهم ولو كان ذلك في معصية الخالق. وهم قانعون بعبوديتهم، ومتنازلون عن حريتهم مقابل ما يتصدق به الآخرون عليهم. هؤلاء كانوا ضد الديمقراطية عندما كانت السلطة ضدها، بل اعتبروها كفراً وزندقة ومخالفة للطاعة الواجبة. وعندما اقتضت الظروف تبنّي الديمقراطية أيدوها. وبعد أن كانت الأحزاب حراماً شكّلوا الأحزاب الموالية. وبعدما كانت المرأة لا تستحق الولاية العامة أضحت تستحقها وقس على ذلك من مقاييس.
تتمثل الدونية في الخضوع للكبار، ويتم التعبير عنها بتفخيم ألقابهم عند المخاطبة، بل والاحتفاء ببوس اليد ولو كان باستطاعتهم لباسوا الرِجل. وكثيراً ما تتكرّر «صح لسانك» كلما نطق الكبار بكلمة، وبعد كل حديث يتم استنفار قاموس النفاق لمدح الحديث وتبيان عبقرية قائله. والتبرير جاهز لكل المواقف بتصرفات الحكام، بحيث أضحوا مثل الآلهة.
هذا الخضوع والنفاق هو ما يشجّع الحكام العرب على استمرار الخطأ. بالمقابل فإن الشعب ليس قطيعاً، ونخبه السياسية والثقافية ليست من التابعين، ولذلك فمقابل هؤلاء هناك الأكثرية التي تناضل منذ عقود من أجل حقوقها في الكرامة والحرية والمشاركة والديمقراطية والمواطنة المتساوية، وغيرها من المطالب المشروعة جيلاً بعد جيل.
وعندما يحتدم الصراع يسارع هؤلاء الدونيون إلى شنّ الحرب ضد المناضلين من أجل غدٍ أفضل، فهم لا يستطيعون أن يروا صورتهم القبيحة في مرآة النضال الوطني، فيسعون إلى إحباط النقيض لهم أو جرّه إلى المستنقع. ومن هنا نفهم لماذا هذه الحرب الضارية ضد المناضلين والمطالبين بحقوقهم المشروعة ووصمهم بالخيانة والتآمر والجحود والطائفية وغيرها.
بالطبع هؤلاء المقتنعون بدونيتهم ليسوا كتلةً واحدةً، ودوافعهم ليست واحدة. القلة واعية لخطل ما تقوم به، لكنها المصالح الأنانية الضيقة وخصوصاً لمن لا يستحقها، سواءً أكانت مالاً أو مركزاً أو سلطةً أو امتيازاً. لكن الغالبية مضللون، ممن تحشى أدمغتهم وتُربّى أنفسهم على الدونية واستثارة الغرائز البدائية لديهم ضد إخوانهم في الوطن.
إن من أهم عوامل استمرار التبعية هو قبول العبيد بالاستعباد وكأنه قدرٌ محتوم. فمتى يعي الذين تتملكهم الدونية، أنهم وُلِدوا أحراراً، وأنهم يستحقون الحرية، وكما قال الخليفة عمر بن الخطاب (رض) مخاطباً واليه على مصر عمرو بن العاص بعد أن جلد ابنه قبطياً بعد أن جلد ابنه قبطياً بعد خسارته للسباق: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»... وأمر بجلد ابن عمرو بن العاص بعدد جلده للقبطي.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3652 - الأربعاء 05 سبتمبر 2012م الموافق 18 شوال 1433هـ
اتعجب
الغرابة كل الغرابة بقبول هذا الصنف من الناس بالاستعباد والاستحمار وعدم القبول بمن يريد لهم الحرية فانا لا الوم الطواغيت ولكن الوم هؤلاء البشر ان كانوا فعلا بشرا .
عقدة سوكهولم
حسب تشخيص علماء النفس ، أطلقوا على هذه الحالة إسم عقدة ستوكهولم ، وهو دفاع الضحية عن جلادها.
شكرًا ابو منصور
للأسف الشديد ان ما تقولة صحيح في هذا الزمن الأغبر ، الانتهازيين و المتمصلحين يبقون دائماً عبيد ويقبلون بالذل والمهانة ويحاربون كل من يطالب بكرامتة وعزة اكثر من السلطة نفسها ، لأكن تبقى إرادة الشرفاء والمخلصين لوطنهم أقوى وأصلب
هذا ما حاربته الأديان السماوية واكثرها الاسلام ولكن
بعد ان فقدنا معرفتنا بجوهر الدين الاسلامي وحقيقته الناصعة التي من أهم صفاتها هي المساواة بين الناس وعدم خضوع احد لآخر على اساس مادي
واعتبار الناس سواسية فالآيات كثيرة والاحاديث اكثر في ذلك ولكن البعض من المتمسلمين يرى انها لا تعنيه من قريب ولا من بعيد. أكثر من ذلك يقرّب الله لنا بعض صور الحوار في النار بين التابعين والمتبوعين حين يتبرأ كل من الآخر ويصف الله الحوار بلغة الفعل الماضي لزيادة التأكيد ولكن على قلوب اقفالهم وإدمانها للاستعباد والتبعية ونكران الكرامة التي كرمهم الله بها
وضعت يدك على الجرح ياابن العكري
أقول إذا صلحت البطانة صلح الحاكم وإذا فسدت البطانة فسد الحاكم
شكرا ابن استاذ حسن
مقالك في الصميم وهؤلاء -الدونية-يظهرون انفسهم يفهمون كل شيء وغيرهم لاشيء وهم في حقيقتهم ودواخلهم يحتقرون انفسهم ويشعرون بالصغار اذا نظروا لطفل ولفتى ولشيخ ولامرأة تملك حريتها وارادتها ولا تقبل ما يقرض عليها يحتقرون انفسهم امام من يقدر يقول لا او نعم بحسب قناعته