حُمّى الانتخابات الأميركية بدأت في الارتفاع في كل أصقاع أميركا، وبدأ المرشحان وأنصارهما يتحركون هنا وهناك بغية كسب أصوات الناخبين، وكل يعد بتحسين أوضاع الشعب الأميركي خصوصاً في قضاياه الاقتصادية.
ومعروف أن من لوازم كل مرشح إعطاء وعود بحماية «إسرائيل» ضد جيرانها العرب، ثم أضيفت إيران لهذه الوعود؛ فبرنامجها النووي يجب أن ينتهي لأنه يهدد وجود اليهود في المنطقة وهذا ما لا يمكن السماح به!
اللافت للنظر في الانتخابات هذا العام أن رصيد الوعود ارتفع كثيراً؛ فمرشح الجمهوريين ميت رومني هرول إلى «إسرائيل»، ومن هناك أعلن أن القدس كلها عاصمة للكيان الصهيوني، ولأنه «عالم تاريخي!» فقد قال إن التاريخ يؤكد ما ذهب إليه!
هذا المرشح زوّر حقائق التاريخ كلها، ثم خرج على كل قرارات الأمم المتحدة والتي وافقت عليها حكومته وهي أن المناطق التي احتلتها «إسرائيل» العام 1967 هي مناطق محتلة ليس للصهاينة حق فيها، وإنما هي للفلسطينيين يقيمون عليها دولتهم، كما أن القدس الشرقية هي عاصمة لدولة فلسطين.
هذا المرشح لا ينظر إلى كل تلك الحقائق وإنما وضع نصب عينه أن وصوله لكرسي الرئاسة يتطلب حصوله على رضا الصهاينة في «إسرائيل» وفي أميركا، ولهذا فهو يفعل كل شيء من أجل حصوله على تلك المباركة الصهيونية.
ميت رومني لم يكتفِ بكل ذلك وإنما سارع فاختار بول ريان نائباً له، ومعروف أن ريان من أكثر المناصرين للصهاينة في الكونغرس الأميركي، وكان وراء العديد من القوانين التي اتخذها الكونغرس لصالح الصهاينة، وهو الذي يصف «حماس» دائماً بأنها جماعة إرهابية، في الوقت الذي يصف فيه «إسرائيل» بأنها أفضل صديق لأميركا وأنها تقف ضد الإرهاب، أي ضد حماس!
الوعود الأخرى لا تتوقف فـ «إسرائيل» في المقدمة، مهما كانت التضحيات وكلما زادت جرعة الوعود كلما شعر رومني أنه الأقرب للرئاسة! بطبيعة الحال الرئيس أوباما يفعل الشيء نفسه، وإن كان بشكل مختلف أحياناً، لكن الهدف هو الهدف لا يتغير، فهذا الرئيس زار «إيباك» معقل الصهاينة وأنصارهم وألقى خطاباً طويلاً خصّص معظمه للحديث عن «إسرائيل» وأهميتها بالنسبة لأميركا، وتعهد بحمايتها ومساعدتها ضد أعدائها مهما كانوا. ومازالت هذه الوعود تتوالى، واستجلاب العطف الصهيوني مازال مستمراً.
العرب وقضاياهم لا مكان لها عند المرشحين، وكذلك لا محل للدولة الفلسطينية عند هذين المرشحين. ومع أن أميركا تستفيد كثيراً من الدول العربية مادياً، وأحياناً سياسياً وعسكرياً، في الوقت الذي تنفق مليارات الدولارات على الصهاينة إلا أنها مع هذا كله لا تقيم للعرب وزناً، وتستمر في الضغط عليهم لصالح الصهاينة في كل صغيرة وكبيرة. وما يحدث هذه الأيام من الضغط على مصر للتقارب مع «إسرائيل» والاستمرار في قبول معاهدة كامب ديفيد الظالمة، دليل أن هؤلاء سيبقون على مواقفهم ما لم يتغير العرب شعوباً وحكومات لتغيير هذه الصورة السيئة.
لغة المصالح وحدها هي التي يفهمها الأميركان وحكامهم، وهذه المصالح موجودة في بلادنا العربية خصوصاً الغنية منها؛ ومن المؤكد أن أعضاء «إيباك» لا يملكون من المال ما يملكه أثرياء العرب، لكن الفرق بين أثريائهم وأثريائنا أنهم يستخدمون أموالهم في تثبيت وتقوية مصالح اليهود في العالم كله بينما الغالبية العظمى من أثريائنا تستخدم الأموال لتحقيق ملذاتهم وأهوائهم وتضخيم أرصدتهم، أما قضايا أمتهم العامة فلا علاقة لهم بها وغالبية الحكام لا يختلفون كثيراً عن أثرياء بلادهم وهنا تكمن المشكلة التي تنتظر الحل!
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 3650 - الإثنين 03 سبتمبر 2012م الموافق 16 شوال 1433هـ