تصبح التنمية الاقتصادية في غياب الظروف السياسية الملائمة للسلام في أفغانستان مستحيلة، بغض النظر عن حجم المعونة التي يتعهد بها المانحون.
تعهدت الدول الرئيسية المجتمعة في طوكيو هذا الشهر بدفع نحو أربعة مليارات من الدولارات سنوياً كدعم مالي لأفغانستان حتى العام 2015. وتشكّل هذه الالتزامات بتوفير المعونة جزءاً من استراتيجية لضمان مستقبل أفغانستان من خلال توفير الدعم لحكومة كابول وتمويل التنمية الاقتصادية. النظرية سليمة وراسخة، فالحوكمة والتنمية ضروريتان دون شك من أجل السلام، ولكن الاستراتيجية ينقصها العامل الأكثر حسماً، وهو خطة لإنهاء الحرب.
واجهت أفغانستان حرباَ شبه مستمرة لمدة تزيد على 30 سنة، أولاً ضد الاتحاد السوفيايتي، ثم حرباً أهلية، والآن تمرد «طالبان» ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وقد ساهمت جميعها بوضعها كواحدة من دول العالم الأقل تطوراً.
تبقى الأوضاع الأمنية في أفغانستان اليوم مصدر قلق شديد، وقد تصبح أكثر سوءاً مع مغادرة القوات الأجنبية. وقد راقب الأفغان الضحايا من المدنيين يزداد عددهم تدريجياً وبشكل منتظم في السنوات الأخيرة، بينما تسيطر قوات المتمردين على العديد من أجزاء الدولة. حاولت الولايات المتحدة تشجيع مفاوضات السلام، ولكنها تعمل كذلك على افتراض أن الحرب ستستمر.
سيبقى نحو 20.000 جندي، حسب خدمة بحوث الكونغرس، في أفغانستان بعد العام 2014 لتدريب ودعم قوات الأمن الأفغانية وهي تحارب التمرد. وإذا انحدر القتال إلى درجة الحرب الأهلية المتجددة كما يخشى البعض، فستزداد معاناة المدنيين وتضيع المكتسبات الأخيرة في مجال حقوق المرأة، وستختفي احتمالات التنمية الاقتصادية.
تحتاج أفغانستان للمعونة الاقتصادية، ولكن احتياجها التنموي الكبير هو المعونة على إنهاء الحرب. وهذا هو ما يخدم الشعب الأفغاني على أفضل وجه. وقد ذكرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في مؤتمر طوكيو أن الأمن والتنمية في أفغانستان يعتمدان على «ما إذا كانت التسوية السياسية ستستمر وتنجح». ستخفّض اتفاقية سلام بين المتمردين ونظام كابول الحاجة لقوات أمن كبيرة لا يمكن تحمل كلفتها ويفتح الطريق لمزيد من الإنفاق الهائل على الأولويات المدنية ويزيد فرص اجتذاب الاستثمار الأجنبي.
التحديات التي تواجه التفاوض على تسوية كهذه هائلة. أقرّت الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية هدف سلام متفاوض عليه، ولكنهم لم يكرّسوا الطاقة والموارد الضرورية للعملية. فضّل «طالبان»وغيرهم والجماعات المتمردة في البداية محادثات السلام، ولكنهم خرجوا من العملية السنة الماضية مطالبين الولايات المتحدة بتحقيق وعود سابقة بإطلاق بعض المعتقلين من سجن غوانتنامو. وقد التقى المسئولون الأمريكيون مع ممثلين عن «طالبان» في طوكيو، ولكن لم يجرِ تحقيق أي تقدم حتى الآن نحو مباشرة مفاوضات رسمية.
تنتهي معظم الحروب باتفاقيات سلام متفاوض عليها وليس بالنصر العسكري. ستأتي معاهدة سلام بالأمن والاستقرار للشعب الأفغاني، وستحدّ كذلك من جاذبية التسلح.
تُظهِر البحوث أن عمليات السلام تنجح عندما تكون شاملة وشمولية، وتتمتع بدعم عالمي كبير. تتحسّن فرص النجاح كذلك عندما تتم مراقبة الاتفاقيات من قبل قوات حفظ سلام من طرف ثالث. سيتطلب ذلك مشاركة عالمية مستمرة ودعماً لأفغانستان، ولكن بتركيز أكبر على صنع السلام بدلاً من خوض الحروب.
توصي تقارير حديثة أصدرتها مجموعة الأزمات العالمية، وهي منظمة غير حكومية تعمل في مناطق النزاع العنفي، ومؤسسة «راند» (RAND)، وهي بيت فكر بارز، توصي بإيجاد فريق وساطة رفيع المستوى بقيادة الأمم المتحدة للعمل مع الحكومة الأفغانية والجماعات المتمردة والدول المجاورة لتيسير عملية سلام شاملة متعددة الوجوه. يتوجب على هؤلاء المنخرطين في المفاوضات أن يسعوا للوصول إلى اتفاقية بين المتمردين والحكومة الأفغانية وحلف دبلوماسي بين الدول المتجاورة، بحيث يحاول الأول إيجاد المزيد من الحوكمة الأكثر شمولية والمساءلة داخل أفغانستان، بينما يسعى الثاني للحصول على تعهدات بعدم التدخل ودعم التوازن من الدول المجاورة. يجب إشراك النساء الأفغانيات في المفاوضات وحماية مكتسباتهن وحقوقهن خلال العملية.
يتوجب على الولايات المتحدة وشركائها زيادة دعم عملية تفاوضية وتكريس المزيد من الطاقة من أجل البحث عن تسوية سياسية في أفغانستان وبين جيرانها. يحقق العمل باتجاه نهاية متفاوض عليها للحرب أكثر من كافة التعهدات بتوفير المعونة في طوكيو لتعزيز احتمالات التنمية في أفغانستان وتحسين حياة شعبها.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3649 - الأحد 02 سبتمبر 2012م الموافق 15 شوال 1433هـ