إن التظاهر السلمي ظاهرة حضارية تفتخر بها الكثير من الدول في العالم كشكل من أشكال التعبير عن الرأي المقبول أو القدر المسموح به في حالة الرفض والاحتجاج تجاه قضية ما.
وإذا رجعنا إلى الجذر اللغوي لكلمة «المظاهرة» فهي تعني المُعاونة، وفي حديث علي (ع): أنه بارز يوم بدرٍ وظاهرَ، أي نصَرَ وأعانَ. والتظاهر التعاون، واستظهر به استعان به، و(تظاهروا) أي تعاونوا وتجمعوا ليعلنوا رضاهم أو سخطهم عن أمر.
والمظاهرة من الظَهْر؛ لأن الظَهْر موضع قوة الشيء في ذاته. أما الوعي التظاهريAwareness of the demonstration كمصطلح إجرائي فإننا نعني به «إدراك الطالب/ة لمجموعة الخبرات المعرفية والوجدانية والسلوكية المرتبطة بالمظاهرات، والتي تمكِّنه من مواجهة ما قد يحدث في المجتمع من أزمات أو قضايا تستوجب منه التعبير عن رأيه بالاجتماع مع آخرين.
ويُصنف التظاهر السلمي ضمن أحد الحقوق الأساسية في أي مجتمع إنساني وأداة مقبولة ليعبِّر الأفراد عن قبولهم أو رفضهم لشيء ما، من دون اللجوء إلى وسائل العنف.
للتظاهر السلمي تأثير إيجابي وكبير على قرار الحكومات في الأنظمة الغربية الديمقراطية، لدرجة أن طلبة المدارس تجدهم يخرجون في المظاهرات السلمية للتعبير عن آرائهم تجاه مواقف اجتماعية وسياسية معينة.
تؤكد الدراسات الاستراتيجية المعنية بالشباب على ضرورة إتاحة الفرصة أمام هذه الفئة وتمكينهم من حقهم في المشاركة السياسية، بحيث تصبح جزءاً من سلوكهم؛ لكي تنهض بمستوى وعيهم ونضجهم السياسي؛ لأن إلغاء هذا الحق من شأنه أن يوسِّع الهوَّة بين المتعلمين ومجتمعاتهم، بمعنىً آخر مصادرة الدور الأساسي للتعليم في تنمية الوعي والتشكيل السياسي للطلبة وإحداث فراغ سياسي لديهم، وبالتالي يكونون عُرضة للتشظي والانقسام في خضم التجاذبات بين التيارات السياسية الراديكالية المتطرفة هنا وهناك.
تشير دراسة (بول واريك Warwick,Paul) في العام 2008م التي أجريت على (415) شاباً في بريطانيا إلى أن الاستماع إلى أصوات الشباب وآرائهم وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم بحرية وديمقراطية من شأنه أن يساعد في مساهمة الشباب بإيجابية داخل مجتمعاتهم في كثير من قضايا الحياة العامة.
بل، وتضيف دراسة أخرى قام بها (لونن ديفيز Davies, Lynnc) في العام 2009م عن التعليم لمناهضة التطرف Educating Against Extremism بأن تعليم الطلبة سبل الاحتجاج الصحيحة تنأى بهم عن اللجوء إلى العنف والتطرف في التعامل مع المواقف والقضايا المختلفة.
بيد أن السؤال المطروح: ما أهمية إكساب النشء الوعي التظاهري؟
إن للمظاهرات السلمية أهمية بالغة كسلوك حضاري مقبول للتعبير عن رأي فئة معينة من المجتمع في القضايا المختلفة، فنجد كثيراً من المجتمعات وهي تعيش حالة من الخمول، إذ يتسم الأفراد فيها بسلوكيات اللامبالاة نحو قضايا مجتمعهم، كما يفتقدون إلى التفاعل الإيجابي والنشط في الجوانب السياسية، فإكساب أفراد المجتمع للسلوكيات المقبولة في عملية التظاهر إنما يعدُّ ضماناً للحفاظ على سلامة وأمن المجتمع أثناء المظاهرات.
لا يخالجنا أدنى شك بأن الوعي التظاهري يساهم في تكوين الاتجاهات والممارسات المرغوبة نحو أهمية المشاركة السياسية لدى الطلبة، فهو يفيد في إكساب معلومات متعددة عن مشكلات وقضايا المجتمع في أذهان الطلبة، بحيث لا يكون التعليم بمعزل عن الواقع.
علاوة على ذلك، فإن الوعي التظاهري يمثل بعداً مهماً من أبعاد الوعي السياسي الذي تسعى جميع الأنظمة التعليمية المتقدمة إلى إكسابه للتلاميذ من خلال ممارسة المتعلم للأنشطة التعليمية المتمركزة حول المظاهرات كفاعلية استخدام مدخل (تمثيل الأدوار) في تنمية اتجاهات وممارسات الطلبة نحو التظاهر السلمي وتنمية كفاياتهم لتصميم أنشطة تعليمية/تعلمية عن المظاهرات السلمية كتكليف الطلبة بالقراءات الحرة في موضوعات حول المظاهرات السلمية أو قراءة فقرات من دستور مملكة البحرين مثلاً، أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين، أو مشاهدة مقطع فيديو أو صور لإحدى المظاهرات السلمية، ومقارنتها بمشاهدة مقطع آخر فيديو أو صور لإحدى المظاهرات غير السلمية، أو تنظيم مسيرة سلمية حول أحد الأحداث الجارية على الساحة التعليمية، أو إعداد مجلات حائطية ملصقات أو معرض صور وأفلام ومسرحيات ومسابقات شعرية تتناول موضوع المظاهرات السلمية في الفضاء المدرسي.
نحتاج لأن نكون أكثر جرأة وموضوعية في طرح ومناقشة مثل هذه القضايا من خلال إعادة تشكيل وصياغة الفكر التربوي العربي؛ ليتيح الفرصة أمام الطلبة في التفاعل مع المشكلات المحلية والإقليمية والعالمية بطريقة علمية رصينة ومسئولة، وحينها لابد للمناهج التعليمية أن تتضمن بعض الموضوعات التي تؤكد على أهمية الوعي بالمظاهرات السلمية كأسلوب حضاري للتعبير عن الرأي، وبوصفها حقاً من حقوق الإنسان تكفله الدساتير والمواثيق الدولية، بحيث يتم تسليط الضوء في المناهج التعليمية على قيم الحرية وتعميقها في أذهان الطلبة ليقوموا بتمثُّلها وممارستها من دون توجيه من أحد، وذلك ممكن تحقيقه عبر الآليات التربوية كتنظيم المؤتمرات والندوات وورش العمل واللقاءات المباشرة التي تضم القيادات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور لتعريفهم بالمظاهرات السلمية وأهمية إجراءاتها وقواعدها.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3648 - السبت 01 سبتمبر 2012م الموافق 14 شوال 1433هـ
هذه الليلة!!
يم منع إعتصاما سلميا كانت المُعارضة بصدد عمله ... في ساحة الحرية بالمقشع؟!!
فما هو تعليقكم على ذلك أستاذنا الموقرّ؟!!
كلام سديد
ما بال من يريد فصل روح الطالب عن مجتمعه المحلي والعالمي ويقول لا يصح خلط التعليم بالسياسة؟! ينبغي تنمية التفكير الناقد منذ نعومة الأظافر حتى لا تتسع الفجوة مع الواقع،هذا يرفع تقديره لذاته ويزيده ثقة بنفسه .وإلا كيف نصنع القادة ؟
بارك الله فيكم
التعليم لدينا كالكيس الاسود
التعليم لدينا صار كالكيس الاسود يرمى فيه كل قذر
فهل أنتم فاعلون
ليست هذه علة التعليم انما هي الاخرى أم العلل
طابت أوقاتك أستاذي الكريم
مع الأسف يا أستاذ فاضل!! أنّنا بتنا لا نكاد نفرّق بين ما هو مشروع أو غير مشروع!! سلمي أو غير سلمي!! و ذلك طبعا إثر الحرب الإعلامية الشعواء و المُعلنة .. ضد حقنا في التظاهر و المطالبة بالحقوق و الحريات!!
طابت أوقاتك أستاذي الكريم
أكثر من هذه الأطروحات المُسايرة لمُجريات الواقع السياسي المُعاش على الساحة المحلية.
عوفيت عزيزي