قالت الكاتبة الصحافية عصمت الموسوي "اننا نعيش زمن الانفلات في الخطاب الديني والمذهبي والطائفي على كل المستويات في الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة والالكترونية وفي المواعظ الدينية والخطب وفي الفضائيات التي تتكاثر كالفطر".
وذكرت في ندوة قدمتها عن "دور الإعلام في التحريض الطائفي"، الأربعاء (29 أغسطس/ آب 2012) في مقر جمعية وعد في أم الحصم، "بعض هذه الخطابات الطائفية نراه بشكل سافر وواضح ومكشوف وفج، وآخر بشكل مضمر ومتوار، وهو مناخ ملائم جدا للإلهاء وتضييع القضايا السياسية الجوهرية وحرفها عن بوصلتها الرئيسة، إنها الأجواء المشجعة والمكرسة لبقاء الحال على ما هو عليه، خشية مما هو أسوأ منه".
وأردفت "انه المناخ ذاته الذي أخر استحقاقات الإصلاح والديمقراطية في كل الأرض العربية على مدى عقود، وهو المناخ الذي يتصارع فيه الاخوة فيما بينهم وكل يمسك بعنق الآخر متهما إياه بانتزاع وسرقة حقوقه".
وواصلت "وقد قالت لي مراسلة أجنبية التقيتها بعد انقضاء قانون السلامة "إن مشكلة الشعب البحريني الآن هي الطائفية"، وهنا يعاب على المعارضة أنها لم تلتفت إلى هذا السيناريو المتوقع، ولم تضعه في حسبانها".
ورأت الموسوي أن "شعب البحرين قد تم جره جرا لهذا التوجه المدمر، وما لجان التحقيق التي تم إنشاؤها في الوزارات وعلى صفحات الصحف وفي التلفزيون وحيث يحاكم الزميل زميله ويشي به ويتسبب في فصله ويخوَنه في كتابته، ويسمه بالعمالة والخيانة إلا محرضات لبث الفتنة ونشر الفرقة والكراهية والبغضاء بين الشعب الواحد، وقد كان بالإمكان أن يفصل ويعتقل وينتقم دون أن يزج المواطنين ويورطهم ويحرجهم ويؤلبهم على بعضهم البعض".
ولفتت إلى أنه "مثلما جرى حين تم اعتقال الناس في بيوتهم، كان بالإمكان أيضا إرسال رسائل بريدية أو الكترونية أو هاتفية لإخبار الناس بفصلهم دون المرور بلجان التحقيق، فمن الذي ينسى صديقا أو رئيسا أهانه أو تسبب في قطع رزقه؟".
واعتبرت أن "هذه العملية احد أكثر الأمور التي تسبب الأحقاد والانشطار المجتمعي الذي نرى نتائجه الآن".
وشددت على أن "أجواء العمل أصبحت خانقة فلا ترقيات ولا تعيينات جديدة لفئة كبيرة من الناس، بل قطع رواتب وتمييز وإقصاء وتهميش وإمعان في سياسة الانتقام، وكلما طال الحراك وتأخر الحوار ازداد التناحر والكره والتباغض بين أفراد الشعب".
وأوضحت "لذلك كان البدء ببرامج المصالحة الوطنية التي هي آخر توصية من توصيات بسيوني، مع اننا نعلم أن التشرذم المجتمعي إن هو إلا نتاج للازمة السياسية غير المحلولة، فهل تجدون أفضل من هذه الأجواء لصرف الشعب عن بوصلته الأساسية ومطالبه بالديمقراطية؟".
وأكملت "بالطبع نحن لا نخلي مسئولية المجتمع عما يصيبه وما يقع فيه من فتن وما يستدرج إليه من أفخاخ، وهو أمر وجدت الشعوب نفسها فيه، ويعود إلى أسباب عديدة بعضها قديم ومتجذر وتاريخي وبعضها راهن ومتصل اتصالا وثيقا بمجريات الأحداث السياسية".
وأردفت "أقولها بكل صراحة إننا مجتمعات لم ترق في مستوى تعليمها ووعيها السياسي والوطني إلى التفكير العقلاني لمعالجة شئونها الدنيوية والسياسية بعيدا عن الدين والطائفة".
وقالت "أسوأ ما في تديين السياسة وتسييس الدين أننا جميعا لسنا على اتفاق في شأن هذا الدين فكل يرى فرقته الناجية وفرقة غيره الهالكة وكل يكفر الآخر ويرى نفسه في الجنة والآخر في النار ولا احد يؤمن بالتعددية وحق الاختلاف وحرية احترام الآخر التي هي جوهر الديمقراطية".
ولفتت إلى أن "ما كان متواريا ومسكوتا عنه، وكان يقال في الغرف المغلقة صار مكشوفا على اثر اتساع وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية والتي هي غير محكومة بإطار أو سياسة محددة، وهو يوم لم تحسب له الأنظمة حسابا إذا اعتقدت أنها ستظل مالكة ومتحكمة في القطاع الإعلامي بشقيه الخاص والعام".
وأكملت "لهذا نجدها سارعت بالدخول بكل ثقلها إلى هذه الساحة أيضا وأشعلتها فتنة وتوتيرا وتحريفا وتضليلا مستعينة بالحسابات المموهة والمشبوهة وممارسة عملية الردح الالكتروني وتكريس التناحر والاختلاف الطائفي وشتم المناوئين والمعارضين واتهامهم في شرفهم وأخلاقهم من اجل إسقاطهم في نظر جماهيرهم".
وقررت أن "حرب المصالح السياسية وتقاسم النفوذ الإقليمي والدولي قد ساهما في تأجيج هذه الحروب، ولكن كل الحروب تقوم على مصالح مادية وان تغلفت بالدين، والدين منها براء ولكن الدين كان ولايزال مطية لهذا الفصيل أو ذاك، ولعلنا نسمع ونرى أن النظام الذي يدعو شعبه إلى فصل الدين عن السياسة هو أول من يستعين بوعاظه لتمكينه ومؤازرة مواقفه".
وختمت الموسوي بقولها "هل لنا بعد هذا أن نتساءل عن دور الإعلام وفيما إذا كان موضوعيا ومحايدا أم محرضا ومنحازا؟، إن الإعلام ليس سوى مرآة عاكسة لواقعنا، وتقرير لجنة تقصي الحقائق يقول ان الإعلام خاضع للسيطرة الحكومية باستثناء صحيفة واحدة، ولذا هو يجاري التوجهات الرسمية في سياستها وما لم يكن مستقلا فسيظل منحازا وممثلا لوجهة نظر الحكومة فقط".
ومن جهته قال الصحافي فيصل هيات "تقرير بسيوني اثبت أن الإعلام الرسمي كان له دور كبير في التحريض الطائفي، فقد قام هذا الإعلام بممارسة التحريض والتخوين".
وأضاف "اللغة التي تم استخدامها في هذا الإعلام كانت من أجل تكوين رفض للمعارضين من قبل المشاهدين البسطاء، الإعلام الرسمي قام بالتشكيك في أصول المواطنين وتشويه سمعتهم".
وذكر هيات أن "الصحافة تحولت في فترة الأحداث من مرآة إلى مساحات للبث بخطاب ناقص".
وتساءل "لماذا لا يطبق القانون الذي يمنع "نشر أخبار كاذبة" على من لفق تهمة حمل السلاح على الأطباء؟".
وشدد هيات على أن "المساس بالنسيج المجتمعي البحريني عسير على أي أحد، ومهما حاول البعض ضرب هذا النسيج لن يستطيع ذلك، لن يستطيع هذا الإعلام شق الشيعة والسنة فهم إخوان وتربطهم مصاهرة وجيرة ومحبة وعلاقات والتاريخ يشهد بذلك".