تُترَك الفواكه والخضروات لتفسد على ظهر السفن بانتظار موافقة السلطات الجمركية في موانئ البحر الأبيض المتوسط. نتج عن عمليات الفحص المخبري البطيئة في الموانئ انتظار الحاويات إلى أجل غير مسمى بينما تفقد الأعمال التجارية عملاءها ويفقد المستهلك صبره.
ورغم خطوات هائلة نحو الأمام تم تحقيقها في العلاقات التجارية العالمية وتكنولوجيا الاتصالات، مازالت عملية شحن البضائع بين أوروبا والشرق الأوسط أحياناً تنطوي على روتين ورسميات ومعاملات روتينية تضيع الوقت. إلا أن مشروعاً أوروبياً جديداً هو «كاستام ميد» (CUSTOM MED) يعد بخريطة طريق توفر توصيات عملية حول كيفية تنظيم وإرشاد الإجراءات الجمركية ودفع عجلة التجارة الإقليمية.
جرى إطلاق «كاستام ميد»، وهو أول مشروع شراكة أوروبية تتعلق بالشرق الأوسط وتتعامل مع التجارة، رسمياً يوم 5 يونيو/ حزيران في مدينة العقبة الأردنية. لدى السياسيين وأصحاب الأعمال عبر منطقة البحر الأبيض المتوسط آمال كبيرة بهذا المشروع، الذي كلّف دافع الضرائب الأوروبي 1.1 مليون يورو. ولكنه يعِد بفوائد كبيرة على صورة كفاءة إضافية في عملية شحن البضائع، الأمر الذي يدفع بدوره التنافسية ويخلق فرص عمل إضافية وازدهاراً أوسع نطاقاً.
«الناحية الفريدة لهذا المشروع هي أن جميع الشركاء ذوي العلاقة هم جزء من الحل. معيقات التخليص الجمركي في موانئ المنطقة كثيرة ومعقدة، ومفتاح الإسراع بالإجراءات وإطلاق القدرات الهائلة للتجارة هي عن إيجاد أساليب للموانئ لتعمل معاً. لا يحمل الأوروبيون الإجابات وحدهم، فأنا أعرف موانئ في الشرق الأوسط تعمل بسلاسة أكثر من بعض الموانئ الأوروبية»، يشرح منسق مشروع «كاستام ميد» فابيو بالليني، الأستاذ بجامعة جنوا الإيطالية: «ما علينا عمله هو الاجتماع معاً ودراسة أفضل الممارسات عبر منطقة البحر الأبيض المتوسط، شمالاً وجنوباً، ووضع برامج تدريب مشتركة لضباط الجمارك وتبسيط تكنولوجيتنا. نحن جميعاً بحاجة لأن يحصل ذلك. هذا مشروع يفوز فيه الجميع بشكل مؤكد».
بعض أساسيات زيادة الشفافية في الإجراءات الجمركية في المنطقة موجودة فعلاً، نظرياً على الأقل. تعمل التجارة الدولية بشكل عام ضمن نظام جمركي موحّد هو نظام البيانات الجمركية المؤتمت(ASYCUDA)، الذي جرى تبنيه عالمياً العام 1981.وعلى رغم أن تصميم أنظمة الاتصالات مازال في مكانه، يجري تطبيق النظام بشكل مختلف في الموانئ المختلفة. ليس سبب هذه الفروقات دائماً هو أنظمة التكنولوجيا غير المتكافئة، وإنما كذلك انعدام المهارات بين ضباط الجمارك والإدارة التي تحمل أعباءً فوق طاقتها.لهذا السبب تشكّل البرامج التدريبية جزءاً لا يتجزأ من المشروع.
يمكن للنقاش المفتوح حول الحاكمية الجيدة بين أصحاب المصالح والاهتمامات المعنيين وسلطات الموانئ في مشروع «كاستام ميد» أن تبرز وجهات نظر جديدة حول هذه القضايا.
«الحاكمية الجيدة هي عن زيادة الكفاءة والاستخدام الأفضل لقدرات الموانئ وزيادة التنافسية. ولكن من الأهمية بمكان كذلك أن نتذكر أن الإجراءات الجمركية موجودة لأسباب جيدة هي حماية المستهلك والبيئة من المنتجات الخطرة على سبيل المثال.نحن بحاجة لأن نركز على تسريع الإجراءات، ولكن في الوقت نفسه التأكد من أنها كفؤة»، يضيف بالليني.
الإمكانات الحقيقية الكامنة لـ «كاستام ميد» لا يمكن الحد من قيمتها، فقد أتى الربيع العربي بمساحة جديدة للتغيير عبر المنطقة. فأوروبا الآن في موقع فريد للبناء على هذه الصحوة، مستفيدة من الدينامية الاقتصادية في الشرق الأوسط ومن الشباب الموهوب والإلهام الذي أعيد إطلاقه.
رغم ذلك، هناك الكثير مما يجب التعامل معه. ليست صورة الفواكه والخضار تفسد على متن البواخر التي تنتظر إجراءات التخليص الجمركي مجرد مجاز. معدل الفترة الزمنية التي تحتاجها السلطات الجمركية للموافقة على إدخال البضائع الواردة في موانئ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي أربعون يوماً، رغم اعتماد المنطقة على أوروبا في استيراد 50 في المئة من منتجاتها، وهذه ليست قاعدة متّزنة للعلاقات التجارية.
وبوجود التوجه الحالي للمزيد من الكفاءة والتنافسية بين الموانئ الأوروبية يبدو الوقت مناسباً لكجميع الأطراف لإلقاء نظرة جديدة على أساسيات التجارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، التي شكلت ولعقود كثيرة بوتقة الانصهار الحقيقية للحضارات.يشكل «كاستام ميد»خطوة كهذه باتجاه المزيد من التكامل المتبادل والحوار، مما يوفر حلولاً عملية لكيفية دفع عجلة التجارة وتحقيق آمال عالم اليوم.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3645 - الأربعاء 29 أغسطس 2012م الموافق 11 شوال 1433هـ