تباينت ردود الأفعال حول إعلان الملك عبد الله بن عبد العزيز تأسيس مركز الحوار بين المذاهب خلال مؤتمر القمة الإسلامية بالمملكة العربية السعودية. هذا التباين اكتسب صبغة واضحة في تصريحات بعض الفعاليات الحقوقية سواء في الداخل أو الخارج السعودي، فيما تلقى الإعلام الرسمي العربي بحفاوة بالغة نبأ هذا القرار، وبالطبع فإن هذا الإعلان لا يختص بالشأن السعودي بقدر ما يهم العالم العربي والاسلامي.
يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه المنطقة غلياناً طائفياً غير مسبوق نعاني نحن منه في البحرين كأشد ما تكون المعاناة، لدواعي بعضها منبعث من الداخل، وكثير منه منشأه يمثل صدى لأزمات إقليمية. وعلى إثر الإعلان عن هذا المركز الذي تقرّر أن يكون في الرِّياض، أصدر علماء شيعة مِن الذين يهمهم تطويق الطائفية، والحياة الخالية من العنف والكراهية، ومِن محافظة القطيف شرق المملكة، بياناً مؤيداً للدَّعوة، جاء فيه: «إننا نؤيد وندعم دعوة خادم الحرمين الشريفين، ونلتف حول مساعيه الداعية لرفض التقسيمات المذهبية والمناطقية والأيدلوجية، التي تفت في وحدة المجتمع وتماسكه». ووقع على البيان كل من: الشيخ عبدالله الخنيزي والشيخ علي السيد ناصر السلمان والشيخ حسن بن موسى الصفار والشيخ عبدالكريم بن كاظم الحبيل والشيخ علي مدن آل محسن والشيخ يوسف المهدي والشيخ جعفر آل ربح.
ورغم تحرك كبار علماء القطيف الداعم لخطوات العاهل السعودي، إلا أن بعض النشطاء الحقوقيين في الخليج أبدوا تشككاً في مقدرة هذا المركز على احتواء الغليان الطائفي الذي لا يُعالج بتأسيس مراكز حوار، بل بقانون عادل يكفل حقوقاً متساوية لجميع المواطنين أياً تكن انتماءاتهم الدينية والمذهبية.
فيما يخص البحرين، الفكرة ذاتها تسود بين قطاع عريض من الجماهير، وليست حكراً على النخبة السياسية في النظر إلى أن قرارات سياسية بهذا الشأن لن يكون لها تأثير كبير في تغيير الواقع الذي يعيشه الناس في كل زاوية من زوايا المجتمع. فمكافحة الطائفية المستفحلة ليست مسئولية نصوص دستورية، أو قرارات سياسية عاجلة تتخذ في لحظة حماس مؤقت؛ بل هي ثقافة تترسب في الوعي، وتترجم كسلوك جمعي في كل حلقة من حلقات النظام، وتأخذ شكل قانون ملزم يتساوى أمامه الجميع.
الاحتقان الطائفي الذي يعبث اليوم بمصائر مجتمع بأكمله، يتصاعد ولا يخفت، وهذه حقيقة لا يعرفها جميع البحرينيين فحسب، بل يعيشون ضمن واقعها وفواتيرها الصعبة، وعدا إضاءات جميلة لبعض المساعي الأهلية الخيرة التي تتشبث بالوحدة الوطنية من أهل المحرق الكرام وبعض القوى السياسية التي لم يتزعزع إيمانها بالأخوة الوطنية والدينية بين الشيعة والسنة يوماً قط؛ وما خلا قطاع عريض جداً من المكوّن المستلَب والمهمّش يردّد بإيمانٍ عميقٍ هتافه الرائع: «إخوان سنة وشيعة هذا البلد ما نبيعه»، فإن الواقع يرسف في أغلال الكراهية بشكل لا يُطاق.
أصوات رسمية وأخرى قريبة محسوبة على الموالاة دعت صراحة إلى أن يحذوا علماء البحرين من الطائفة الشيعية حذو علماء السعودية ويصدروا بياناً يدين العنف ويدعو للحوار، يأتي ذلك في ظل خطاب وطني مخلص يتحلى بكثير من المسئولية والشجاعة في محاسبة أتباعه ونصحهم وإدارة الأزمة بكل انضباط وحرص وطنيين، وما لا يحاول البعض ملاحظته والاعتراف به هو أن المشهد الاجتماعي والأمني في البحرين كان سينفلت على المستويين مبلغاً لا يعلم مداه إلا الله لولا حرص علماء ومشايخ البحرين المخلصين ممن تشهد البلاد بتقواهم وورعهم وتشددهم في صيانة الدماء والأعراض.
إن الخطر الطائفي، ما أن يستفحل في أي مجتمع حتى يحرقه بنيران الكراهية، ومشكلتنا في البحرين حين نتخاصم سياسياً يعيّر كل جماعة وفصيل مذهبي خصمه بما يجري في العراق أو إيران أو سورية! ولا أدري إلى متى يستمر مسلسل البلاهة والحمق هذا؟
«في هذا العالم الفسيح أصبح الانتشار والتمدد حالة طبيعية اليوم، فالدول أو المدن التي كانت صافية لمذهب واحد أو ديانة واحدة غدت متعددة، وهؤلاء يحملون في صدورهم مذاهبهم ودياناتهم، ويتأثرون بدعوة حوار ونبذ للخصومة، مثلما يتأثرون بدعوات الكراهية والترغيب في العنف، باسم الدين والمذهب» كما يقول الكاتب رشيد الخيون. وحسبما يذكر الشَّاعر محمد صالح بحر العلوم (ت 1992) في قصيدة «بعض العقائد»:
ما الدين فرقنا ونحن أحبة
لكنما عبثت بنا الأهواء
الدّين يدعو للوفاق ويدعي
داعي النِّفاق بأننا خصماء.
إننا نرى أن مسئولية احتواء غلواء الطائفية وتطويقها ليست مسئولية رجال الدين وحدهم، لأن مواجهتها لا تتم بالكلمة والموعظة الحسنة فقط، بل إن مواجهة الطائفية تتم في ظل إرادة سياسية تقود تغييراً حقيقياً يلزم به النظام مؤسساته في كل موقع ودائرة من دوائر صنع القرار بما فيه البرلمان. فإذا كان البرلمان رفض مجرد مناقشة قانون يجرّم التمييز الطائفي في البلد، وإذا كان خطاب الكراهية المذهبي يتربع على منابر الدين في محاريب الجمعة بكل خيلاء يكفّر وينجّس من يعتبر الشيعة أخواناً له باسم السنة وهو منهم براء، وإذا كانت شريحة لا يستهان بحجمها من المواطنين لازالت مطرودة من أعمالها بتهم وظنون لها علاقة بهويتهم المذهبية حصراً، وإذا كانت بعض المناصب حكراً على لون مذهبي واحد؛ فهل تجدي دعوة ناصحة من رجل دين أو كلمة مخلصة من شخصية سياسية في تخليص البلاد من نيران الطائفية؟ أشك في ذلك.
الطائفية تتمدد في المجتمع وتحرق الأخضر واليابس على مرآى ومسمع من السلطة التي تكتفي بالتباهي بالنصوص الدستورية القاضية بالمساواة بين المواطنين ومواثيق حقوق الإنسان الدولية التي وقعت عليها ولا شيء غير ذلك، ولن نتخلص من هذا الدوران والكابوس الطويل إلا بإصلاح سياسي حقيقي ينتشلنا من هذا المستنقع المُهلك.
رغم ذلك، فإن لنا أملاً وطيداً بإمكانية تغيير هذا الواقع المأزوم، وحسبنا قول الشاعر بشار بن برد العربي:
ألا لا أرى شيئاً ألذ من الوعدِ
على أملٍ فيه وإن كان لا يجدِ.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 3643 - الإثنين 27 أغسطس 2012م الموافق 09 شوال 1433هـ
الكاتب الكريم
مقالك يأتي في الصميم و الجميع بما فيهم المتطرفون من الطائفتين يدرك مدى خطورة المرحلة التي تمر فيها البحرين بالذات و لكن إن أردت أن تنجح مساعيك فإسمع مني نصيحة أحد البحرينيين الرجاء عدم رفع شعار " إخوان سنة و شيعة هذا الوطن ما نبيعه" فهذا الشعار يسبب حساسية لدى الطائفة السنية لما رأوا من تأثير هذا الشعار في العراق. إختر شعاراً آخر بروح بعيدة عن الطائفية و التوجه الصادق عندها أضمن لك اللحمة الوطنية. و الله من وراء القصد.
كيف الجمع بين دعوى مركز الحوار وبث قنوات الفتنة ؟!!
نأمل أن تكون الدعوة صادقة للقضاء على التفتيت الطائفي بعالمنا العربي والاسلامي
ولا تكون لغرض قطع الطريق على التقارب بين مصر وايران وتفعيل دور مجمع التقريب بين المذاهب
كيف يجمع عقلي بين دعوى مركز حوار للمذاهب الاسلامية وبين بث قنوات التفتيت الطائفي التكفيري من نفس الأرض ؟!!!!!!!!!!!
.
اذا صلح الراعي صلحت الرعية
سلمت يداك
الأمل والثقه بالله في أن يجتاز هذا الوطن هذه الفترة المرة من تاريخه الذي لن يرحم الذين يتشدقون ليل نهار بحرصهم على الوحدة الوطنيه فيما هم من يحمل ويوزع معاول الهدم لوحدة هذا الشعب.
الطائفيون ليسو جن ..!!
الطائفيون معروفين لعامه الناس ولا داعي الي تحديدهم واحدآ تلو الآخر ,, لك الله يا شعبي الأبي
السعي واجب
إن ليس للإنسان إلا ما سعى وإن سعيه سوف يرى. صدق الله العظيم. عندما نؤمن بأن ربنا واحد ونبينا واحد و كتابنا واحد فكيف لنا أن نختلف. لكن السياسه تفرق. نعم يجب على المسلمين أن يجتمعوا على كلمه سواء و أن يدفنوا الطائفيه البغيضه.