العدد 3642 - الأحد 26 أغسطس 2012م الموافق 08 شوال 1433هـ

الربيع العربي في مكة المكرمة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في هذه الفترة من كل عام، تشهد المدينتان المقدستان (مكة المكرمة والمدينة المنورة) إقبالاً كبيراً من مختلف البلدان الإسلامية، حيث تهوي الأفئدة لمهبط الوحي ومستقر الهجرة.

الحضور الأكبر يكون من نصيب الدول المليونية القريبة من جزيرة العرب (مصر وتركيا في رمضان وإيران في رجب وشعبان). وتأتي في المرتبة التالية دولٌ مثل الجزائر وتونس، إلى جانب أعدادٍ كبيرةٍ من أبناء القارة الهندية (الهند وباكستان وبنغلاديش)، لكثرة عمالتها المقيمة في السعودية.

في هذا العام، يمكنك أن تلاحظ تراجع أعداد التوانسة، حيث تمر بلادهم بفترة انتقالية صعبة، مقابل زيادة كبيرة في أعداد الليبيين، الذين يمرّون بفترةٍ انتقاليةٍ أيضاً، يعتريها اضطراب سياسي واقتتال قبائلي وبروز تيارات دينية متطرفة ستشغل ليبيا عن أي مشروع للنهوض.

تلاحظ هذا العام غياب اليمنيين، بعدما أجهضت حركتهم التاريخية بعد مخاضٍ طويل، انتهى بتوسيع رقعة الفقر والبطالة، ومعاناة الملايين من خطر المجاعة حسبما أعلنت المنظمات الدولية. وهناك أعدادٌ قليلةٌ من الدول المنكوبة الأخرى بنيران السياسة الدولية والنزاعات الداخلية: العراق وسورية وفلسطين.

الأعداد القادمة من مصر لم تتغيّر إن لم تكن زادت، رغم مرورها بثورةٍ قادها شباب الكرامة وانتهت بانتخابات أتت بالإخوان في الرئاسة والبرلمان. والمصريون أكثر العناصر حضوراً، فبلادهم قريبة من مكة والمدينة، حيث يأتونها براً وبحراً وجواً، وهم معروفون بنزعتهم الدينية، وهم أكبر شعب عربي. هم يأتونها من الغرب، ويأتيها من الشرق أصغر شعب عربي... من جزر البحرين.

الجزائر التي لم يهزّها الربيع العربي، رغم مجاورتهم لاثنين من بلدان الربيع، لها حضور واضح في هذه الفترة من العام، ويغلب على معتمريها الشيوخ وكبار السن. يقابلونك في الفندق أو المصعد أو الطريق، يدعون دائماً للمسلمين ونصرة الإسلام، تشعر أنهم لا يؤمنون بشيء اسمه «عروبة» وشيء آخر اسمه «إسلام»، ويتهللون فرحاً حين تحيي أمامهم الجزائر «بلد المليون شهيد».

هذا الحضور العام الذي تشاهده على السطح، وستلاحظ زيادة أعداد الشباب من عقد الثلاثين والأربعين، هذا المد ربما يعتبر ظاهرةً طبيعيةً مع التغييرات السياسية التي أفرزها الربيع العربي حتى الآن، بعد وصول عددٍ من الأحزاب الإسلامية إلى السلطة في عدد من البلدان العربية الرئيسية خلال العام الماضي. وربما لا تنحسر هذه الموجة أو تقل إلا بعد عشر سنوات أو أكثر، بعد أن تجرب الشعوب الإسلاميين في الحكم وتقيّم أداءهم، وتخضعهم للتقييم والمساءلة باعتبارهم أحزاباً سياسيةً تخطئ وتصيب وتتعرض لإغراءات السلطة والمال وتصيبها أمراض الفساد والمحسوبية والاستئثار كما حدث مع الذين من قبلهم... وليست أحزاباً ناطقةً باسم الله في أرضه.

الربيع العربي لم تقتصر آثاره في المدن المقدّسة على مظاهر التديّن الخارجي لدى الشباب الثلاثيني، من إطلاق اللحى وتقصير الثياب واستخدام المسواك حتى في الطريق، بل يمكن أن يفتح آفاقاً من النقاشات في مختلف القضايا مع الأيام، ويزيد التفاعل مع الأحداث السياسية. في أحد التنقلات ركب الحافلة شابان سعوديان في منتصف العشرين، وأخذا مقعدهما إلى جانب ثلاثة من الشبان الليبيين. وبعد تبادل التحية ومعرفة أنهما من ليبيا، بدأ أحدهما النقاش القول: ماذا يحدث عندكم في ليبيا؟ بعدما تخلصتم من النظام بدأتم تتقاتلون بينكم؟ فحاول أحد الليبيين الدفاع بالقول إن المجتمع الليبي مكوّن من قبائل، فردّ عليه: «لكن هذا لا يبيح لكم سفك الدماء. كل شيء إلا الدم المسلم. دماء المسلمين حرام».

كان كلما حاول أحد الليبيين الردّ صعقه نظيره السعودي بردّ أشد: «أنا ضد القذافي. لا تعتقد أني مع القذافي فأنا لا أحبه. لكني ضد ما فعلتموه به. هذا عملٌ غير معقول. هل هذا من أفعال المسلمين؟». ربما كان يشير إلى الإهانات الأخلاقية التي تعرّض لها القذافي في الدقائق الأخيرة من حياته، وسبّبت رد فعل قوي لدى الشعوب العربية الأخرى تجاه الأحداث في ليبيا. وربما كان يقصد عرض جثته على الملأ لعدة أيام، وما شكّله ذلك من صدمةٍ للضمير الإنساني، لانتهاكه حرمة الموت، ومخالفته الأعراف الإسلامية والسنة النبوية التي نهت عن المثلة ولو بالكلب العقور.

كنت أستمع للحوار الجاري في المقعد الخلفي وأفكّر في تقلبات الأزمنة. الكثير من الأمور تغيّرت بعد الربيع العربي. قبل عامين لم يكن ممكناً أن تسمع مثل هذه النقاشات السياسية في جوار البيت العتيق.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3642 - الأحد 26 أغسطس 2012م الموافق 08 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 11:52 ص

      محرقية

      جيل الشباب ماعرف من الاسلام الا الاسم فقط الكبار ضيعة ما بين الامور السياسية والامور الاجتماعية واختلط عليه الحابل بالنابل

    • زائر 5 | 3:26 ص

      مثل ما صنعت امريكا طالبان

      الان صنعت الطور الثاني من طالبان وأشد منه في الدول العربية خاصة وتسوقهم لكل الدول العربية بلا استثناء هؤلاء التكفيريون هم الوقود التى تحرق بهم الاخضر واليابس وحين الانتهاء منهم ستقود حملة مارشال جديدة وتدعوا بتظافر كافة الجهود للنيل منهم تمام كما فعلت بطالبان هي فعلا موجودة ومتأصلة كتبنا الصفراء القديمة وامريكا نبشت هذه الكتب وفعلت دور هذه الافكار النائمة من سبات التاريخ القديم المليء بالافكار الخادعة والهدامة لقيمنا النبيلة . يريدوا ان يقتلوا "كنتم خيرا أمة اخرجت للناس" بهذه الزمرة.

    • زائر 4 | 2:44 ص

      احقنو دماء المسلمين

      اتصل صائم بأد المشايخ يسأله عن بلع الريق جائز أم يبصقه أفضل ؟ هذا السؤال أجيب عليه بالحلية ولكن بعدم ترطيب الفم من وقت لآخر . هذا المفتي أقر بذبح وسفك دماء طائفة مسلمة لم تبلع ريقها في شهر رمضان بل تكثر من قراءة القرآن والصلاة على محمد وآل محمد
      فكم هو الفرق بين الحلال والحرام عند المفتي؟

    • زائر 3 | 2:33 ص

      خيراااااات

      وعندنا خيرات يا سيد واحد رايح يدعم الجيش الحر في سوريا ويرفض الديمقراطية ببلاده. واني يكفر نصف الشعب وينجس النصف الاني. وعشنا وشفنا ويا ما راح نشوف.

    • زائر 2 | 2:29 ص

      التدين الكاذب

      يقتلون باسم الاسلام ويق\\طعون الرؤوس باسم الجهاد ويحرمون قتل البعوض!

اقرأ ايضاً