العدد 3642 - الأحد 26 أغسطس 2012م الموافق 08 شوال 1433هـ

إيمان بالثورة... في انتظار الحرية

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

إن كثرة الحديث عن «الربيع العربي» بمناسبة أو بدونها سيفضي إلى ابتذاله، مثلما حصل لجملة من الشعارات والمفردات التي عرفها العرب – الخاصة بفترات وحقب سالفة – كعصر النهضة، الزمن الناصري وحقبة القومية… فكل فكرة ترفعُ كشعار دون تطبيق عملي تفقد مصداقيتها. نقول هذا رغم أهمية الحراك العربي، لكن نخشى ما نخشاه من أن يتحول إلى شعار فضفاض «يقول كل شيء عن لا شيء أو لا شيء عن كل شيء» على حد تعبير السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو.

جولة سريعة على امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج بدءاً بالمغرب الكبير، تُنبِئك بأن لفحات نسيم هذا الربيع قد هبت على المغرب في عز أيام هذا الفصل. بينما بقيت جارته الجزائر في دكة الاحتياط العربي للتغيير. أما ثلاثي تونس وليبيا ومصر، فما يزال يصارع الزمن لتجاوز المرحلة الانتقالية ومخاضها العسير، والتأسيس لشرعية جديدة تقطع مع ماضي الأنظمة البائدة. في حين يظل السودان منشغلاً بالحرب مع - ابنه غير البار- جنوب السودان الذي كان حتى الأمس القريب جزءًا منه، في إعادة لسيناريو اليمن مع فارق في الأسباب طيلة عقود.

أما في المشرق العربي، فلا شيء يوحي بأن الربيع العربي قد مر من هناك، فالصراع على أشده ما بين الرياض والدوحة لملء فراغ القاهرة المنشغلة بأزماتها الداخلية. أما اليمن فقد بدأ يستعيد بعض الاستقرار الهش. هدوء واستقرار لم يعرفا إلى سورية سبيلاً جرّاء جنون وحماقات الأسد. بينما بقي العراق ولبنان ساحات لتصريف معارك خارجية وصراعات بالنيابة عن لاعبين كبار في المنطقة.

إن ضبابية الأفق التي تكتنف المشهد العربي أفرزت زمرة من المتغيرات، لم ينفصل بعضها عن الآخر بالقدر الذي يسمح بالتقاط صورة أوضح من تلك التي تبدو للعيان.

لا شك أن قليلاً من التدقيق يقود إلى الإمساك بخيوط تساعد على فهم جزء غير يسير من السيناريو الدائر على خشبة المسرح العربي. خيوط يشكل الإعلام قطب الرحى فيها، خصوصاً بعد انتصاره التاريخي في مباراته أمام الفكر. نتيجة جعلت الفكر يتوارى أمام تقدم الإعلام في التعاطي مع هذه الأحداث، فمن العبث الادعاء بأن حركة الفكر تواكب سرعة وتيرة المستجدات في العالم العربي. إذ يهب المرء الوقت الكثير لموضوع واحد من الفكر، حتى يتمكن من إنتاج أفكار راسخة تنأى به عن استخلاص استنتاجات سطحية.

وعليه فإن البحث عن منهج (أو مناهج) يمكن أن يعتمده الباحث بغية تحليل الأوضاع الجارية بالعالم العربي، يجعله يصطدم بحقيقة الهوة بين هذه الأحداث وإمكانيات العلم حالياً، في الفهم والاستيعاب. هوة شاسعة أذكت حدة المنافسة بين الطرفين، فسمحت ببروز وسيطرة الإعلام في مقابل ضمور وتواري أهل الفكر.

سيطرة بقدر ما ساعدت على تقريب الأحداث والوقائع إلى الأفهام، بقدر ما ساهمت في تشكيل وعي جمعي لدى النخبة والعوام يوجه دفة الحراك بشكل متحيز في بعض الأحيان، بطرح مقاربات جزئية وأحادية تصل في بعض الحالات درجة الإقصاء بعيداً عن المهنية والحياد والموضوعية.

من حقائق التاريخ أن كل تحرر وانعتاق سياسي يسبقه ويعقبه ويسير بحذائه تحرر فكري وتنوير عقلي صنوان لا يفترقان. حقيقة تكاد تكون مغيبة في إعلام الثورات في ظل هيمنة لخطاب «التحرر السياسي» على باقي الأنواع مع استحضار مقاربة انتقائية في التعاطي مع موضوع الحرية.

إن الحدث عظيم لكنه لم يمنح رغم كبر حجمه أي وعود بالخلاص -على الأقل حتى الآن- لمجتمعات لم تقرر الخلاص بعد، ما دامت قانعة بالنظر إلى وجه العملة (الحرية السياسية) دون الظهر (باقي الحريات).

لابد أن يستتبع التغيير على المستوى السياسي نظيراً له على الصعيد الفكري من خلال إعادة النظر في مخلفات ورواسب عصور من الانحطاط والجمود الفكري، والانقلاب على وعاظ السلاطين ممن كانوا حتى الأمس القريب حماة الأنظمة السابقة وحملة عروشهم. فالإنسان عندما يعيش في حالة من التراجع الحضاري يلجأ إلى الدين والتاريخ، فالتاريخ محصّنٌ بالماضوية في حين أن الدين محصن بالقداسة.

وفي ظل عدم وجود اتجاه نقدي حقيقي لقراءة النص الديني والتاريخي في العالم العربي من أجل غربلته في عملية «استيعاب وتجاوز» ـ على حد تعبير المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد ـ، تمكن من إرساء دعائم دولة قائمة على أساس المواطنة يحكمها القانون والمؤسسات، يبقى منطق الحاكم والرعية القائم على الطاعة العمياء ذي جذوره التراثية المتأصلة. ما يعد أنصار «التحرر السياسي» جراء هذا الحراك بمد جديد من الاستبداد ربما تحت مسميات جديدة.

لقد صار الربيع العربي كما يبدو، غاية في حد ذاته، بدل أن يكون مجرد فصل من سنة تنتظر العرب أن يتموا فصولها خصوصاً الصيف؛ الذي يستوجب إرخاء الحراك المجتمعي بظلاله على باقي مناحي الحياة. نقول هذا ونحن نعلم أن نشوة الثورة حالة استثنائية، بل هي لحظة إنسانية نادرة يتصرف فيها الناس بشجاعة، ويندفعون إلى الموت دفاعاً عن أغلى ما يملكون: الحرية والكرامة. ذاك أنها، أي الثورة، آخر ما يستطيع شعب من الشعوب القيام به، والتطلع إليه في مجتمع لم يبق لأحد من أبنائه ما يكفي من الهوامش والمساحات ليكون إنساناً حقيقياً. لكن ما نعيشه من أحداث وأمَارات يجعلنا نقدِّم الشك على اليقين في انتظار أن تطمئن قلوبنا مرددين شعار… آمنا بالثورة.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3642 - الأحد 26 أغسطس 2012م الموافق 08 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً