توقع خبراء ألا يؤدي اتفاق النفط الذي تم التوصل إليه في اللحظة الأخيرة هذا الشهر بين السودان وجنوب السودان إلى حل سريع للازمة الاقتصادية التي تعاني منها الخرطوم، وان يبقى مرتبطا بالتقدم في المواضيع الأمنية.
واتفق الجانبان على أن تدفع جوبا للخرطوم حزمة تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى رسم عن كل برميل من نفط الجنوب يعبر البنية التحتية للشمال ليصدر عبر مرفأ السودان.
وقالت جوبا إن الرسم سيكون 9.48 دولارات للبرميل.
ولم تعلق الخرطوم على الرسم النهائي، لكن رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخرطوم الشافي محمد المكي، قال إن الأرقام غير مشجعة «رغم أن أمرا ما هو أفضل من لا شيء».
أضاف «اعتقد أن الأزمة الاقتصادية جدية جدا. لا اعتقد أن هذا القدر من المال سيحل المشاكل».
ويصعب أيضا تحديد القيمة الاقتصادية الحقيقية للصفقة لأن الأرقام التي أوردها الطرفان «موجهة إلى الجمهور المحلي» وفق مجدي الغيزولي، الأستاذ في معهد الوادي المتصدع، وهو منظمة أبحاث لا تبغي الربح.
وشكل النفط محور التوتر والصعوبات الاقتصادية للسودان منذ انفصال الجنوب في يوليو/ تموز من العام الماضي، مقتطعا معه نحو 75 في المئة من 470 ألف برميل كانت تنتجها البلاد يوميا قبل الانفصال.
وفقدت الخرطوم بسبب خسارتها هذه الكمية أكثر من 85 في المئة من مداخيل صادراتها، التي وصلت إلى 7.5 مليارات دولار في النصف الأول من 2011 وفق أرقام البنك الدولي.
وفي غياب مصدرها الأكبر من العملات الصعبة التي تحتاج إليها لتسديد كلفة الواردات، زاد التضخم في شكل كبير وخسر الجنيه السوداني الكثير من قيمته، وقت تحاول الحكومة تعزيز صادراتها من الذهب والمنتجات غير النفطية.
وتلقت موازنة البلاد ضربة إضافية مع فشل الاتفاق مع الجنوب على البدل الذي ستدفعه جوبا لنقل نفطها عبر أراضي الشمال.
وأوقف الجنوب في يناير/ كانون الثاني الماضي إنتاجه من النفط الذي يشكل المصدر الرئيسي لمداخيله، بعد اتهام الشمال بالسرقة.
وقدر وزير المال السوداني علي محمود الرسول في مايو/ أيار الماضي خسائر الخرطوم من عدم الاتفاق على الرسوم مع الجنوب بنحو 6.5 مليارات جنيه سوداني، أي ما كان يوازي في حينه 2.4 مليار دولار.
وقامت الحكومة منذ ذلك الوقت بخفض سعر صرف العملة تزامنا مع إجراءات تقشف قال الرسول إنها ستوفر نحو 1.5 مليار دولار.
كما بدأت الخرطوم بالتخلص تدريجيا من إعانات الوقود التي تثقل كاهلها، مشيرة إلى أن الضرائب على أرباح المصارف سترتفع، على أن تفرض أيضا ضريبة على القيمة المضافة. كما خفض المسئولون من الوظائف الحكومية ورواتب الوزراء واستغنوا عن المستشارين الرئاسيين، وهي خطوات يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم محمد الجاك احمد أنها غير كافية.
ورغم أن اتفاق النفط سيزيد في حال تطبيقه واردات الحكومة، لكن تأثيره على الأزمة الاقتصادية سيرتبط وفق احمد بقدرة الحكومة على خفض النفقات بشكل جدي.
وأشار إلى أن الحكومة «لم تتمكن حتى الآن من خفض إنفاقها»، وهو بسبب ارتفاع التضخم الذي زاد في يونيو/ حزيران بنسبة 37 في المئة عن العام الماضي.
واضاف ان ثمة حديثاً عن عدم تطبيق اتفاق النفط ما لم يتم الاتفاق على قضايا اخرى «ولاسيما الامن».
واعتبر الغيزولي ان الامر يتعلق «صراحة بعرض على الطاولة اكثر منه اتفاقاً نهائياً». وأضاف «طالما لم يتم (التوصل الى) ترتيب امني سيبقى الحديث عن النفط مشروطا».
واعرب عن اعتقاده بانه يجب ان يكون خلف اعلان السبت تحرك غير معلن لجنوب السودان للبحث في الهواجس الامنية.
ورأى المكي ان جوبا قامت حكما بمساومة ما على الموضوع الامني.
ويتهم السودان الجنوب بدعم حركة تمرد كبرى في ولاية كردوفان، وهي تهمة يعتقد المحللون انها صحيحة رغم انكار جوبا.
وأعاد السودان التأكيد الخميس ان اي اتفاق نفطي يجب ان يخضع «لاتفاق كامل ونهائي» حول الامن لتفادي العوائق في تنقل الناس والبضائع والخدمات عبر الحدود.
وذكر المحللون بأن اتفاق النفط اتى بعد ساعات من لقاء وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون رئيس الجنوب سالفا كير في جوبا وحضها الجانبين على التوصل الى تسوية عاجلة.
وقالت كلينتون تعليقا على الاتفاق «نحيي شجاعة قيادة جمهورية جنوب السودان في اتخاذ هذا القرار».
العدد 3642 - الأحد 26 أغسطس 2012م الموافق 08 شوال 1433هـ