العدد 3641 - السبت 25 أغسطس 2012م الموافق 07 شوال 1433هـ

تأملات... في رحاب مكة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التغيير الذي طال منطقة الحرم المكي كبيرٌ وكبيرٌ جداً... هذا هو أول انطباعٍ قد يخرج به الزائر بعد عامين فقط من الغياب.

العام الماضي حالت تعقيدات فترة السلامة الوطنية دون هذه الزيارة السنوية، وفي العام الذي قبله حالت دونها مخاوف انتشار الوباء. وعندما تذهب هذا العام يفاجئك التغيير الكبير الذي أطاح بعشرات الفنادق والأسواق والمجمعات التجارية المحيطة بالحرم الشريف، والعمل جارٍ لإنشاء فنادق جديدة أكثر فخامةً وضخامةً، من المتوقع أن ترفع الأسعار سكناً وخدماتٍ، في المستقبل، بحيث لن تبقى العمرة الميسّرة متاحةً للكثيرين.

حركة الهدم والبناء كبيرة، تلاحظها وأنت داخل الحرم أو تطوف خارجه، حيث تشاهد أيدي الرافعات ممتدةً من حول الحرم، أو معلّقةً فوق بعض الجبال تعمل فيها قصّاً وتقطيعاً. فمكة التي تحيطها الجبال من كل جانب، تقوم حركة الاستثمار فيها على قصّ قطعةٍ من الجبل وكأنها كعكةٌ وغرس فندق مكانها. وهي عمليةٌ لاحظتها في رحلة الحج العام 1999، وأنا أطل من نافذة الفندق بحيّ العزيزية، حيث ينشأ فندقٌ جديدٌ على طرف الشارع، وعلى الطرف المقابل تعمل الآلات على قطع الجبل.

هذه العملية استمرت في السنوات السابقة بوتيرة بطيئة، أما ما يحدث اليوم فعمليةٌ سريعةٌ وكاسحةٌ، وقد أثارت الكثير من المخاوف والدعوات في الصحافة السعودية وخارجها للمحافظة على ما تبقّى من آثارٍ إسلاميةٍ لا تعوّض، تذكّر العالم بالأيام الأولى من تاريخ الإسلام.

حركة إزالة الفنادق والأسواق القريبة من الحرم، ضمن هذا المشروع الكبير، ترك - ربما مؤقتاًً - فنادق أخرى على الأطراف تستوعب المعتمرين والحجاج حالياً، ولأنها بعيدة نسبياً (كيلومترين على الأقل) يتم الانتقال منها وإليها عبر باصات النقل الجماعي (بأجرة ريالين)، أو عبر باصاتٍ توفّرها الفنادق لزبائنها، وهناك حافلاتٌ «تجريبية» يجرى تسييرها في خطوط مجانية لحل هذه المشكلة. لكن تبقى مشكلة المطاعم التي تشهد زحاماً شديداً لقلتها في الأطراف، وهو ما يجعل الحصول على الوجبات الدسمة بانتظام بالنسبة للخليجيين أمراً غير مضمون، بينما لا يشكّل ذلك همّاً كبيراً لجيراننا من الشعوب الأخرى.

التغيير يطال مساحاتٍ أخرى، فهناك أمورٌ أخرى اختفت أيضاً بفعل تطوّر الحياة، من ذلك مثلاً شركات ومحلات الاتصالات الدولية، فبينما كانت تشهد زحاماً وتحقّق أرباحاً كبيرة في مواسم الحج والعمرة سابقاً، اختفى الكثير إن لم يكن أغلبها، بعدما أصبح لا لزوم له، مع انتشار الهاتف النقال لدى أغلب الزوّار حتى من الدول الفقيرة.

انتشار هذا الجهاز الصغير بإمكاناته المتنوعة، أطاح بأمورٍ أخرى، ففي الماضي كان يُمنع التصوير في داخل الحرم، ويجرى التفتيش أحياناً للتأكد من عدم وجود كاميرا، أما الآن فمع تدفق هذه الأعداد الكبيرة من الناس لأداء مناسك العمرة على مدار الساعة، ودخولها وخروجها من الحرم خمس مرات للصلاة... فتصبح عملية التفتيش والمنع مستحيلة. وبالمثل، عملية التشديد على بعض كتب الأدعية الدينية، وما تثيره من حساسيات، وفّر الموبايل بدائل «آمنة»، حيث يمكن للمرء أن يفتح جهازه الذكي في أعقاب الصلاة ليُنزِل أي دعاء أو زيارة من أي موقع شاء، ويقرأها في اطمئنان، وكأنه يتصفح أي موقع أخباري للتواصل الاجتماعي.

زيارة العاصمتين المقدستين (مكة والمدينة) تدخل اليوم في سلك السياحة الدينية للكثيرين، فبينما كان الآباء يحرصون على أداء فريضة الحج بعد الخمسين، بعد أن تستقر أوضاعهم المالية والأسرية، وربما أداها أكثر أبناء جيلنا في سن الثلاثين، فإن هناك جيلاً شاباً دون العشرين يغلب على معتمري هذه الأعوام ومن الجنسين، مع نسبةٍ لا بأس بها من الأطفال. هؤلاء تتيح لهم أوضاع أسرهم المادية (من الطبقة الوسطى وما دونها) إرسالهم في هذه الرحلات الموسمية وهم مطمئنون إلى سلامتهم وقضاء فترة العيد في أجواءٍ دينيةٍ مأمونة. هذا الجيل يتفتح على معارف وخبرات حياتية جديدة، لم تتح للجيل الذي سبقه إلا في فترةٍ عمريةٍ لاحقة. إننا في سياق حركة تغييرٍ تدريجي تؤدي إلى إنتاج أجيال «أذكى».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3641 - السبت 25 أغسطس 2012م الموافق 07 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 10:35 ص

      مجرد سؤال

      إننا في سياق حركة تغييرٍ تدريجي تؤدي إلى إنتاج أجيال «أذكى». والسؤال: ما هي معني ذلك من الناحية السياسية؟ وكيف ستتصرف الحكومات مع هذا الجيل الذكي؟


      فضولي

    • زائر 9 | 7:00 ص

      تجديد بالعمران وخراب بالأذهان !!!

      ليت هذا العمران والتقدم- ومواكبة التطور وحاجة الحرم إلى ساحات كبيرة - يتبعه تطور في الفكر والوعي ، فيترك المسلم يمارس عباداته الدينية بحسب عقيدته دون حجر على ممارساته العبادية على ضوء فكر آحادي يريد أن يعبد الناس على فهمه للاسلام ، وكأن الله لم يهب أحدا عقولا غيره

      تقبل الله طاعاتكم

    • زائر 8 | 6:34 ص

      مكة والمدينة

      تقبل الله وجدد الله سفركم في حال احسن من هالحال

    • زائر 7 | 2:37 ص

      الله يتقبل

      تقبل الله أعمالكم ، ولاكن سيدنا اثناء سفركم طلع علينا داعية جديد بفكر جديد يكفرنا جميعا يمكن ما يصدق انك ذهبت الى مكة والمدينة وهذة مصيبة لأنة انسان غير طبيعي أنة ش د ، ويش رأيك ؟

    • زائر 6 | 1:36 ص

      قال رسول الله[ص]

      حجوا قبل ان تمنعوا .ومن الاشياء التى تسبب المنع غلاء الاسعار بالنسبة الى الفنادق ،وجشع اصحاب الحملات ،يجب ان يكون هناك حلا الى اصحاب الحملات وان لايمتصوا دماء الفقراء بسم الدين

    • زائر 5 | 12:38 ص

      عمرة مقبولة سيدنا

      الله يتقبل منك ويعودك الى هذة الاماكن الطاهرة
      والله يستجيب لدعواتك

    • زائر 4 | 11:37 م

      لم استطع لذهاب للعمرة او المدينة

      45 دينار لشقة ليلياُ فلتسمح لي اسرتي هذه السنة ونحن 5افراد

    • زائر 3 | 10:44 م

      الله يتقبل طاعاتكم

      الله يتقبل طاعاتكم ويجزي كل من وضع لبنة في رفعة الاسلام ومسجد الله كل خير. انتم يا سيد مثال الخيرين من البشر المنصفون. المرتجى من القلوب المريضة ان نصحوا وترى الحقيقة؛ اننا من ينصف في جميع الاحوال. أخوكم د. محمد ع

    • زائر 2 | 10:09 م

      وجعل افئده من الناس تهوى.....

      الله يتقبل سيدنا ، بس انا شاء الله ما نسيتنه من الدعاء، الله يعودك كل عام وعام بحال افضل من هذا الحال

    • زائر 1 | 10:09 م

      وجعل افئده من الناس تهوى.....

      الله يتقبل سيدنا ، بس انا شاء الله ما نسيتنه من الدعاء، الله يعودك كل عام وعام بحال افضل من هذا الحال

اقرأ ايضاً