العدد 3641 - السبت 25 أغسطس 2012م الموافق 07 شوال 1433هـ

العلاقات داخل المؤسسات التعليمية وفق مفاهيم حقوق الإنسان

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

كلما تصفحتُ في كتاب «تدريس مفاهيم قيم حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليمية» للكاتب المغربي عبدالسلام السعيدي، وجدتُه كتاباً معرفياً ومرجعياً رائداً في موضوعه، وتصوراته، ومقارباته النظرية والتطبيقية.

إنه كتاب يفسِّر لنا بدون أية مواربة موقف المؤلف من الجدليات الثلاثة: جدلية الفكر والواقع، جدلية الكونية والخصوصية، جدلية العالمية والمحلية؛ اعتقاداً منه بأن على المهتمين والمشتغلين بقضايا التربية على حقوق الإنسان أن يفكِّروا ميكروسكوبياً وعالمياً من أجل أن يعموا محلياً وميدانياً، لذا فإنك تجده رغم تناوله المناهج التعليمية المتضمنة لثقافة حقوق الإنسان في المدرسة المغربية إلا أنه يفتح عينيك على مساحات تلتقي في كثير من أبعادها مع ما هو موجود في مدارسنا بالعالم العربي والإسلامي.

إن طبيعة العلاقات داخل المؤسسات التعليمية لهي مسألة في غاية الأهمية لدى المؤلف، فكيف لا والبيئة المدرسية تمثِّل وسطاً تربوياً شاملاً في دفع عجلة التحول نحو الديمقراطية فكراً وعملاً، فهي في رؤية الكاتب تعدُّ واحدة من المرتكزات الأساسية من أجل عقلنة تدريس حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليمية، ولذا تجده حريصاً بشكل دائم على إيجاد تطابق تام ما بين خطاب تدريس تلك الحقوق داخل قاعات الدرس، وما يروَّج في تلك القاعات أو داخل فضاء المدرسة ككل من سلوكات ومواقف وممارسات بشرية.

الفكرة التي انطلق منها المؤلف لها ما يبررها؛ فمن المسلَّم به أن وجود أي تناقض بين ذلك الخطاب وهذه الممارسات يؤدي إلى إفشال مشروع تدريس حقوق الإنسان داخل المدرسة، وهو ما يجب أن نلتفت إليه في غمرة النقاش والحديث الدائر اليوم في البحرين حول آفاق التغيير وتبني مشروع التربية على حقوق الإنسان فكراً وممارسةً.

لا يمكننا قراءة المشهد التعليمي وفق مبادئ حقوق الإنسان بمعزل عن طبيعة العلاقات داخل المؤسسات التعليمية إلا من خلال جملة من الأسئلة التي طرحها الكاتب، والتي تقيس درجة حرارة حقوق الإنسان بالمدارس، وقد عرضها على شكل تساؤلات معمقة من قبيل: ما نوعية العلاقات البيداغوجية القائمة والسائدة بين المدرسين وتلاميذهم؟ هل تستجيب لروح ثقافة حقوق الإنسان أم لا؟ وما نوعية العلاقات التربوية القائمة والسائدة بين أفراد الطاقم الإداري التربوي من مدير وناظر وحراس وعاملون (مستخدمون) وأفراد القطاع التلاميذي داخل المؤسسة؟ هل تحترم ما تنصُّ عليه منظومة حقوق الإنسان أم لا؟ فقد يكون من غير المنطقي تربوياً وعقلانياً أن يدرس الطالب/ة درساً بعنوان «حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين»، وعندما يخرج هذا التلميذ مباشرة إلى ساحة المدرسة يشاهد المدير أو الناظر أو الحارس العام أو المعيد أو غيرهم واقفاً كجلاد حاملاً عصاً غليظة يطارد ويضرب بها التلاميذ؛ بقصد إدخالهم إلى قاعات الدرس. ليعقِّب المؤلف قائلاً: ألا يكون هذا المشهد المأساوي والقطيعي قادراً لوحده على نسف كل ما تلقَّاه هذا التلميذ من خطاب حول حقوق الإنسان في قاعة الدرس؟!

إن تمتع الطلبة ببيئة صحية وجمالية ملائمة حق لم يغفل عنه المؤلف، فتجده يتساءل: هل المؤسسة تتوافر على المرافق الصحية والجمالية التي تستجيب لخطاب حقوق الإنسان أم لا؟ ويطرح مثالاً لتأكيد ذلك، فقد يكون من باب النفاق القاتل أن يقرأ التلميذ في قاعة الدرس عن مجمل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان طبقاً للإعلانات والمواثيق الدولية في هذا الشأن، وعندما يخرج من القاعة إلى فضاء المؤسسة لا يجد أمامه مراحيض صحية لقضاء حاجاته البيولوجية، أو لا يجد صيدلية مدرسية، أو لا يجد مساحات خضراء بالمؤسسة، أو لا يجد نظافة معقولة في قاعات الدرس وخارجها، أو لا يجد مصاعد خاصة بالمعاقين جسدياً ـ أو ما يمكن أن نعتبره مصدر إزعاج ونفور للطلبة كارتفاع نسبة الكثافة الطلابية بالصفوف الدراسية ـ فيتساءل التلميذ: عن أين حقوق الإنسان في بيئة صحية سليمة تتحدثون؟! قطعاً هذه الحالة كفيلة لكي يتبخَّر خطاب المدرسة حول حقوق الإنسان على صخرة واقعها المعاش!

أما السؤال الأخير الذي يطرحه المؤلف في هذا السياق فهو: هل يتمتع التلاميذ بتمثيل معقول داخل كل ما يهم المؤسسة في التدبير والتسيير والوظيفة؟ بمعنىً آخر: هل للتلاميذ ممثِّلهم الذي اختاروه عن طريق الاقتراع أو على الأقل عن طريق التراضي الجماعي للتعبير عن رغباتهم وحاجاتهم وتطلعاتهم وللدفاع عن حقوقهم في المجالس التعليمية ومجالس الأقسام ومجالس الإدارة؟ ألا يكون غياب مثل هذا الممثل بهذه المواصفات وبهذه المهام ضرباً للديمقراطية ولحقوق الإنسان من طرف مؤسسة مناهجها التعليمية تتحدث عن حقوق الإنسان؟

في المحصلة النهائية، نرى أن رصد أنماط العلاقات الإنسانية داخل المؤسسات التعليمية ومن ثم معالجتها حقوقياً يحتاج إلى قاعدة موضوعية تتلمَّس الفروقات المؤثرة بين كافة أطراف العملية التربوية وفق منظومة حقوق الإنسان، فليست المقارنة ـ كما يعبر عنها الشاعر قاسم حداد ـ بين إنسان ووحش، المقارنة بين إنسان وإنسان، ففي الأولى لن تصادف فروقاً مهمة، المفارقات الكثيرة في الثانية!

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3641 - السبت 25 أغسطس 2012م الموافق 07 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:21 ص

      فائق الاحترام لك استاذ فاضل حبيب

      مع كل التقدير والاحترام إلا ان الموضوع لا يمت بواقعنا بصلة. فنحتاج إلى تغيير في في الامور التربوية من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين حتى يمكننا اللاحق بالركب ..... وللحديث بقية.

      وفقكم الله استاذي العزيز

    • زائر 1 | 6:00 ص

      طابت أوقاتك أستاذ فاضل

      أطروحاتك يا عزيزي فائقة الدقة و الأهمية!!
      و لكنها مع الأسف ..لا تُحاكي الواقع الحقوقي المُتردي هنا في البحرين!!
      هذا بالطبع .. إن لم تكن ترى بأنّ الملف الحقوقي لدينا هو عال العال!!

      مع وافر التحية

اقرأ ايضاً