قرأتُ تغريدة لعبدالله الغذامي يشكو فيها من الشتم الذي ينهال عليه في «تويتر»، ثم قرأتُ شيئاً شبيهاً لكُتّاب وعلماء دين ومثقفين ومشاهير وغير مشاهير، حيث بدا أنهم جميعاً يتعرضون لموجات من الإرهاب الفكري ومحاكم التفتيش الإلكترونية التي يُطلب منهم فيها أن يُبيّنوا مذهبهم ومعتقدهم وانتماءهم وميولهم، وإن تبين أنهم يخالفون المفتشين؛ يُحكم عليهم بالتشهير وبأيام من القذف والشتم والاتهامات الباطلة. وكلما جلستُ في مجلس وجدت أن مُعظم الأحاديث التي تدور فيه لا تخرج عن نقد الصراعات المنتشرة في تويتر والشكوى منها، حيث يتفق الكل على أنها أصبحت مؤذية، وغير منطقية، وصار شتم الناس فيه عملاً مستساغاً وسهلاً، بل ومرغوباً لدى فئات من الناس. ثم يُجمع الجالسون في نهاية الحديث على أن تويتر لم يعد كما كان؛ مكاناً لتبادل الحِكَم والمعلومات والتواصل الاجتماعي. حيث تحول إلى بؤرة للمهاترات السياسية، والصراعات الطائفية.
ولكن علينا ألا نتفاجأ بهذه التغيرات، فلو نظرت حولك فلن تجد من يقرأ في شيء غير السياسة، إلا مَن رحم ربك، فمعظم الناس لا تفوته قراءة مجلة سياسية من المجلات المشهورة، وعندما تقف إلى جانب أحدهم في المكتبة وتراه ينتقي المجلات السياسية، فإنك نادراً ما تجده يلتفت إلى مجلات العلوم، أو التقنية، أو غيرها. كنت مرة مع صديق وبدأ يُكدّس المجلات السياسية فوق بعضها، فأخذتُ مجلة «الناشيونال جيوغرافيك» العربية، فقال لي: «وهل لديك وقت لتضيعه في قراءة هذه المجلات!» فلقتُ له: «نعم؛ لأنني أريد أن أقرأ شيئا حقيقيا».
ولشدة اهتمامنا وتنظيرنا وحرصنا على السياسة، على رغم أن الشعوب العربية من أقل شعوب العالم مساهمة فيها، فإننا أحلنا الحياة كلها، جدها ومزحها، إلى نشرة أخبار سياسية. وصارت صراعاتنا، في تويتر وخارجه، سياسية أيضاً. ومن طبيعة التعصب السياسي أنه لا يُعطي للعقلانية فرصة في أي حوار، ويدفع بمريديه إلى مزيد من العنف حتى يصل حد الإرهاب.
لنكن صادقين وليسأل كل واحد فينا نفسه الآن: ماذا نعرف عن العلوم؟ عن الطب؟ عن التقنية؟ عن عالم الحيوان والطبيعة؟ هل للفن التشكيلي قيمة حضارية في مجتمعاتنا؟ هل للبحث العلمي داعمون من جامعات ومعاهد؟ هل للأفكار والمشاريع الجديدة حاضنات في بلداننا العربية؟ وإذا كانت معظم إجاباتنا بـ «لا» فعلينا ألا نستغرب إذن من أن يُمارس الناس الشتم والإقصاء ويستسهلونه؛ لأنهم لا يرتكزون في تفكيرهم ونقاشاتهم على تنوع معرفي، فآفاقهم الفكرية محصورة في نطاق واحد، فيتحولون إلى قطار يصدم كل ما يقف في طريقه، لأنه لا يعرف طريقاً آخر غير طريقه.
وعلينا ألا نستغرب إذا رأينا الناس في تويتر شاهرة سيوف الغضب، متدرعة بالعنصرية، وتمتطي خيول العنف لتهاجم وتنقضّ على كل من يختلف معها، فهؤلاء لم يُعطَوا الفرصة في مجتمعاتهم، إلا قِلّة منهم، للتعبير عن آرائهم، فهم يخوضون لأول مرة منذ عقود تجربة التعبير الحر، وتناسوا أن حرية التعبير لا تعني حريّة التشهير.
كان المفترض بهذه الوسائل التقنية أن تساعدنا على التطور واكتشاف العالم ومعرفة جديده، وأتمنى أن تبقى كذلك ولا تتحول إلى منابر للفتنة والتحريض، فلقد صار تويتر على الأخص، حفلة شماتة كُبرى؛ لا يكاد أحد يكتب فيه تعليقا على حالة ما، أو يشتكي من وضع معين، حتى تُشن ضده حملات من الشتائم والتسفيه والقذف، وكأنه لا كرامة له أو شعور.
ما الحل إذاً؟ سألني بعضهم، فقلتُ إن الحل يكمن في استمرارنا في نشر المحبة والتسامح والحكمة والفن والأدب والمعرفة بكل أشكالها. فالعنف كالماء الملوث؛ حتى نطهر الوعاء الذي يحمله علينا أن نستمر بسكب مزيد من الماء النقي فيه إلى أن يحل محله.
أتمنى من عقلاء تويتر ألا يهجروه، فالناس في حاجة إلى نصائحكم وأفكاركم ورسوماتكم وكتاباتكم ومشاريعكم ومبادراتكم، اليوم أكثر من أي وقت مضى. وأنا هنا لا أتحدث عمن لديهم متابعون بعشرات أو مئات الآلاف، بل عن كل مغرّد ومغردة لم ينساقا إلى العنف اللفظي، ولم ينزلقا إلى هاوية الإرهاب الفكري.
وإذا كان العنصريون يشنون حملات كره وإقصاء كل يوم فلا تواجهوهم بالمثل ولا تردوا عليهم، فكما تقول الحكمة: «لا تجادل الأحمق فقد يُخطئ الناس في التفريق بينكما». وابدأوا حملات لتشجيع الناجحين، وانشروا المحبة، والاختلاف المبني على علم واحترام، وتبادلوا النقد البنّاء الذي يصحح الخلل ولا يزيده. وإن كانت أصواتهم تعلو بالصراخ، فلا تخشوهم، وعطروا أصواتكم بالحكمة والكلمة الطيبة؛ حتى يصير أصلها ثابتا وفرعها في السماء.
إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"العدد 3640 - الجمعة 24 أغسطس 2012م الموافق 06 شوال 1433هـ
الحرية والعدالة اولا
شعوب مقهورة ومسلوبة الحقوق ومقموعة ومظهدة اولوياتها ستكون للحرية والعدالة اذا استقرت امورها ستتفرغ للابداع والاهتمامات الاخرى وشكرا استاذ ياسر كل عام وأنت بخير
كيلا ... يكرّس الإنحراف
ما يقال عن المتعصبين العابسين والمتعاظمين ،يقال عن الساخرين والعابثين والهازلين ،تلك السمات تدل على صبيانية الفكر وخفة العقل،فالحياة ملأى بالهازئين ورغبتهم في الهزء بالآخرين والنيل منهم ،ولكنها لا تعرف هازئا ذا قيمة كما لا يغركم ما يبدوا على الهازئ من ثبات مصطنع،فإن هزءه المنحرف ينكفئ عليه،ويرتد فجأة إلى حال من الصّغار والتخاذل حين يجد من يرد عليه،أو يحسن أن يكيل له بالصاع التي يكيل بها. وتحياتي لكم ... نهوض
من مكارم الاخلاق
احسنت يا استاد موضوعك في محله ارجو ان يستفيدو منه اصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي ويكونو اسره واحده ومتحابه وواعيه لما يدور من حولها ويحاك ظدها من مكائد لتدمير الوعي والانجرار وراء الفتن من اجل استغلال ثرواتكم ونهبها وتجهيلكم ولتفويت الفرص عليهم واصلو تغريداتكم ولكم النصر
دعم ومسانده
بارك الله بك وبأمثالك ممن ينشرون قيم التسامح والمحبه في هذه الفتره الحرجه والعصيبه من تاريخ المنطقه والعالم . ليت الجميع يرجع إلى فطرتهم السليمه بعيدآ عن فعل السياسه والمذهبيه والطائفيه التي فرقت الناس و زرعت الشقاق والشقاء.
كأنك تأذن في خرابه
من عدد الردود علقت على موضوعك الجميل
اولوية
كلامك جداً سليم لاكن ما يعطي السياسة الاولوية لانها تبعاتها خطيرة اي ما معناة اذا حلت الامور السياسية تفرغنا للامور الاخرى من علوم و ثقافة .. زائر 4 بصراحة يقول احب كل الناس و انا مسلم وبحريني ثم يختمها ليبين طائفيتة ان كتاب من صحف اخرى يتكاثرون في المستنقعات الطائفية ياليت يا أخي تذكر لي مقال لاحد الكتاب يبين طائفيتة يعني لو احد من الكتاب بين الاخطاء اصبح طائفي تريدون الكتاب يكونون علي هواكم
شكرا لك
نشر الألفه والمحبه ولأحترام بين الناس يمثل الحل الأمثل لهدا الوضع الدخيل اللدي سرعان ما سيتبخر لأن الناس سوف تعود لسجيتها الطبيغيه الأصيله . ارجو يااستاد حارب ان يكون شعوري هدا حقيقي وليس مجرد تفاؤل .
بصراحه
بصراحه عجبني الطرح خصوصا ان تويتر صاير مستنقع لطائفين انا من طائفه من طوائف المسلمين واحب كل الناس انا مسلم وانا بحريني وانا انسان لكن الطائفيون وكتاب اعمدتهم من الصحف الاخرى لا تتكاثر الا في المستنقعات الطائفيه كطفيليات تنشر سمومها في المياه الصالحه شكرا لك يامحارب
طبيب يحكم من ميت
هل من الممكن ان يفكر او يتطور الطبيب الذي يحكم من ميت او متخلف ,اول مايفكر الطبيب هو ان يكون في مؤسسة تدار بعقل والمبادئ الانسانية
المفروض يكونوا متوقعين لمثل هذا الشيء
أي أحد يدخل عالم الإنترنت المفروض يكون متوقع يلاقي شتامين سواء من متعصبين أو من مدسوسين لنشر الفتن ولتثبيط الكاتب عن ممارسة حرية تعبيره في النقد البناء
ومن المفترض من المثقفين وعلماء الدين والنشطاء السياسيين تجاهل كل الشتائم وكأنها ليست موجودة والإكتفاء بالرد على المناقش المحترم لوجهة نظر الآخر
معرفون من يشتم ويسب
يا أخي الكريم ، الذين يشتمون ويسبون وأيضا يبثون إشاعات مغرضه ضد أي شخصية مجرد يختلف معه في الراي والمطالب . فقط أنظر من المجموعة المنظمة أمثال : ..... ، هم من يقوم بالسب والشتم إلى طائفة كاملة في هذا الوطن ، وتحارب الدين والمذهب كل هذا بسبب مطالبتهم في حقوقهم المشروعه كما نصت علية وثيقة المنامة ، وتوجد شخصيات أمثال ش د تقوم في تفريق المجتمع وبث الكراهية . أتمنى أن لا يدخلوا التويتر الا للحديث في السياسة أو شي ينفع الناس