العدد 3639 - الخميس 23 أغسطس 2012م الموافق 05 شوال 1433هـ

لماذا يعاد فتح التحقيق في وفاة عرفات؟

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

رحل رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير ومؤسس حركة فتح، ياسر عرفات إلى العالم الآخر، بعد مرض عضال. ورغم الجدل الصاخب الذي دار حول أسباب وفاة الزعيم الفلسطيني أغلق هذا الملف، بعد فترة قصيرة من رحيله. وأخيراً طرح موضوع أسباب الوفاة بقوة، إثر برنامج حول الموضوع بث من قناة «الجزيرة» القطرية. نحاول في هذا الحديث أن نناقش الدوافع التي تكمن حول إعادة طرح هذا الموضوع، ولماذا غض الطرف عنه، في السنوات التي أعقبت رحيل الزعيم الفلسطيني. الواقع أن اغتيال القادة الفلسطينيين، من قبل الموساد «الإسرائيلي» بالسم ليست غريبة، بل يمكن القول إنها ظاهرة مألوفة، وتكررت في التاريخ الصهيوني عدة مرات. لكن الأبرز بينها على الصعيد الفلسطيني اغتيال وديع حداد، مهندس اختطاف الطائرات المدنية «الإسرائيلية»، التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي يرأسها الدكتور جورج حبش، في نهاية الستينيات، وأيضاً محاولة اغتيال خالد مشعل، مسئول حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بعمان، والتي كادت أن تودي باتفاق وادي عربة، لولا استجابة «الإسرائيليين» لطلب الملك حسين، بتحديد نوعية السم الذي استخدم في محاولة اغتيال مشعل. هذا عدا العشرات من عمليات الاغتيال بحق الفلسطينيين بالمسدسات كاتمة الصوت، أو السيارات المفخخة، أو بإلقاء القنابل. في ما يتعلق بأسباب وفاة عرفات، تحدث الزعيم الراحل نفسه عن أسباب مرضه، أثناء نقله بالطائرة للعلاج في رحلته الأخيرة، مذكراً بحادثة اغتيال خالد مشعل، موضحاً بأسى أن النجدة التي حظي بها من قبل ملك الأردن، لن تتكرر معه، حيث لا يوجد من هو مستعد للتدخل مع «إسرائيل» لإنقاذ حياته.

في اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، تشير أصابع الاتهام إلى الموساد، لأن الكيان الغاصب هو المستفيد الرئيس من العملية، ولأن عرفات أثناء اغتياله كان سجيناً في مقر الرئاسة برام الله تحت الحراب «الإسرائيلية»، بسبب رفضه التفريط بعروبة القدس، وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، فإن أصابع الاتهام ترجع اضطلاع الموساد بتنفيذ هذه العملية.

اللافت للنظر أن مسئولين بالسلطة الفلسطينية، لا يستبعدون قيام فلسطينيين بتنفيذ عملية الاغتيال. فقد ذكر اللواء توفيق الطيراوي رئيس لجنة التحقيق في ملابسات وفاة عرفات، في مقابلة له مع فضائية «فلسطين اليوم» أن أيدي فلسطينية أسهمت في التخلص من الرئيس عرفات. إن تشكيل لجنة التحقيق في اغتيال عرفات، وإعادة موضوع الاغتيال إلى الواجهة، يطرح السؤال عن سبب إهمال ملف موت عرفات، ولماذا تأجل حتى هذه اللحظة؟ كما يطرح أسئلة حول إقدام مستشفى بيرسي العسكري، الذي عولج فيه الرئيس الراحل، على إتلاف جميع الأدلة البيولوجية والفحوص التي أجريت له واعتبار موضوع الوفاة منتهياً، وموافقة السلطة الفلسطينية على ذلك. هل إعادة فتح الملف مرتبط فقط بالتحقيق الذي أجرته قناة «الجزيرة» القطرية حول موضوع الاغتيال، أم أن ذلك يلبي رغبة لدى قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، التي فشلت في إقناع «الإسرائيليين»، بالالتزام بالحدود الدنيا من الحقوق الفلسطينية؟

بات بحكم المؤكد أن عرفات مات مسموماً، حيث أكد التحقيق الاستقصائي لخبراء سويسريين وجود بقايا من مادة البولونيوم المشعة على ملابس ومقتنيات تعود للزعيم الفلسطيني الراحل . وكذلك التحقيق الذي نشرته الميادين الذي اعترف فيه أحد عملاء الموساد بمشاركته وطباخين يعملون بالمطبخ الذي يعد الأكل لعرفات، في وضع السم في وجبات الأكل التي يتناولها أبو عمّار.

يبدو أن كثيراً من الأطراف الفلسطينية، لم ترغب بالتحقيق في حادثة الاغتيال، لأنها تصورت أن اختفاء عرفات عن المسرح، سيسهم بالتسريع بعملية السلام، خاصة أن مسئولين «إسرائيليين» وأميركيين أفادوا أن عرفات يمثل عقبة كأداء في طريق تحقيق السلام، وأشاروا إلى أن «أبو مازن» أكثر واقعية، وأن تسلمه لرئاسة السلطة سيعجل بالتوصل لاتفاق سلام، مذكرين بدوره في إنجاح اتفاقية أوسلو. ربما يوضح ذلك، أسباب تواطؤ اللجنة التي كلفت بالتحقيق في أسباب وفاة عرفات. وليس من المعقول افتراض أن الوفاة طبيعية، خاصة أن «الإسرائيليين» أشاروا لاحتمال إقدامهم على التخلص من عرفات.

وبعد الوفاة، أثير لغط حول أسباب الوفاة، ساعدت عليه التقارير الطبية الصادرة عن المستشفى الذي عولج فيه، والتي أوضحت تكسر كريات الدم الحمراء، كما أن الشكل الذي ظهر به عرفات أثناء نقله للمستشفى مشابه تماماً للذين تسمموا بعد حادثة «تشيرنوبيل» بالاتحاد السوفياتي. هذه الأسباب مجتمعة، كان من شأنها أن تكون دافعاً للجنة الفلسطينية المكلفة بتقصي أسباب وفاة الرئيس الفلسطيني، لكن ذلك لم يحدث أبداً.

لقد كان بالإمكان إنقاذ عرفات لو تم التعرف أثناء مرضه لنوعية المواد التي سمم بها، لكن ذلك بحاجة إلى ضغط وموقف سياسي، لم يتوافر في حينه. لقد تعرض عرفات لجريمة اغتيال صهيونية، وتواطؤ فلسطيني وعربي أسهم في نجاح عملية الاغتيال. ما يهم هنا هو معرفة الأسباب السياسية التي أدت إلى طرح الموضوع مجدداً، وحماس السلطة الفلسطينية لذلك، بعد أن أقفل الملف وطواه النسيان.

ما هو مؤكد أن عرفات وأبا مازن تحمسا للحل السلمي، بحسبان أنه سيؤدي لقيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة والقطاع. ولم يضع هذا التصور في اعتباره طبيعة المشروع الصهيوني، وموازين القوة بين الفلسطينيين والصهاينة. وقفت قضية حق العودة وعروبة القدس حجر عثرة في طريق عرفات، ولم يقبل بتجاوز هذه المطلبين. لكن قادة السلطة الفلسطينية خالفوا عرفات في موقفه، واعتقدوا أنهم بتجاوزهم لحق الفلسطينيين في العودة لديارهم، سيقنعون «الإسرائيليين» بتلبية مطلبهم في إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة. صدرت وثيقة كوبنهاجن التي وقعها مثقفون فلسطينيون وصهاينة، لتدعم السلطة الفلسطينية لما بعد عرفات في تجاوز حق العودة. كما بدأ تنظير داخل فتح بأن حق العودة، هو مطلب فردي وليس مسئولية فتح.

وأن «إسرائيل» دولة مستقلة، لا يجوز التدخل في شئونها الداخلية. بمعنى أن الفلسطينيين سيمارسون سلطتهم فقط بالضفة والقطاع، وليس من حقهم فرض أي شرط بشأن «إسرائيل» في حدودها التي قامت عليها منذ نكبة فلسطين 1948.

ومع ذلك، لم تتقدم «إسرائيل» بخطوة عملية نحو الإقرار بالدولة الفلسطينية المستقلة. وبعد فشل رئيس السلطة المتكرر في إقناعهم بذلك لجأ إلى مجلس الأمن ليواجه بالفيتو الأميركي، ومن ثم توجه للجمعية العامة للأمم المتحدة من دون جدوى. فهل يكون إعادة التحقيق في ملف عرفات ورقة ضغط أخيرة لدى أبي مازن، يقذف بها في وجه «الإسرائيليين»، على قلة فاعليتها؟ ذلك ما سيتكشف في المقبل من الأيام.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3639 - الخميس 23 أغسطس 2012م الموافق 05 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً